
ما بعد التشكيل.. نحو نقابة صحفيين فاعلة في زمن التحولات
شهد الثالث من مايو 2025 استكمالًا طال انتظاره لعملية انتخاب مجلس نقابة الصحفيين، بعد أربع محاولات لعقد الجمعية العمومية لم تكتمل نصابيًا في موعدها الأصلي؛ حيث تم تأجيلها باتفاق ضمني بين الأطراف والنقابة، مراعاةً لشهر رمضان والمناسبات الدينية، وليس نتيجة فشل كما رُوّج في بعض الأوساط، ومع ذلك، فقد عكس التأجيل المتكرر حالة من الترقب والفتور داخل الجماعة الصحفية.
وحين جرت الانتخابات أخيرًا، نجح الصحفيون في اختيار مجلس جديد، حملت تركيبته إشارات متنوعة، وُضعت عليها آمالُ كبيرةٌ في أن تستعيد النقابة شيئًا من دورها الغائب، وتُعيد تعريف موقعها في زمن تتغير فيه قواعد اللعبة الصحفية والسياسية على حدٍ سواء.
جاء إعلان تشكيل اللجان وهيئة المكتب في 26 مايو، بعد فترة من المشاورات، ورغم التأخير الذي أثار التساؤلات، فإن ما تم إعلانه يعكس في جوهره توازنًا بين التوجّهات، ومحاولة لاستيعاب التنوع داخل المجلس؛ فتم اختيار حسين الزناتي لرئاسة لجنة القيد، مع عضوية هشام يونس ومحمد يحيى يوسف، وهي لجنة لطالما كانت في بؤرة الجدل؛ نظرًا لارتباطها بحق أساسي، وهو عضوية النقابة.
كما أُبقي على جمال عبدالرحيم سكرتيرًا عامًا، واُختير هشام يونس أمينًا للصندوق، ومحمد السيد الشاذلي لرئاسة لجنة الشؤون العربية والخارجية ولجنة الحج والعمرة، وأُسندت لجنة الحريات ولجنة المرأة إلى إيمان عوف، فيما تولّى محمود كامل اللجنة الثقافية ولجنة المتابعة، ومحمد سعد عبدالحفيظ لجنة التدريب، ومحمد يحيى يوسف لجنة النشاط، وأيمن عبدالمجيد لجنتي التشريعات والمعاشات.
وتم الإبقاء على محمد الجارحي رئيسًا للجنة الرعاية الاجتماعية والصحية، واختيار عبدالرؤوف خليفة لرئاسة لجنة التسويات، بالإضافة إلى لجنة الشُعب والروابط، وهي من اللجان المعنية بربط النقابة بقواعدها في المؤسسات، وتنشيط التمثيل النقابي داخلها.
لجنة القيد الاستئنافي
وتشكّلت لجنة القيد الاستئنافي بعضوية إيمان عوف وأيمن عبد المجيد، وبعد أن تعذّر التوافق على رئاسة لجنة الإسكان، ورفض جميع أعضاء المجلس تولّي مسؤولياتها، تولّى نقيب الصحفيين خالد البلشي الإشراف المباشر على اللجنة، في خطوة تحمل دلالة واضحة على حساسية الملف، وحجم الخلاف حوله، وضرورة أن يُدار من موقع يحظى بأعلى درجة من الثقة داخل المجلس وخارجه.
في المقابل، رفض محمد شبانة تولّي أي لجنة بالمجلس، في موقف يُقرأ بطرق مختلفة، لكنه يعكس بدوره حجم التباينات داخل التشكيل الجديد.
هذا التشكيل، في صورته الإجرائية، يُعد خطوة أولى لاستكمال البناء المؤسسي، لكن التحدّي الحقيقي لا يكمن في التوزيع، بل في التفعيل.
ما ينتظره الصحفيون ليس فقط من يرأس اللجنة، بل ما الذي ستقدمه هذه اللجنة، وما مدى قُدرتها على العمل بروح جماعية، وبمنهجية مفتوحة على الجمعية العمومية، وبأدوات تراعي تعقيدات الواقع الذي نعيشه؛ فعلى سبيل المثال، تُنتظر من لجنة الحريات مقاربة أكثر فاعلية في الدفاع عن الصحفيين المحبوسين، والتدخّل السريع في حالات الاستدعاء أو المنع أو التهديد، ويُنتظر من لجنة التشريعات ألا تكتفي بدراسة النصوص، بل أن تخوض حوارًا حقيقيًا حول قوانين الصحافة، وتضغط باتجاه تعديل ما يُقيد حرية العمل الإعلامي.
كما أن لجنة القيد أمامها مهمة دقيقة، وهي إعادة الثقة في معايير القبول، وتحقيق التوازن بين الحفاظ على جودة الانضمام للنقابة، ورفض التمييز أو الإقصاء بناءً على اعتبارات غير مهنية، أما لجنة التدريب، فهي مُطالبة بأن تنتقل من نمط الورش التقليدية إلى تصوّر أوسع للتطوير المهني، يواكب التحوّلات الرقمية، وتغيّر أنماط الإنتاج الصحفي.
كما يواجه المجلس تحديًا متزايدًا في التعاطي مع واقع الإعلام الرقمي والصحافة المستقلّة الناشئة، بما يتطلّب تطوير سياسات تستوعب هذا التحوّل، وضمان إدماج العاملين بمنصات النشر الجديدة في المظلة النقابية، مع إعادة النظر في معايير القيد، وهيكل العضوية، وأساليب التنظيم المهني، بما يواكب تحوّلات المهنة وأدواتها.
دخل المجلس المّنتخب أول اختباراته ببطء؛ فقد استغرق ثلاثة أسابيع كاملة بعد إعلان النتائج حتى يُعلن تشكيل اللجان وهيئة المكتب، دون تفسير رسمي للتأخير، ودون أن تصاحب هذا التشكيل أي خطة مُعلنة أو تصوّر واضح لما تنوي كل لجنة القيام به.
وخلال هذه الأسابيع الثلاثة، لم تكن الأوضاع تنتظر؛ فقد شهدت النقابة تحقيقات مع ستة صحفيين على خلفية عملهم الصحفي، في مؤشر جديد على تصاعد الانتهاكات، وضرورة وجود نقابة متيقظة، سريعة الاستجابة، لا نقابة تنتظر ترتيب ملفاتها الداخلية أولًا.
هذه الوقائع لم تجد صدى واضحًا في الخطاب العام للمجلس خلال تلك الفترة، ما عمّق شعور قطاع من الصحفيين بأن فجوة التمثيل لم تُردم بعد، وأن المجلس لم يُعلن بعد عن نفسه كجسم مهني فاعل في مواجهة الاستهداف المتكرر للمهنة.
ويُضاف إلى هذه التحديات ملف القوانين المقيّدة للعمل الصحفي، وعلى رأسها قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، وما تلاه من لوائح تنفيذية، ونصوص تمنح جهات الإدارة سُلطة الرقابة، والمنع، والحجب، دون رقابة قضائية فعّالة.
كما لا تزال بعض النصوص في قانون العقوبات تُستخدم في إحالة الصحفيين إلى المحاكمة بتهم فضفاضة، كـ “نشر أخبار كاذبة”، و"إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي"، في ظل غياب قانون موحّد لحرية تداول المعلومات.
التعامل مع هذه المنظومة التشريعية لا يتطلّب فقط نقدًا علنيًا، بل خطة تشريعية متكاملة، تبدأ برصد الثغرات، وتنتهي بمقترحات واضحة للتعديل، بالتنسيق مع المجتمع المدني والبرلمان.
ومن بين أبرز الأزمات التي تنتظر هذا المجلس، ملفات ثقيلة لا تحتمل التأجيل، في مقدمتها أوضاع الصحفيين المحبوسين على خلفية عملهم المهني، والتوسّع في استدعاء الصحفيين للتحقيق دون سند قانوني واضح، وتزايد حالات الفصل التعسفي، خاصةً داخل الصحف الحزبية والخاصة، دون وجود آليات فاعلة لحمايتهم.
كما يواجه المجلس تحديات مزمنة تخص مئات الصحفيين المؤقتين داخل المؤسسات القومية، ممن لم تُسوَ أوضاعهم الوظيفية رغم سنوات من العمل، إلى جانب تدني الأجور، وغياب مظلة تأمين حقيقية للصحفيين المتعطلين عن العمل، الذين باتوا يشكّلون شريحة واسعة ومهمشة.
ولا يغيب عن قائمة التحديات ملف "مدينة الصحفيين" المتعثّر منذ سنوات، والذي يحتاج إلى موقف حاسم، ينهي سنوات من الغموض والتأجيل.
هذه الملفات لا تُحل بإرادة فردية، بل بخطة عمل جماعية، وجرأة في المواجهة، وشراكة حقيقية مع الجمعية العمومية.
ولا يمكن تجاهل أن الخلافات التي ظهرت للعلن خلال الجلسة الأولى للمجلس حول تشكيل اللجان، كانت محط أنظار الجماعة الصحفية، وأثارت كثيرًا من التساؤلات حول مدى قُدرة المجلس على العمل كجسم واحد، لكن هذه المرحلة يجب أن تُطوى الآن، فما بعد الإعلان الرسمي للتشكيل، يجب أن يكون بداية لصفحة جديدة، يتشارك فيها الجميع المسؤولية، ويُغلّبون فيها المصلحة العامة على أي تباين في الرؤى أو الحسابات؛ فالاختلاف مشروع داخل أي كيان مهني، لكنه لا يجب أن يتحول إلى عائق يشلّ الأداء أو يُعطل الاستحقاقات.
ما يحتاجه الصحفيون اليوم هو نقابة تُصغي لهم بصدق، وتُمثّلهم بشجاعة، وتُعبّر عنهم بوضوح، نقابة تدير الأزمات، لا تتهرب منها، وتبني على ما تحقق، بدلًا من أن تبدأ من الصفر في كل دورة.
ومن المهم التأكيد على أن مسؤولية تجديد النقابة لا تقع على المجلس وحده، بل تتطلّب من الجمعية العمومية أن تمارس دورها في الرقابة والمساءلة، وأن تكون شريكًا في القرار لا متلقيًا له؛ فبقاء النقابة حيّة وفاعلة، مرتبط بمدى انخراط قواعدها في صنع السياسات، والدفاع عن المكتسبات، لا الاكتفاء بالمراقبة من الهامش، أو الانتظار السلبي.
المجلس أمامه فرصة كبيرة لصناعة فارق حقيقي في مسار نقابة تتطلّع لاستعادة دورها، ولا تزال تمتلك من الطاقات والخبرات والمبادرات ما يكفي لتجديد نفسها من الداخل.
صحيح أن الطريق ليس سهلًا، والتحديات كبيرة، لكن المسار يبدأ دائمًا بخطوة واضحة، ورؤية مُعلنة، والتزام فعلي بالتغيير، والتشكيل الحالي لا يُدين أحدًا ولا يبرئ أحدًا، إنما يفتح الباب لحكم مرهون بما سيجري بعد اليوم.
الفرصة لا تزال قائمة، والمجلس في بدايته، وما يحتاجه الصحفيون اليوم ليس مجلسًا بلا ملامح، بل رؤية تقود، ونقابة تحمي، وتدافع، وتبادر، وما زالت النقابة تستحق أن نراهن عليها، لا أن نحاكمها على ما مضى.

الأكثر قراءة
-
كيف تعرف أن هاتفك يدعم الجيل الخامس؟.. خطوات بسيطة للتحقق من "5G"
-
3 أيام عمل دون نوم.. تفاصيل انتشال جثمان طبيب من الترعة بأسيوط
-
حظك اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025.. أمسيتك مليئة بالأحاديث الشيقة
-
"يلا نرسم ربنا".. شكاوى من رسومات عارية بين أيدي تلاميذ في الغردقة
-
بـ"توكة الحزام".. شقيقة "شاب الشروق" تروي تفاصيل الحادث (خاص)

مقالات ذات صلة
"لام شمسية".. هل يكسر حاجز الصمت؟
29 مارس 2025 08:54 م
أكثر الكلمات انتشاراً