ذكرى رحيله الـ19.. رائد "المدبوليزم" لا يزال في وجدان عشاق الكوميديا

يُعد مدبولي من رموز الفن المصري والعربي، ومؤسس مدرسة “المدبوليزم” في الكوميديا، حيث قدم خلال مسيرته الحافلة أعمالًا خالدة تركت بصمة عميقة في قلوب الجمهور، ولا يزال حاضرًا بفنه وإبداعه في وجدان محبيه حتى يومنا هذا الذي تحل فيه ذكرى رحيله، حيث غاب عن عالمنا في 9 يوليو عام 2006.

محطات فنية صنعت نجمًا استثنائيًا

التحق الفنان الراحل عبد المنعم مدبولي بالمعهد العالي لفن التمثيل العربي، وتخرّج فيه عام 1949 ضمن ثاني دفعاته، وبعد التخرج، بدأ مسيرته الفنية بالانضمام إلى فرقة جورج أبيض المسرحية، قبل أن ينتقل إلى فرقة فاطمة رشدي، كما شارك في التمثيل ببرامج الأطفال الإذاعية، ومن بينها حلقات برنامج “بابا شارو”.

وعلى مدار مشواره الفني الطويل، قدم مدبولي رصيدًا فنيًا ضخمًا شمل نحو 60 فيلمًا سينمائيًا، و120 مسرحية، و30 مسلسلًا، ليخلّد اسمه كأحد أعمدة الفن المصري.

مدبولي بين التمثيل والإخراج

أبدع عبدالمنعم مدبولي في مجال المسرح، حيث تولّى الإخراج والتمثيل في عدد من أنجح وأشهر المسرحيات التي لا تزال خالدة حتى اليوم. ولم يقتصر دوره على خشبة المسرح فقط، بل ساهم أيضًا في تأسيس عدد من الفرق المسرحية التي كانت بمثابة مصنع لنجوم الكوميديا في مصر.

وكان مدبولي أستاذًا لجيل كامل من الفنانين، من بينهم سعيد صالح، وعادل إمام، ويونس شلبي، ومحمد صبحي، وغيرهم ممن تعلموا على يديه فن الأداء المسرحي.

ورغم انشغاله الكبير بالمسرح، ما أدى إلى تأخر ظهوره السينمائي، فإنه عند دخوله مجال السينما ترك بصمات واضحة في أفلام أصبحت من علامات السينما المصرية، مثل: “الحفيد”، و"مولد يا دنيا"، و"إحنا بتوع الأتوبيس".

كيف أعاد مدبولي تشكيل المسرح المصري؟

بدأ عبد المنعم مدبولي أولى خطواته المسرحية بدور إعرابي في عرض قدمته فرقة "المسرح المصري الحديث" التي أسسها زكي طليمات، ليكون ذلك العرض الانطلاقة الحقيقية لمسيرته الفنية على خشبة المسرح.

وفي عام 1952، أسّس فرقة "المسرح الحر"، التي قدّمت عددًا من الأعمال المسرحية المميزة، من أبرزها: “الأرض الثائرة”، و"حسبة برما"، و"الرضا السامي"، و"خايف أتجوز"، و"مراتي بنت جن"، و"مراتي نمرة 11"، و"كوكتيل العجائب".

لاحقًا، انضم مدبولي إلى فرقة التلفزيون المسرحية التي كان يرأسها الفنان السيد بدير، ثم تولّى رئاسة فرقة "المسرح الكوميدي"، حيث أخرج العديد من العروض الناجحة، من بينها: “جلفدان هانم”، و"أنا وهو وهي"، و"دسوقي أفندي"، و"مطرب العواصف"، و"أصل وصورة"، و"حلمك يا شيخ علام"، و"المفتش العام"، و"السكرتير الفني"، و"وسط البلد". كما أخرج لفرقة إسماعيل ياسين عملين شهيرين هما “3 فرخات وديك”، و"أنا وأخويا وأخويا".

ولم يتوقف عطاؤه عند الإخراج فقط، بل شارك أيضًا في التمثيل بعدد من المسرحيات الناجحة، منها: “السكرتير الفني”، بطولة فؤاد المهندس وشويكار، و"المغناطيس"، و"الناس اللي تحت"، و"بين القصرين"، و"زقاق المدق"، و"ريا وسكينة".

رحلة سينمائية طويلة

وبدأ مدبولي رحلته السينمائية في وقت متأخر مقارنة بمشواره المسرحي، حيث كان أول ظهور له على الشاشة الكبيرة في عام 1958 من خلال فيلم “أيامي السعيدة”، ومنذ ذلك الحين، توالت مشاركاته السينمائية التي بلغت حوالي 150 فيلمًا، تنوعت بين الكوميديا والدراما، وترك خلالها بصمة واضحة في تاريخ السينما المصرية.

من أبرز أعماله السينمائية “ربع دستة أشرار”، و"عالم مضحك جدًا"، و"غرام في أغسطس"، و"مطاردة غرامية"، و"المليونير المزيف"، و"أشجع رجل في العالم"، وكان آخر أفلامه "أريد خلعًا"، الذي شارك فيه مع الفنان أشرف عبدالباقي، مؤكدًا استمراره في تقديم أعمال ذات قيمة حتى أواخر مشواره الفني.

إفيهات عبد المنعم مدبولي

لم يكن مدبولي مجرد ممثل عادي، بل كان فنانًا مميزًا بلمسته الخاصة في عالم الكوميديا، ولا تزال إفيهاته الشهيرة محفورة في ذاكرة الجمهور، مثل العبارة الشهيرة "أنا مش قصير أوزعة، أنا طويل وأهبل" من فيلم “مطاردات غرامية”، و"شيلو الميتين اللي تحت"، في مسرحية “ريا وسكينة”، وهذه الكلمات رغم بساطتها فإنها مليئة بالفكاهة وتعكس عبقرية مدبولي في إضحاك الناس وإحياء روح الدعابة في أعماله.

من "ساعة لقلبك" إلى “السكرتير الفني”

بدأ عبدالمنعم مدبولي مشواره الفني من خلال البرنامج الإذاعي الشهير "ساعة لقلبك"، الذي كان بوابة انطلاق للعديد من نجوم الكوميديا في ذلك الوقت. وبعدها، انضم إلى مسرح التلفزيون، حيث واصل تألقه وترك بصمته في عدد من الأعمال المهمة.

ومع مجموعة من رواد جيله، من بينهم فؤاد المهندس وأمين الهنيدي، أسّس مدبولي مدرسة كوميدية متميزة، استلهمت ملامحها من تراث عمالقة الكوميديا في الجيل السابق مثل نجيب الريحاني وعلي الكسار، فكانت حلقة الوصل بين الماضي الأصيل والحاضر المتجدد للفن المسرحي والكوميدي في مصر.

جوائز وتكريمات

ونال مدبولي خلال مشواره الفني العديد من الجوائز وشهادات التكريم التي تعكس مكانته الكبيرة في الساحة الفنية، فقد حصل على جائزة أفضل ممثل في السينما عن أدائه في أفلام مثل “الحفيد”، و"أهلًا يا كابتن"، و"مولد يا دنيا".

وفي عام 1983، مُنِح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ثم نال في عام 1984 جائزة الدولة التقديرية تقديرًا لمجموع أعماله الفنية المتميزة.

كما تم تكريمه في عام 1986 خلال مهرجان زكي طليمات، وكرمه الرئيس الراحل أنور السادات بشهادة تقدير خاصة من أكاديمية الفنون عن دوره في مسلسل “أبنائي الأعزاء.. شكرًا”، كما يُعد عبد المنعم مدبولي أول فنان عربي تُكتب عنه مقالة في دائرة المعارف النمساوية.

وفاة عبد المنعم مدبولي

في سنواته الأخيرة، أصيب مدبولي بمرض سرطان الكبد، وخضع لعلاج مكثف في لندن شمل استئصال أجزاء كبيرة من كبده.

ورغم تعافيه لفترة من هذا المرض العضال، فإن مضاعفات صحيّة أخرى أدت إلى وفاته في 9 يوليو 2006 عن عمر ناهز 85 عامًا.

رحل مدبولي عن عالمنا، لكنه ترك خلفه إرثًا فنيًا عظيمًا سيظل حاضرًا في ذاكرة الفن المصري والعربي إلى الأبد.