الخميس، 29 مايو 2025

10:41 ص

حين تكون الرحمة قانونا.. "رغبة في بنطلون" كادت تزج بفتاة داخل السجن

طفلة تعاني من الفقر - أرشيفية

طفلة تعاني من الفقر - أرشيفية

في قلب وسط البلد بالقاهرة، حيث الزحام لا يهدأ والحكايات لا تنتهي، حدثت واقعة بدت بسيطة في ظاهرها، فتاة لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، تُتهم بسرقة بنطلون من محل شهير.

الواقعة التقطتها كاميرات المراقبة، والبلاغ سُجل في قسم الشرطة، والفتاة وُجهت بها إلى النيابة، لكن خلف هذه التفاصيل القانونية الباردة، كانت هناك مأساة إنسانية دفعت محاميًا مخضرمًا، أدهم العبودي، ليكتب واحدة من أقسى مشاهد "الروب الأسود"، حيث لا يكون القانون دائمًا هو الحَكم الوحيد، بل الرحمة والعدالة الاجتماعية.

مأساة طفلة

كتب المحامي أدهم العبودي عبر صفحته على "فيسبوك"، وقال "بنت صغيرة مكملتش 16 سنة، بتدرس في مدرسة صنايع، دخلت محل بنطلونات حريمي في وسط البلد، وجت طالعة اتفاجئت بهيصة ودوشة وناس اتلموا عليها، طلعوا من شنطتها بنطلون، كان واضح إنها جاهلة بنظام المحلات الإلكتروني، كان واضح أنها أول مرة تدخل محل كبير، ولما قابلتها كان واضح أكتر إنها مش مجرمة". 

وأضاف: “اتصل بيا حد من جيرانها موكل عندي، قالي روحلها القسم ضروري والأتعاب بتاعتك عندي، عرفت في القسم إن صاحب المحل اتصل بالنجدة وجت خدتها، بس قبل ما توصل النجدة كان تعدى عليها بالضرب، ووشها كان وارم، ظابط النبطشية قالها اعملي تقرير بالإصابات، لكنها رفضت، كانت مصدومة ومحرجة ومنهارة”.

إدانة موثقة

وتابع: “حاولت إني أتكلم مع صاحب المحل لإنهاء المسألة، أصر أنها تتعرض على النيابة، قلتله من عفا! فقالي وأنا مش هعفي عنها، لوحت بأنها ممكن تعمل فيه محضر ضرب، فابتسم باستهزاء وقالي: دي حرامية! مسكناها متلبسة وعندي بدل الشاهد عشرة! دي النجدة جت خدتها من جوا المحل!”.

وزاد: “بعت جبتلها أكل وعصير، سألتني مين عرفني بمحضرها، حكيتلها عن جارها اللي كلمني، فقالت يبقى أهلي عرفوا، وانهارت أكتر، ولما تقصيت من الجار أهلها إزاي عرفوا قالي واحد ابن حلال من اللي شغالين في المحل وأثناء الحوار ما داير قدر يلقط عنوانها من البطاقة لما الظابط طلبها منها، وراح لأهلها علشان يلحقوا يتصرفوا”.

وواصلت: “سألتها مش عايزة تعمل تقرير طبي ليه؟ قالتلي: دي فيها مستشفى وركوب عربية بوكس تاني.. وبكت: كفاياني بهدلة!”.

عزة نفس

واستطرد: “تعاطفت مع وجهة نظرها، طلعت من القسم وفي نيتي أروّح وأقابلها في النيابة، لكني صادفت جارها ومعاه أهلها، طبعًا كانوا متشنجين وخاربين الدنيا، خفت يحصل أي نوع من الاحتكاك ما بينهم وبين صاحب المحل، خصوصًا إن أبوها قابله بالفعل وعرض عليه تمن البنطلون لكنه رفض”.

وواصل: "خدتهم وقعدنا على قهوة، قعدنا للصبح، حكولي عنها وعن الظروف كلها، شبه معدمين، يمكن لفظ تحت خط الفقر رفاهية للوصف، إنما كان عندهم عزة نفس، وفي لحظة ما أبوها بيتنهد وهو بيحكي صوته اتحشرج، وصقف بإيديه، وقالي وهو حابس غضبه: بس إحنا مش حرامية يا أستاذ! عمرنا ما بصينا لحاجة غيرنا!"

 المحامي أدهم العبودي

مبرر إنساني

وأضاف: “الحكاية مش بنطلون وبنت صغيرة غلطت في لحظة ضعف، الحكاية أعمق وأبعد وأكبر من جريمة، البنت لما وقفت قدام النيابة كان مبررها إنساني ويدعو للحزن، كان نفسها في بنطلون جديد تتعايق بيه في المدرسة وسط صحابها، وأقل بنطلون بمرتب أبوها المسكين، فعنيها زغللت، وقالت مرة وهتعدِّي”.

قرارات حاسمة

وأكمل: "وكيل النيابة بنفسه اتأخر في التأشير على المحضر، إدانا فرصة إن صاحب المحل يغيّر أقواله، ولما رفض كل المحاولات بعتلي وبعتله، واتكلم معاه، قالي لو حابب تمشي المحضر حقك بس راجع نفسك، والراجل فضل شوية يتأفف ويتكلم على سمعة محله، لكنه في النهاية وبدون ضغط قرر يعدل عن أقواله، أظن ده كان أفضل حل للموضوع".

واختتم، “وكيل النيابة أخلى سبيل البنت من النيابة، ولما جارها حاول يتكلم معايا في الأتعاب رفضت، في الليلة دي اتعلمت درس إنساني مهم بعد ما شفت الاحتياج ممكن يوصل البني آدم لإيه قدام عنيا، ودعيت ربنا ما يحوجني، لإننا مش دايمًا بنصمد أمام الحاجة، ولو أبسط حاجة حتّى، ولو بنطلون نعرّف صحابنا منه إننا بنبلس زيهم هدوم جديدة”.

search