الخميس، 15 مايو 2025

06:20 ص

ماذا فعل بنا "الموت" يا محمود كربل؟!

صباح الخير يا عم كربل.. كيف أخبارك اليوم.. احكي لي يا حبيبي عن قلبك الذي كان يسع من “الحبايب ألف”..
هل ما زالت الدعامات ترهقك، هل حتى كتابة هذه السطور تلاحقك "كرشة النفس" ؟..
ماذا يا حبيبي عن صوتك الجميل، الذي كنا نستمتع به ونحن إلى جوارك في مبنى “أخبار اليوم” القديم والعريق وأنت تتحدث وتردد بضحكتك “المجلجلة”.. 

هذا الصوت الذي مسّه السوء منذ سنوات بعد تضخم شريان بجوار أحبالك الصوتية.

حبيبي محمود.. هل تذكر أول لقاء بيننا؟ كنت في بداياتي الصحفية (2001).. كنتُ أبحث عن مكان يأويني.. ودخلت أرشيف “أخبار اليوم” العظيم.. أرسلني إليك أخي وأستاذي الكاتب الصحفي عمر حسانين. وجدتك شابًا أنيقًا في قلب مُركز المعلومات.. مكتبك مختلف عن باقي الزملاء.. ملابسك.. ترحابك.. ضحكتك.. تفاعلك مع الجميع.. حفظك لكل "قصاصة" صحفية في المكان الذي تشمّ فيه رائحة الصحف القديمة.. عمرها يزيد عن 60 عامًا.. لفت نظري صور تحت زجاج مكتبك مع فنانين وكُتّاب.. عرفت أنك صديقهم.. وتزين هذه الصورة صورة والدتك.. ست الحبايب.

كربل.. منذ هذه اللحظة وصار المكتب مكتبي.. وبدأت نصائحك لي.. تشتغل بالطريقة دي.. تجمّع معلومات بهذا الشكل.. لما تحاور ضيف تكون مذاكره.. يوم السبت هتروح شارع شريف في وسط البلد.. هناك مجلة "السينما والناس" الشهيرة.. هتشتغل.. وذهبت وشاركت في اجتماع وبعدها بأيام، حاورت منى زكي.. حين كانت تجهّز في مسرح الزمالك لمسرحية "كده أوكيه" وتصدّر الحوار غلاف المجلة وكانت أمنيتها  في عام 2002 أن تقدم مسلسل عن قصة حياة سعاد حسني وهو ما حدث بعد ذلك بسنوات قليلة.

ليست السينما والناس فقط يا كربل.. بل الخطوة الأعظم مجلة "كاريكاتير" مع الرسام الشهير  مصطفى حسين.. فاكر لما قلت لي: حوار آمال فهمي ده حلو.. اكتبه بطريقة كاريكاتير وابعته على عنوانهم وخد العنوان أهوه في العجوزة.. وحدث واتصلوا بي بعدما أرسلت الحوار في جواب بالبريد.. وقال لي مدير تحريرها العظيم محمد حلمي - رحمه الله: يا ابني إنت اللي كاتب الحوار هينزل زي ما هو.. الأستاذ مصطفى حسين قال ده هنا فيه بترول.. والكلمة دي يقصد موهبة وخدت مكافأة 50 جنيه يومها.. واستمر عملي في كاريكاتير 3 سنوات حتى ذهبت إلى الانطلاقة الأكبر في “المصري اليوم” عند تأسيسه، وكان ذلك بترشيح منك ومن أساتذة في مجلة “كاريكاتير”، هما الكاتب الكبير فاروق الطويل وعمنا محمد حلمي (رحمهما الله).


 

عارف يا عم محمود.. كنت أذهب للمبنى القديم في “أخبار اليوم” يوميًا.. لا ملجأ لي سواه.. هناك في مكتبك وفي الطابق الأول بمكتب الراحل العظيم مصطفى حسين مع شقيقك الأنيق محمد كربل.. وهو الأكبر بين إخواتك.. فاكر يا عم محمود لما كنت تطلب لي أكل من عند “مجدي”.. ومجدي يعرفه "أهل الأهرام والأخبار" جيداً.. فاكر رجائي عامل البوفيه الهادئ.. الصامت كثيرًا عندما كان يدخل الأرشيف وتغني له وأنت تدفع له حساب اليوم والإكرامية وتقول: "يا رجائي أنا.. كم عذّبني طول الرجاء".

كربل.. فاكر دعوات المسرح ووقفتك في ظهر الراحل جلال الشرقاوي في معركة محاولات هدم مسرحه بقرار من الدولة ومحافظ القاهرة في 2012.. وقفت معه حتى انتصر وبقي مسرحه شامخاً حتى الآن..
فاكر حضورنا إليك في المسرح وجلوسنا بين الجماهير وتجولنا في غرف الممثلين.. ربما لا تتذكر الكثير.. لكن أتذكر هذه التفاصيل لأنها البدايات وصعوبتها وقسوتها.. وكنت أنت الداعم والسند والظهر والقوة طوال الوقت.. كنت الأب والأخ والصديق والزميل.

تعرف! حتى مساء أمس 12 مايو 2025 كنت أظن أنني الوحيد الذي نالني كرمك ومساندتك وجدعنتك وشهامتك وكنت متوهمًا أنني منفردا  الذي عاملته هكذا.. لأننا شركاء وشبه بعض في حبنا للأم.. كنت أعشق أمي ولا زلت.. وكنت تعشق أمك ولم تزل.. فهذه الدعوات على صفحتك في فيسبوك شاهدة على هذا الحب  حتى مساء السبت الماضي.

أمس يا "كربل" علمت وتأكدت وسمعت أن كل ما قدمته لي "مجانًا" قدمته لمئات ومئات من الزملاء في الوسط الصحفي وخارجه من بداياتك في “أخبار اليوم” عام 1983 وحتى أيام قليلة مضت.. من أنت يا رجل؟ ما كل هذا.. من جعلك هكذا "فلتة" لن  تتكرر.. من يا حبيبي؟

تتخيل، بعد كل هذه المحبة والكلمات التي كتبتها لك.. تسمح لي أعاتبك.. لماذا يا محمود ذهبت أمس إلى والدتك.. لماذا يا حبيبي هذا القرار.. التقينا قرابة 3 ساعات في يناير الماضي ولم تخبرني عن هذه الرحلة.. لماذا يا كربل.. أطالع خبر رحيلك كغيري من محبيك: "مات الجدع والشهم وحبيب الكل محمود كربل"..
لماذا فاجأت الجميع يا أبو قلب طيّب.. لماذا هذا الرحيل المتعجل.. أعلم أنك ذهبت دون قرار.. وسنذهب يوماً دون قرار.. وأعلم أن قلبك موجوع على صغيريك: “عبد الرحمن وحنين”.. وعليك أن تعلم ورغم قسوة زماننا وناسه.. حتماً سيبقى "حبك اللي كان" للجميع باقياً يحرس صغيريك.. قديما قالوا لنا: “اللي يحبه ربه يحبب فيه خلقه”.. وربنا هيحب ولادك زي حبك وأكتر.. هيحبهم زي حبك للناس وحب الناس كلها ليك.. عليك أن تطمئن.. خيرك سيكون الحارس بعد الله..

حبيبي.. ذهبت أمس إلى مسجد الإسلام بجوار منزلك حيث معزين وشيخ يقرأ.. والتقيت الأستاذ محمد كربل.. منذ سنوات طويلة لم ألتقيه.. تعلم يا محمود أننا لم نتحدث أنا ومحمد أخوك.. لم أقدّم له كلمات العزاء.. ولكن بكينا كثيراً وبصوت مسموع.. بكينا كأطفال تائهين في زحام.. تبحث عيونهم عن أم وأب.. تنتظر غائب لن يعود.. وسنظل نبكي يا محمود.. نبكي حتى نلقاك يا حبيبي..
حتى نلقاك.

search