الإثنين، 07 يوليو 2025

02:02 ص

تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة "محمود" ضحية عمه وابنه بأسيوط

محمود صالح ضحية عمه ونجله في أسيوط

محمود صالح ضحية عمه ونجله في أسيوط

مصطفى عبدالفضيل

A .A

لم يكن يعلم أنّ دربه في ذلك الصباح سيقوده إلى عناقٍ أبديّ مع التراب، وأنّ الوجوه التي ودّعها على عتبة البيت ستراه بعدها جسدًا صامتًا بين حجارةٍ لا تبكي، ولم يعلم أن وجهته إلى مقابر القرية، لم تكن كزائر يقرأ الفاتحة، بل كجسدٍ محمول على الأكتاف.

محمود فتى في السابعة عشرة، خرج ليطارد حلم لقمة شريفة على مقعد “توكتوك” متواضع، بينما يطارد قلبه أمل العودة سريعًا إلى بيتٍ ينتظره فيه أبٌ مُرهق وأمٌّ تُشعل دعواتها في صدرها كل صباح، ما كان يتوقع أن الرحلة القصيرة ستُكتب نهايتها بخيانةٍ أقسى من الموت، في قلب مقابر المطمر بمحافظة أسيوط.

البداية.. دمـاء على حجارة صامتة

وسط قلب ريف أسيوط الهادئ، حيث يختلط صدى الأذان بأصوات الدواب، استيقظت قرية المطمر على خبر حفر في وجدانها جرحًا لا يُنسى؛ العثور على جسد شاب في ربيع عمره، ملقى بين شواهد القبور، ومشاهد الدمـاءٌ تبلل حجارةً صامتةً، وشهقاتٌ حبستها القرية بأكملها بين ضلوعها، قبل أن تنفجر بكاءً وحيرة.

بلاغٌ فجّر صدمةً موجعة

الثلاثاء، الموافق الأول من يوليو 2025، كانت عقارب الساعة تقترب من الثانية صباحًا، عندما تلقّى اللواء وائل نصار مدير أمن أسيوط، إخطارًا عاجلًا من غرفة عمليات النجدة؛ بعثور الأهالي على جسد شاب داخل مقابر قرية المطمر، وبه طعنات متفرقة، دقائق قليلة فصلت البلاغ عن تحرك قوة أمنية من مباحث مركز ساحل سليم صوب مكان الحادث، وسط دهشة الأهالي وصمتهم المذعور، هناك على ترابٍ باردٍ في قلب المقابر، حيث كان الظلام يثقل المشهد والصدمة تسكن الوجوه.

ضحية الحلم

بالفحص والمعاينة الأولية، ظهر الجسد ملقى بين القبور، وبه طعنات متفرقة تؤكد شبهة التعدي العمد، الضحية شاب في السابعة عشرة من عمره، يُدعى "محمود.ص.ع"، يعمل سائق “توكتوك”، ويقيم بقرية جزيرة المطمر، فتى بسيطٌ لم يعرف من الحياة سوى التعب اليومي على دروب القرية، بحثًا عن لقمة عيشٍ تحفظ كرامته وكرامة أسرته.

اختفاء دام يومين كاملين

قبل يومين من البلاغ، خرج محمود بالتوكتوك ليُقلّ زبونًا كما اعتاد، لكن النهار انقضى دون عودته، ومع مرور الساعات، بدأت الدهشة تتحول إلى قلق، ثم إلى خوفٍ كاسح، قلب الأم ضاق ونظرات الأب بحثت عن أثر، وبيوت القرية ترددت فيها كلمة تأخر عن المعتاد، فأسرعت الأسرة إلى مركز الشرطة لتحرير محضر تغيب، تُمسك بخيط أملٍ هشّ في عودة الابن حيًا، وتخشى أن يكون ما تخشاه كل أمّ في ريفٍ يعرف أن الفقر قد يُنبت الجريمة.

جهود كشف هوية المتهم

ما بين تتبّع كاميرات المراقبة، وفحص خطوط الهاتف، والاستماع لشهادات الأهالي، كثفت الأجهزة الأمنية جهودها لكشف ملابسات الواقعة، الخيوط القليلة سرعان ما تجمعت حتى تكشّف وجه الحقيقة، وتشير إلى أقرب الناس للمجني عليه: عمّ الضحية "نشأت. ع" ونجل عمه "طاهر. أ" اللذين استدرجاه بحيلةٍ أقسى من الخناجر، وخدعة إنسانية بحتة؛ حيث طلبا توصيلهما إلى قبر لزيارة المتوفـى، حينها استقر الشر في صدريهما، فانقضّا عليه بطعناتٍ متفرقةٍ أنهت الرحلة في قلب المقابر، وحوّلت محمود إلى ذكرى معلّقة بين دمـاء وحجارة.

اعتراف بجريمة دامية موجعة

تمكنت قوات الأمن من ضبط المتهمَين، وخلال التحقيقات اعترفا بتفاصيل الجريمة البشعة؛ خططا لاستدراجه معًا، فقط من أجل الاستيلاء على التوكتوك وبيعِه، لم يكن الاعتراف مجرد كلماتٍ في دفتر محضر؛ بل كان طعنةً أخرى في صدر أسرةٍ لم تستوعب أن المتهم خرج من رحم العائلة نفسها، برر المتهمان جريمتهما بحجةٍ أبرد من التراب: الحاجة للمال والمخدرات، قائلين إنهما كانا يمران بضائقة مالية، ودفعهما إدمان المواد المخدرة إلى هذا المصير، سقطت كلماتهما على آذان المحققين كحجارة، بينما كانت دموع والدة محمود تسأل سؤالًا لم تجب عنه التحقيقات: كيف تصبح القرابة خنجرًا؟

قرار نيابة سريع وحاسم

أمرت النيابة بحبس المتهمَين أربعة أيام على ذمة التحقيق، وأجرت معاينة تصويرية لإعادة تمثيل الجريمة، مع الاستعانت بوسائل تقنية لكشف كل تفصيلة في الرحلة الأخيرة للضحية، لم يُكتب في أوراق القضية كم دمعة ذُرفت، ولا كم قلبٍ انكسر، لكن التحقيقات رصدت كل حركةٍ وخُطوةٍ سبقت الرحيل.

جنازةٌ حملتْ وجعَ الجميع

خرجت القرية كلها خلف نعش محمود لتشيعه إلى مثواه الأخير؛ دموع الرجال اختلطت بأنّات النساء، والكل يسأل: كيف لإنسان أن ينهي حياة قريب له طمعًا في حفنة نقود؟، بدا النعش خفيفًا على الأكتاف، لكنه أثقل من كل الحجارة على القلوب، لم يبقَ في حضن الأم إلا صورة، وفي بيت الأب إلا مقعدٌ خاوٍ و"توكتوك" لم يعد.

صورة ومقعد خاو ومركبة

search