في ذكري وفاة يوسف داوود.. كوميديان بدرجة مهندس

يوافق اليوم، الثلاثاء 24 يونيو، الذكرى الـ13 لرحيل الفنان القدير يوسف داوود (1933 – 2012)، أحد أبرز الوجوه الكوميدية التي تركت بصمة لا تُنسى في تاريخ السينما والمسرح المصري.

ذكري وفاة يوسف داوود

رحل الفنان يوسف داوود عن عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 2012، بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز 79 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا غنيًا بالأدوار المتميزة التي جمع فيها بين الكوميديا الراقية والأداء المتقن.

مسيرة حافلة من الهندسة إلى الفن

قبل أن يلمع اسمه في سماء الكوميديا، كان يوسف داوود مهندسًا (خريج كلية الهندسة – قسم الكهرباء عام 1960)، وبدأ حياته المهنية في مجال تخصصه. غير أن شغفه بالفن ظل حاضرًا، حتى قرر في عام 1985 أن يُحدث نقلة جذرية في مسيرته، بعد النجاح اللافت الذي حققه في مسرحية "زقاق المدق"، حيث لفت الأنظار بموهبته اللافتة، ونال إشادات واسعة من النقاد، ليبدأ بعدها رحلة فنية حافلة بالعطاء والتميز.

تعاونات فنية لافتة مع عادل إمام

تميّز يوسف داوود بشراكة فنية مميزة مع النجم عادل إمام، شكّلت واحدًا من أنجح الثنائيات في تاريخ السينما والمسرح المصري. فقد شارك في عدد من أبرز أفلام "الزعيم"، من بينها: "زوج تحت الطلب"، "كراكون في الشارع"، "سلام يا صاحبي"، و"النمر والأنثى"، حيث أضفى حضوره الفريد طابعًا كوميديًا مميزًا على هذه الأعمال. 

ولم يقتصر التعاون بينهما على الشاشة الكبيرة، بل امتد إلى المسرح، حيث تألق في مسرحية "الواد سيد الشغال"، قبل أن ينتقل إلى شاشة التلفزيون، ليصبح وجهًا مألوفًا في عدد كبير من المسلسلات التي رسّخت مكانته في قلوب الجمهور.

تجربة عسكرية فريدة من نوعها

خاض الفنان يوسف داوود تجربة استثنائية خلال فترة تجنيده، إذ امتدت خدمته العسكرية إلى 7 سنوات كاملة نتيجة للظروف التي فرضتها الحرب، ليعيش خلالها واقعًا صعبًا ومليئًا بالتحديات، تركت بصمتها في شخصيته وأضافت إلى تجربته الحياتية عمقًا إنسانيًا ظل حاضرًا في ملامح أدائه الفني لاحقًا.

مسيرة فنية مليئة بالمفارقات

رغم مسيرته الفنية الثرية، كان للفنان يوسف داوود جانب شخصي مميز كشف عنه أقرب المقرّبين إليه. 

أوضحت ابنته دينا يوسف داوود في تصريحات سابقة من خلال برنامج "مساء dmc"، أن والدها كان عاشقًا للقراءة والشعر، ويجيد أيضًا فنون النجارة والرسم، ما يعكس شخصية متعددة المواهب والهوايات. ورغم نجاحه الكبير على خشبة المسرح وأمام الكاميرا، حرص على إبعاد أبنائه عن طريق التمثيل، مفضلًا أن يظل الفن جزءًا من تجربته الشخصية فقط.

وقد أظهرت صور نادرة من شبابه – نشرتها ابنته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ملامح مختلفة تمامًا عن الهيئة التي عرفه بها الجمهور، في مفارقة لافتة بين مظهره قبل الشهرة وبعد دخوله عالم الفن.

مواقف نادرة ترويها ابنته

وروت دينا يوسف داوود موقفًا طريفًا وإنسانيًا يعكس روح والدها المتسامحة وثقافته الواسعة؛ إذ كشفت أنه أثناء خدمته العسكرية، طُلب منه إلقاء خطبة الجمعة، دون أن يدرك زملاؤه أنه قبطي الديانة، وذلك بفضل إتقانه اللافت للغة العربية واطلاعه الواسع على تعاليم الدين الإسلامي.

 لم يتردد يوسف داوود، ووافق على المهمة، مجسدًا مثالًا نادرًا للتعايش والتفاهم، في موقف ظل محفورًا في ذاكرة من عرفوه.

محطة الوداع الفني

اختتم يوسف داوود مسيرته الحافلة بعملين لافتين، هما: فيلم "جدو حبيبي" عام 2012، إلى جانب الفنانة لبنى عبد العزيز والفنان القدير محمود ياسين، ومسلسل "قصص الإنسان في القرآن"، مع الفنان يحيى الفخراني، وهو العمل الذي حمل رسالة دينية وإنسانية رفيعة، واختتم به داوود رحلته الفنية بإطلالة تحمل من الحكمة بقدر ما تحمل من التألق.

إرث فني لا يُنسى

امتلك يوسف داوود قدرة استثنائية على انتزاع الضحكة من الجمهور دون مبالغة، من خلال أداء كوميدي مميز يمتزج بالسخرية الذكية والبساطة. 

ورغم تجسيده المتكرر لأدوار الرجل العصبي أو المتجهم، إلا أنه ظل حريصًا على الصدق في الأداء، ما جعله قادرًا على تقديم الشخصيات بشكل مؤثر وقريب من الواقع.

واليوم، بعد أكثر من عقد على رحيله، يبقى اسم يوسف داوود حيًا في ذاكرة الفن المصري، كأحد رموزه الذين جمعوا بين الموهبة الصادقة والتفاني في العمل، ليخلّد اسمه في سجلّ عظماء الفن العربي.