الثلاثاء، 17 يونيو 2025

11:54 م

فتحي حسين
A A

الذكاء الاصطناعي والحرب بين طهران وتل أبيب

ليس في الحرب الدائرة الآن بين إيران وإسرائيل ما يشبه الحروب التي عرفناها. فبينما تتوالى أخبار الصواريخ والانفجارات والردود المتبادلة، هناك حرب أخرى تُدار في الخفاء، أكثر صمتًا، لكنها أكثر خطرًا: حرب العقول الاصطناعية، التي باتت اللاعب الأذكى في حروب لا مكان فيها للعاطفة أو القرار البشري.

عندما تُفكر الآلة بدلًا عن القائد!

إسرائيل، تلك الدولة التي شيّدت أمنها على دعم التقنية و"الردع الذكي"، لم تعد تعتمد على التحليل البشري وحده. بل أوكلت إلى الذكاء الاصطناعي مهامًا كانت حتى الأمس القريب من اختصاص أجهزة استخبارات كاملة.

في غرف مظلمة تحت الأرض، تتحرك خوارزميات مبرمجة لتقرأ صور الأقمار الصناعية، وتلتقط الإشارات اللاسلكية، وتُفسّر الأنماط، بل وتُصدر توصيات ميدانية قد تقرر ضربة جوية في لحظة.

وحدات الجيش الإسرائيلي تستخدم اليوم ما يُعرف بـ"شبكة المعركة الذكية"، حيث تتصل الطائرات والدبابات والجنود بمنظومة واحدة، تتغذى على الذكاء الاصطناعي الذي يُقيّم، ويُحدد، ويُوجّه دون حاجة إلى الانتظار أو الرجوع للقيادة.

الدفاع الذي يرى قبل أن يُهدد

منظومات مثل القبة الحديدية و"مقلاع داوود"، لم تعد فقط أنظمة اعتراض صواريخ، بل تحولت إلى أنظمة تفكير قتالي آلي. إذ يقوم الذكاء الاصطناعي داخليًا بتحليل سرعة المقذوفات، واتجاهها، ويُحدد خلال أقل من ثانية إن كانت تشكل خطرًا على المدنيين أو لا، ليتخذ القرار المناسب قبل أن تصل يد الجندي إلى الزر.

وهناك طائرات لا تعرف التردد تجدها في سماء الحرب، تحلّق الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، مسلحة ليس فقط بالقنابل، بل بعقول إلكترونية تتعرف على الأهداف، وتختار الزوايا، وتُنفّذ المهمة في صمت قاتل.

وفي المقابل، تطلق إيران طائراتها المسيّرة "شاهد" و"أبابيل"، وقد زُوّدت بذكاء صناعي يسمح لها بتعديل المسار، وتجنّب الرادارات، والوصول بدقة إلى العمق الإسرائيلي.
هذه الطائرات، وإن اختلفت صناعتها، إلا أن الهدف واحد: قتل بأقل تردد، وبلا تراجع، عبر قرار تتخذه آلة لا تملك ضميرا

السيطرة على الفضاء السيبراني

من خلف الشاشات أيضًا، تُخاض حرب أخرى لا تقل عنفًا. الهجمات الإلكترونية المتبادلة بين طهران وتل أبيب أصبحت أكثر تعقيدًا بفضل الذكاء الاصطناعي، حيث تُطلق برامج هجومية ذاتية التعلم، تستكشف الثغرات وتهاجمها دون أوامر بشرية مباشرة.

إسرائيل تستخدم تقنيات شبيهة بتلك التي دمرت منشأة "نطنز" الإيرانية سابقًا (مثل "Stuxnet")، بينما تدير إيران وحدات سيبرانية نشطة مثل APT33، تعتمد على الذكاء الاصطناعي للهجوم والدفاع وتحليل شبكات العدو لحظة بلحظة.

الوعي العام ساحة حرب

لم يسلم الرأي العام من هذه الحرب الذكية. فكل من الدولتين تسعى عبر أدوات الذكاء الاصطناعي إلى توجيه الوعي الشعبي، ونشر الشائعات، وتصميم صور مفبركة (Deepfakes)، ترسم نصرًا هنا، وهزيمة هناك، لتخلق واقعًا نفسيًا مزيفًا يقاتل فيه المواطن بعقله قبل أن يحمل سلاحًا.

إيران... الذكاء الاصطناعي كسلاح غير متكافئ

رغم الحصار التقني، طورت إيران استراتيجيات ذكية في استخدام الذكاء الاصطناعي كسلاح غير متكافئ. من تحسين دقة الصواريخ، إلى اعتماد طائرات هجومية بدون توجيه مباشر، إلى إدارة حرب إعلامية موجهة بدقة خوارزمية.

وما لا يُقال كثيرًا أن طهران باتت تستثمر في تطوير ذكاء اصطناعي يمكنه تحليل المشهد الجيوسياسي وتقديم توصيات لصنّاع القرار بشأن توقيت التصعيد، وأهدافه، وتداعياته. 

حرب لا قلب لها

إن أخطر ما في هذه الحرب ليس ما نراه، بل ما لا نراه... قرارات تُتخذ على يد آلة.
آلة لا تسأل عن الضحايا، لا تعرف معنى الألم، ولا تتردد لحظة في تنفيذ أمر ما دام "منطقيًا" وفق المعادلة.
لكن متى كانت الحرب منطقية؟ ومتى كانت الحسابات الرقمية تصلح لقياس الدم، والمأساة، والخوف في أعين الأطفال؟
لقد دخلنا عهدًا جديدًا من الحروب، تُديرها عقول اصطناعية بلا قلب. وبينما نُصفق للذكاء

search