الأربعاء، 30 أبريل 2025

06:13 م

عبد الرحمن ناصر

عبد الرحمن ناصر

A A

رجاء.. لا تكفرونا

بالأمس، وبينما كنت أتصفح موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وجدتُ صديقة مسيحية قد كتبت على صفحتها: "نرجو تهنئتنا بالعيد كما هنأناكم، أو اتركونا بحالنا، رجاءً لا تُكفّرونا."

كانت تلك الصديقة قد هنأتني بعيد الفطر المبارك منذ أيام قليلة، وتمنّت لي عودته علينا جميعًا ونحن في ودّ ومحبة ورباط. ومن باب المزاح، تحدثت معها قائلًا: "في كل عيد كنتِ أول المهنئين، فماذا دهاكِ لتقولي ذلك؟"

فأجابتني بكل صدق: "أنا أنزعج تمامًا في أعيادنا، بسبب كثرة التعليقات التي تدور حول تهنئتنا، ومنها ما يقول إنه لا يجوز تهنئتكم، وأن لنا عيدين فقط!"

نعم، الأعياد لنا نحن المسلمون اثنان، كما ورد في الحديث الشريف، ولكن الأعياد كثيرة أيضًا بالنسبة لنا كمصريين. غير أن الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم يخاطب المسلمين قائلًا: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ"، تأملوا... الله سبحانه وتعالى استخدم كلمة "البر" مع الآخر الديني!، هل تعلمون أن نفس الكلمة وردت مع الوالدين؟!، فهل هناك كلام يُقال بعد كلام الله؟!

استجمعت قواي لأوضح وجهة نظري في هذا الشأن، ولذلك علينا أن نسأل أنفسنا سؤالًا صريحًا: إن لم نُهنئ إخوتنا الأقباط بأعيادهم، فأين "البر" الذي تحدّث الله عنه من فوق سبع سموات؟

في الحقيقة، دعونا نعترف بشيء مهم: العقل البشري نسبي، والإيمان مطلق، فبالنسبة لي، الإيمان هو شيء مطلق، والعقل نسبي.

لذلك يجب علينا نحن المسلمين أن نرى الإسلام حقًا، وللمسيحيين الحق الأصيل في أن يروا إيمانهم حقًا، وكذلك الهندوس، والبوذيين، والزرادشتيين، والمجوس، والصابئة، وكل صاحب معتقد.

فالجميع يُدافع عن إرثه الروحي والديني دفاعًا مستميتًا، ولا خطأ في ذلك.. الخطأ هو أن نُنكِر إيمان كل مؤمن، فقط لأنه يختلف عنا في الدين، وليس في الإنسانية.

من هنا نقول: المؤمن الحقيقي هو من يهتم بإيمانه ومصيره الأخروي، أما المتشدد الجاهل فهو من يرى أن الإيمان حكر عليه وحده، ويبدأ بالاهتمام بمصير الآخرين، مستخدمًا عبارات قاسية، أو تنمرًا، أو تهكمًا.

لا بأس أن أرى نفسي على حق، لكن لماذا أحتجّ حين يرى غيري نفسه على حق؟!، نشأنا جميعًا في هذا الوطن، واستُشهدنا جميعًا على ترابه.

أرض مصر تحديدًا لا تفرّق بين دماء الشهداء؛ فكل من دافع عنها نال شرف الشهادة، سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا.

لقد نال الجميع — وبفخر — شرف الدفاع عن الأرض، ومن حق الجميع أن يفرح ويفتخر بذلك، ومن الحق الأصيل للأطفال أن يحملوا سعف النخيل في "أسبوع الآلام"، ومن حق الجميع أن يعتنق ما يشاء.

في أسبوع الآلام، علينا أن نحترم مشاعر الآخرين، كما نطالب نحن حين نكون خارج الوطن باحترام مشاعرنا.

لا أحد طلب منا أن نُردّد أناشيد "الجالس فوق الشاروبيم الداخل أورشليم"، بل فقط طُلب منا أن نحترم مشاعر الآخرين.

#دمنا_إخوة_في_الوطن

search