
عمرو حسين
زيارة نتنياهو لترامب.. حسابات الحرب والسلام بين غزة وطهران
قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة رسمية إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في واحدة من أكثر الزيارات حساسية منذ اندلاع الحرب في غزة وتصاعد التوترات الإقليمية مع إيران.
جاءت هذه الزيارة في سياق دبلوماسي وعسكري معقد، حيث ركزت المناقشات على قضيتين رئيسيتين: إمكانية التوصل إلى اتفاق هدنة في غزة، والتعامل مع البرنامج النووي الإيراني بعد الضربات الأمريكية-الإسرائيلية الأخيرة على منشآت إيران النووية.
في هذا المقال، نستعرض أبعاد هذه الزيارة وتأثيراتها المحتملة على الوضع في غزة وعلاقات إسرائيل مع إيران.
جاءت زيارة نتنياهو في ظل توافق أمريكي-إسرائيلي على استغلال الزخم الناتج عن الضربات الأمريكية على منشآت إيران النووية في يونيو 2025، والتي وصفها نتنياهو بـ"الانتصار التاريخي".
هذه الضربات، التي استهدفت مواقع مثل فوردو ونطنز وأصفهان، أضعفت قدرات إيران النووية، وفقاً لتصريحات ترامب، رغم شكوك بعض الخبراء حول مدى الضرر الفعلي وإمكانية إخفاء إيران لجزء من مخزونها من اليورانيوم المخصب.
في الوقت نفسه، تواجه إسرائيل ضغوطاً داخلية وخارجية لإنهاء الحرب في غزة، التي بدأت في أكتوبر 2023 وأسفرت عن مقتل أكثر من 45 ألف فلسطيني وتشريد 1.2 مليون شخص. الزيارة حملت أهمية كبيرة لنتنياهو، الذي يواجه محاكمة بتهم فساد وانتقادات داخلية بسبب فشله في تحقيق أهداف الحرب، بما في ذلك استعادة الرهائن الإسرائيليين وتدمير قدرات حماس.
كان ملف غزة محوراً رئيسياً في مناقشات نتنياهو وترامب. تسعى إدارة ترامب إلى تحقيق اختراق دبلوماسي من خلال التوسط في اتفاق هدنة مدته 60 يوماً، يتضمن إطلاق سراح حوالي 50 رهينة إسرائيلية تحتجزها حماس مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين. هذا الاتفاق، الذي يجري التفاوض عليه في الدوحة بوساطة قطرية ومصرية، يهدف إلى تهيئة الأرضية لوقف دائم لإطلاق النار، رغم استمرار الخلافات حول شروط حماس، التي تطالب بضمانات أمنية أقوى وانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع.
نتنياهو، الذي واجه ضغوطاً من وزراء اليمين المتطرف في حكومته مثل إيتمار بن غفير وبيتسلئيل سموتريتش، أبدى استعداداً للمضي قدماً في الاتفاق، مما أثار تساؤلات حول تغير موقفه. يُعزى هذا التغيير جزئياً إلى الضغوط الأمريكية، حيث يصعب على نتنياهو رفض طلبات ترامب، خاصة بعد دعمه الدبلوماسي والعسكري القوي لإسرائيل.
كما أن استطلاعات الرأي الإسرائيلية أظهرت أن استمرار الحرب دون استعادة الرهائن يضع نتنياهو في مواجهة مع الأغلبية الإسرائيلية، مما يدفعه للبحث عن مخرج سياسي.
ومع ذلك، تبقى الفجوة بين التهدئة المؤقتة والحل الدائم واسعة. نتنياهو يصر على نزع سلاح حماس والقضاء على قدراتها العسكرية، بينما ترفض حماس أي اتفاق لا يتضمن إنهاء الحرب بشكل دائم وترحيل قادتها إلى دول مثل الجزائر. هذه الخلافات تجعل نتيجة المفاوضات غير مؤكدة، رغم التفاؤل الذي عبر عنه ترامب عبر منصته "تروث سوشيال" بقرب التوصل إلى اتفاق.
فيما يتعلق بإيران، كشفت الزيارة عن تباين في وجهات النظر بين ترامب ونتنياهو. ترامب، الذي يسعى لتصوير نفسه كصانع سلام، يدفع نحو استئناف المفاوضات النووية مع إيران، وهي خطوة بدأت فعلياً في أبريل 2025 في سلطنة عمان بقيادة مبعوثه ستيف ويتكوف. يهدف ترامب إلى استغلال ضعف إيران بعد الضربات الأمريكية لإجبارها على تقديم تنازلات بش Coalأن برنامجها النووي.
على النقيض، يتبنى نتنياهو نهجاً أكثر تشدداً، حيث يعار ض أي خطوة قد تمنح إيران شريان حياة اقتصادياً أو سياسياً. يرى نتنياهو أن الضربات الأمريكية-الإسرائيلية أضعفت إيران بشكل كبير، ويدعو إلى استخدام المزيد من القوة لإجبار طهران على التخلي نهائياً عن برنامجها النووي، الذي يعتبره تهديداً وجودياً لإسرائيل.
هذا التباين في الرؤى يعكس اختلاف الأولويات، حيث يركز ترامب على تحقيق إنجازات دبلوماسية، بينما يسعى نتنياهو للحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري في المنطقة.
ومع ذلك، فإن إمكانية توجيه ضربة أخرى لإيران تبدو محدودة في الوقت الحالي. الضربات السابقة، التي نُفذت بتنسيق أمريكي-إسرائيلي، حققت أهدافاً استراتيجية، لكنها لم تشل القدرات الإيرانية بالكامل، حيث أشارت معلومات استخباراتية إسرائيلية إلى استمرار وجود يورانيوم مخصب في مواقع إيرانية. إيران، من جانبها، أظهرت براغماتية في الماضي، وقد تتجاوب مع المفاوضات لتجنب تصعيد عسكري إضافي، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والعسكرية التي تواجهها.
تكتسب زيارة نتنياهو أهمية إضافية في ضوء الديناميكيات الإقليمية. ترامب، الذي يسعى لتوسيع اتفاقيات إبراهام لتشمل دولاً مثل السعودية، يواجه تحديات بسبب إصرار الرياض على ضرورة إحراز تقدم في القضية الفلسطينية كشرط للتطبيع. هذا يضع ضغطاً إضافياً على نتنياهو للتوصل إلى اتفاق هدنة في غزة، كونه قد يمهد الطريق لاختراقات دبلوماسية أوسع.
على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، تواجه حكومة نتنياهو انقسامات حادة. وزراء اليمين المتطرف يرفضون أي تنازلات في غزة، بينما يدفع الجيش الإسرائيلي والرأي العام نحو إنهاء الحرب واستعادة الرهائن.
كما أن محاكمة نتنياهو بتهم الفساد تضيف تعقيداً إلى موقفه، حيث يسعى لتحقيق إنجازات سياسية تعزز صورته أمام الجمهور الإسرائيلي.
تمثل زيارة نتنياهو لترامب في يوليو 2025 لحظة مفصلية في السياسة الإقليمية. على صعيد غزة، فإن الزيارة عززت الجهود الأمريكية للتوصل إلى هدنة مؤقتة، لكن نجاح هذه الجهود يعتمد على قدرة الأطراف على تجاوز الخلافات حول شروط الاتفاق.
أما بالنسبة لإيران، فإن التباين بين نهج ترامب الدبلوماسي وموقف نتنياهو المتشدد قد يحدد مسار التعامل مع طهران، سواء عبر التفاوض أو التصعيد العسكري. في النهاية، تبقى هذه الزيارة انعكاساً للتعقيدات السياسية والاستراتيجية التي تواجه إسرائيل والولايات المتحدة في منطقة مضطربة، حيث تتشابك المصالح الداخلية والإقليمية في معادلة صعبة.

الأكثر قراءة
-
السر في الشواية.. حريق ضخم بجوار مبنى البنك المركزي بالإسكندرية
-
مشاهدة الحلقة 10 والأخيرة من مسلسل مملكة الحرير
-
تجدد اشتعال النيران في سنترال رمسيس والدفع بسيارات إطفاء (صور)
-
"معجنة على الأوسطي".. تريلا تدهس ميكروباص وسيارات بالطريق (صور)
-
شروط التجنيس بالسعودية 2025.. رابط التقديم
-
رفض استئناف نجل محمد رمضان وتأييد إيداعه دار رعاية
-
لماذا أيدت المحكمة إيداع نجل محمد رمضان دار رعاية رغم التصالح؟
-
السعودية تسمح للمصريين بتملك عقارات في مكة والمدينة.. اعرف الشروط
أكثر الكلمات انتشاراً