زيدان.. أمير الكرة الجميلة كتب المجد بلمسة خالدة وودّع العالم بنطحة

"لا يمكنك مقاومة السحر الذي ينشره زيدان عندما يملك الكرة ويسيطر عليها".. بهذه الكلمات اختصر الظاهرة البرازيلية رونالدو عبقرية زين الدين زيدان.

زيدان لم يكن نجمًا عاديًا، بل رمزًا للكرة الجميلة وأسطورة حقيقية، بالطبع لا يخرج عن قائمة أفضل 5 لاعبين في تاريخ كرة القدم.

قبل زمن ميسي وكريستيانو رونالدو، كانت المقارنات بين زيدان مع الأسطورتين بيليه ومارادونا، زيدان وحده مع عظماء اللعبة.

ويحل اليوم يوم ميلاد زيدان 23 يونيو 1972 ليتم 53 عاما، ليكون أحد القلائل الذين سطروا تاريخا وتركوا إرثا لا ينسى كلاعبين ومدربين.

وتستعرض "تليجراف مصر" قصة زين الدين زيدان أسطورة يوفنتوس وريال مدريد ومنتخب فرنسا كالتالي:

زيدان وُلد لأبوين جزائريين، ويحمل الجنسيتين الفرنسية والجزائرية، والده إسماعيل زيدان من قرية أغومون آث سليمان في ولاية بجاية بمنطقة القبائل الجزائرية، وصل إلى فرنسا عام 1953 للعمل في البناء، ثم استقر لاحقًا في فوكايا بعد زواجه من مليكة، وهي فرنسية من أصل جزائري.

ظهر شغفه بكرة القدم وهو طفلا، وكانت بدايته زيدان الحقيقية كانت حين انضم إلى بوردو في 1992 قادمًا من "كاين" نادي الطفولة، وساعده المدرب رولان كوربيس.

شكّل مع كريستوف دوجاري وبيكسينتي ليزارازو ثلاثيًا شهيرًا عُرف باسم مثلث بوردو،  تألق زيدان في موسمه الأول، إذ سجل 10 أهداف وصنع الكثير لـ دوجاري.

موسمًا بعد آخر، تطوّر زيدان، وأصبح مختصًا في الركلات الحرة، وبدأ يلفت أنظار كبار أوروبا.

أُوقف مرة بعد لكمه مارسيل ديسايي، لكنه سرعان ما أصبح نجم الفريق وجماهيره، ليقود بوردو للتأهل لكأس الاتحاد الأوروبي، ثم إلى نهائي البطولة في 1996، بعد إقصاء ريال بيتيس وميلان.

وفي النهائي، غاب زيدان عن الذهاب، وخسر فريقه اللقب لصالح بايرن ميونيخ، وفي عام 1996 أُختير أفضل لاعب في فرنسا، لينتقل بعدها إلى يوفنتوس مقابل 5.3 مليون يورو.

لاحقًا، صُنّف ضمن أفضل 1000 لاعب بتاريخ الدوري الفرنسي في المركز 110.

5 أعوام صنعت أسطورة

انضم زين الدين زيدان إلى يوفنتوس في صيف 1996 بعد تألقه مع بوردو والمنتخب الفرنسي.

 في موسمه الأول، تأقلم تدريجيًا وساهم في تتويج الفريق بالدوري، كأس الإنتركونتيننتال، وكأس السوبر الأوروبي، وبلغ نهائي دوري الأبطال.

في الموسم الثاني، انفجرت موهبته بالكامل، فسجل 7 أهداف بالدوري وقاد الفريق للقب محلي جديد ونهائي أوروبي ثانٍ، ليتوج تُوج بالكرة الذهبية لعام 1998 بعد فوزه بكأس العالم مع فرنسا.

لكن الموسم التالي شهد تراجعًا، إذ تأثر بالإصابات وتغير المدربين، واكتفى بهدفين في الدوري الإيطالي.

في موسم 1999–2000 كان أفضل، عاد فيه للتألق، لكن يوفنتوس خسر الدوري الأخير في الجولة الأخيرة وودع كأس الاتحاد الأوروبي مبكرًا.

في موسمه الأخير، شكّل زيدان ثنائيًا بارزًا مع ديفيد تريزيجيه، لكنه لم يحقق السكوديتو الثالث، وبعد نهاية الموسم، رحل إلى ريال مدريد في صفقة تاريخية، تاركًا إرثا لا ينسى في تاريخ "السيدة العجوز".

لمسة خالدة

“إذا عجزنا عن التصرف بالكرة كنا نمررها بسرعة لزيدان، هو دائماً يجد الحل ويعرف كيف يعيدها لنا” "راؤول جونزاليس أسطورة ريال مدريد.

في صيف 2001، انتقل زين الدين زيدان إلى ريال مدريد قادمًا من يوفنتوس في صفقة قياسية بلغت 75 مليون يورو، ليصبح وقتها أغلى لاعب في تاريخ كرة القدم، ليكون الأساس لمشروع رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز "الجلاكتيكوس" الذي جمع نجوم اللعبة في فريق واحد.

ترك زيدان بصمة لا تنسى، في نهائي دوري أبطال أوروبا أمام باير ليفركوزن، إذ سجل أحد أجمل أهداف البطولة على الإطلاق بتسديدة يسارية من الطراز الرفيع، ليمنح ريال مدريد اللقب الأوروبي التاسع، كما حقق كأس السوبر الإسباني مع النادي الملكي.

في موسم 2002–2003، قاد زيدان ريال مدريد لتحقيق لقب الدوري الإسباني في الجولة الأخيرة،وسجّل 9 أهداف في الليجا، كما فاز بكأس السوبر الأوروبي وكأس الإنتركونتيننتال.

رغم الفوز بكأس السوبر الإسباني 2003، بدأت مسيرة الفريق بالتراجع مع تغيّر السياسات داخل النادي بين عامي 2003-2005، ليؤثر على نتائج الفريق رغم ضم النجوم مثل رونالدو وبيكهام وأوين.

خرج الفريق من دوري الأبطال وكأس الملك والدوري دون ألقاب، وفي موسم 2005-2006، أعلن اعتزاله، وخلال 5 مواسم، سجّل زيدان 49 هدفًا في 227 مباراة مع ريال مدريد، وتوّج بـ6 ألقاب، أبرزها دوري أبطال أوروبا والدوري الإسباني. 

لكن الأهم من كل ذلك، هو تأثيره الفني والجمالي والتاريخي، كواحد من أعظم من ارتدوا قميص النادي الملكي عبر التاريخ.

المجد مع الديوك

بدأ زين الدين زيدان مسيرته الدولية مع فرنسا عام 1994، وسجل هدفين في أول ظهور له.

وفرض نفسه كصانع ألعاب مع المدرب إيمي جاكيه، وشارك في يورو 1996، ليصل الديوك إلى نصف النهائي.

وصل زيزو لقمة المجد في كأس العالم 1998 على الأراضي الفرنسية، عندما قاد "البلوز" للفوز بالبطولة لأول مرة في تاريخهم، مسجلًا هدفين في النهائي ضد البرازيل.

واصل زيدان تألقه في يورو 2000، إذ قدّم أداءً استثنائيًا توّج به فرنسا بلقبها الثاني كما سجل الهدف الذهبي" في نصف النهائي أمام البرتغال.

لكن مسيرة زيدان مع المنتخب لم تكن خالية من الانتكاسات، في كأس العالم 2002، غاب عن أول مباراتين بسبب الإصابة، وفشلت فرنسا في تسجيل أي هدف، وخرجت من الدور الأول في واحدة من أكبر مفاجآت البطولة. 

وفي يورو 2004، تألق زيدان في دور المجموعات، لكنه خرج مع الفريق أمام اليونان في ربع النهائي، ليقرر الاعتزال الدولي.

نطحة لا تنسى

"إنه عبقري، أنا اعترف أنني لم أتمكن من لمس لكرة عندما تكون بحوزته وكأنها ملتصقة بقدمه” كانافارو صخرة الدفاع الإيطالية.

في أغسطس 2005، عاد زين الدين زيدان من اعتزاله الدولي ليقود منتخب فرنسا في تصفيات كأس العالم 2006، حيث تألق وساهم في التأهل. 

في المونديال، رغم بداية صعبة، قاد زيدان فرنسا إلى النهائي بتألق لافت، خصوصًا ضد البرازيل وإسبانيا. 

في النهائي ضد إيطاليا، سجّل هدفًا بطريقة "بانينكا"، لكنه طُرد لاحقًا بعد نطح ماركو ماتيرازي، في مشهد أنهى مسيرته الدولية بطريقة مثيرة للجدل.

"في ذلك اليوم، كانت والدتي مريضة جدًا. لم يكن الوضع خطيرًا، لكنها لم تكن على ما يرام، وقد أخبرتني شقيقتي بذلك، وكنت قلقًا جدًا عليها."

"ماتيرازي لم يُهن والدتي، وهذا صحيح، لكنه أساء إلى شقيقتي. حينها، شيء ما انفجر بداخلي، وحدث ما شاهده الجميع."

"في الملعب، كثيرًا ما يتبادل اللاعبون الشتائم دون أن تخرج الأمور عن السيطرة. لكن في تلك اللحظة، لم أتمالك نفسي. لا أشعر بالفخر لما فعلته، لكنه جزء من مسيرتي، وأنا أتحمل مسؤوليته".

بعد كأس العالم، دخل زيدان مرحلة من العزلة النسبيّة، وركّز على الأنشطة الخيرية والسفر، رفض العودة للملاعب رغم عروض أمريكية وأسترالية، نال عدة تكريمات، وشارك في مباريات خيرية، وظل غامضًا بشأن مستقبله المهني في كرة القدم.

في 2009، انضم لإدارة ريال مدريد مستشارًا للرئيس فلورنتينو بيريز، ثم أصبح مديرًا رياضيًا في 2011، وكان له دور في التعاقد مع فاران وتطور بنزيمة.

ليالي الأبطال الثلاثة

بدأ زيزو دراسة للتدريب، وفي 2013، كلّفه بيريز بقيادة المشروع الرياضي الجديد للنادي، ليبدأ مسيرته كمدرب لريال مدريد كاستيا ثم مساعد مدرب لكارلو أنشيلوتي في عام 2014.

تولى زيدان تدريب ريال مدريد عام 2016 خلفًا لرافائيل بينيتيز، ليصبح أول مدرب فرنسي يقود الفريق.

ورغم بدايته المتعثرة محليًا، فقد قاد الفريق للفوز بدوري أبطال أوروبا بعد ستة أشهر فقط، متغلبًا على أتلتيكو مدريد في نهائي لا ينسى، ليصبح سابع مدرب، يفوز بالبطولة كلاعب ومدير فني.

في موسمه الكامل الأول، توّج زيدان بالليجا للمرة الأولى منذ 2012، كما احتفظ بدوري أبطال أوروبا بعد الفوز على يوفنتوس في النهائي، حقق أيضًا كأس السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية، محققًا رقمًا قياسيًا بعدم الخسارة في 40 مباراة متتالية.

وفي موسم 2017-2018، رغم تراجع نتائج الفريق محليًا وخروجه من كأس الملك، قاد زيدان ريال مدريد للتتويج بدوري أبطال أوروبا للمرة الثالثة على التوالي، إنجاز لم يسبقه إليه أي مدرب في النسخة الحديثة من البطولة، فاز أيضًا بكأس السوبر الإسباني وكأس العالم للأندية.

خيبة أمل

بعد تتويجه الأوروبي الثالث، أعلن زيدان استقالته من تدريب ريال مدريد، مؤكدًا أن الفريق بحاجة إلى "تغيير في النهج"، ورحل بعد تحقيق 9 ألقاب خلال أقل من 3 سنوات.

بعد موسم كارثي لريال مدريد في 2018–2019، عاد زيدان لتولي تدريب الفريق في 11 مارس 2019 بعقد يمتد حتى 2022، بدعوة من فلورنتينو بيريز لإعادة بناء الفريق.

افي موسم 2019–2020، قاد زيدان الفريق للتتويج بالدوري الإسباني للمرة 34 في تاريخه، كما فاز بكأس السوبر الإسباني.

 في الموسم التالي، خرج ريال مدريد من نصف نهائي دوري أبطال أوروبا أمام تشيلسي، وخسر لقب الدوري لصالح أتلتيكو مدريد في الجولة الأخيرة. 

ومع نهاية الموسم، أعلن زيدان استقالته في 27 مايو 2021، مؤكدًا للاعبيه قراره مسبقًا، لينهي بذلك فترته الثانية مع النادي، وليغيب منذ ذلك الحين عن التدريب.

مسيرته كلاعب حفرت اسمه في ذاكرة الجميع كأحد أفضل اللاعبين في التاريخ، بصناعته لأمجاد فرنسا مع جيل 1998، وقيادته ريال مدريد نحو المجد القاري، وصولاً إلى لحظة الوداع الشهيرة في برلين مع الديوك.

لكن زيدان لم يكتفِ بالمجد على المستطيل الأخضر، فعاد من جديد على خط التماس، مدربًا يحمل رؤيته الخاصة، وخلال سنوات معدودة، حوّل ريال مدريد إلى آلة أوروبية لا ترحم، بثلاثية تاريخية في دوري الأبطال.

وبرغم ابتعاده عن التدريب منذ 2021، فإن غيابه لا يُشبه الغياب، بل أشبه بانتظار، فالعالم كله، يعلم أن "زيزو" لم يقل كلمته الأخيرة بعد.