الإثنين، 23 يونيو 2025

12:40 م

الكاتب شريف أسعد
A A

حرب الفراولة

في الوقت الذي تنتشر فيه أخبار الحرب والدمار من حولك كرائحة التقلية في محل كشري لا يستطيع أنفك أن يخطئها أبدا، هناك جيل كامل من المصريين الذين يندبون حظوظهم التعسة ليس لشيء سوى أنهم "اتولدوا" في هذه الحقبة الحزينة من عمر الكون.

منشورات لا تعد ولا تحصى وأجيال السبعينات والثمانينات والتسعينيات تندب حظها التعس وتتغنى بأوقات الماضي الخالي من أمطار الكوارث المنهالة على رؤوس كل من يحمل في يده جهاز التليفون المحروق.. وليس المحمول.. لأن الشيء المحمول الوحيد في هذه الأيام هو شنط الهم فوق الأكتاف وأجولة الغم على الرؤوس كلما قفزت عيناك الجميلتان إلى شاشة المدعوق لمتابعة آخر الأخبار وهو الجهاز الذي يعطيك طوال الوقت إشعارات تسبب لك إمساكا مزمنا طويل الأجل، "إلحق" عاجل فلان قتل زوجته، "إلحق" عاجل فلانة ما جاتش فيها السكينة، "إلحق" عاجل السكينة طلعت بتاعة المكوجي! 

آلاف العواجل التي تضعك في موقف حرج طوال النهار والليل وتشعرك بذنب أنك مسؤول بشكل أو بأخر عن ما أحل بالكون من حولك من بلاوي زرقاء لأنك بالتأكيد كنت سبب سواء بتجاهلك لكل هذه العواجل بلا حراك فعال أو سواء بمشاركتك التي كانت سببا في تأجيج الأمور رغم أنك لا ناقة لك ولا جمل ولا معزة حتى، وكأنك أصبح لزاما عليك مهاجمة فلان وإلا أصبحت شريكا له حتى لو كان في كوكب بلوتو، أو الدفاع عن فلانة وإلا أصبحت عدوا للمرأة يا رجعي يا جاهلي يا مؤسس جمعية وأد البنات، أو على الأقل ان تقوم بمحاولة عمل حوار مع السكينة يا أخي! اجتهد شوية! شاركنا.

اليوم أصبح كل واحد منا حزينا تعيسا، حتى من سيحاول النفي والتنصل من انضمامه إلى هذه الشريحة الكئيبة لن يكون سوى كاذب أو متغافل عن الحزن المدفون القابع بداخله، فهو بالتأكيد شخص يتعامل مع أشخاص حزانى كثر، وكل حزين من الحزانى ينقل له الحزن في قراطيس سواء شاء أم أبى.

والحقيقة المُرة أننا أصبحنا في وضع ليس له نقطة عودة إلا بمعجزة كبرى، لن تنقطع الأخبار ولن تتوقف إشعارات العواجل التي تنهال على أم رأس محمولك، ولن يتوقف العالم المأفون عن المُضي قدما نحو الخراب المستعجل على عجل، وأنت وأنا والحبايب لسنا سوى مجرد أفراد في طابور انتظار البلوى السوداء القادمة لا محالة على رأس النيزك الذي يطالب به السواد الأعظم من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي اللا اجتماعي بالمرة. 

أحن إلى أيام كانت فيها الأخبار - مهما اشتدت أوزار الحروب في العالم - لا تتعدى قيمتها دقائق المطالعة في صفحة الجريدة التي تنشر خبرا عن كارثة حدثت بالأمس منذ ما يقارب أربعة وعشرين ساعة وأنت "نايم على ودانك أحلى نومة" ولا على بالك، أحن إلى أيام كان فيها صوت الموسيقى الافتتاحية للخبر العاجل في القناة الأولى ترتعد له الأطراف، لأنه لا أخبار عاجلة إلا يومين في السنة تقريبا، ومنهم خبر عودة الرئيس إلى أرض الوطن بسلامة الله. 

أحن إلى أيام كانت الحرب الوحيدة التي يتردد اسمها على ألسنة المواطنين المتراصين فوق ارصفة المترو في انتظار عربة اتجاه حلوان ليست سوى: حرب الفراولة للأستاذ محمود حميدة والجميلة يسرا.

title

مقالات ذات صلة

حرب الفراولة

22 يونيو 2025 09:42 م

search