
الإعلامية لميس الحديدي
الإعلامية الكبيرة لميس الحديدي تكتب: زياد.. لماذا بكيناك؟
لماذا بكينا زياد الرحباني بهذه الحرقة؟
لم يكن الألم لبنانياً فقط، بل امتد لكل الوطن العربي - إن كان ما يزال هناك ما يُدعى بوطنٍ عربي - أو بالأحرى امتد الحزن عبر جماهيرٍ عربية عريضة من أجيال ارتبطت بصوت (الأم) فيروز، وإبداع (الأب) عاصي، وعبقرية (الابن) زياد.

وجاء مشهد وداع فيروز لنجلها الأكبر اليوم ليسكب مزيداً من الألم على الرحيل المبكر، فجارة القمر التي انزوت عن الأضواء تُصر، رغم سنوات عمرها التسعين، أن تطل بشموخها المعهود المتشح بالسواد ونظارتها التي تُخفي عيونها الباكية.. تجلس بجوار ابنتها ريما بكل صبر وصمت تتقبل التعازي لساعات في نجلها الأكبر ورفيقها الفذ – بعد عاصي – والذي غنّت له منذ كان في الرابعة عشرة من عمره، وتمكن من تحديث صوتها ليصل إلى أجيال غير التي غنّت لها مسرحياتها مع الرحابنة.

دوى التصفيق عند خروج فيروز من سيارتها إلى الكنيسة، تصفيق يختلف عن الذي اعتادت أن تسمعه على المسرح كثيراً.. هذه المرة تصفيق الوجع والدعم، وهي التي ودّعت ابنتها ليال منذ سنوات، وها هي تودّع ابناً آخر.. وأيّ ابن! إنه زياد.. مشهدٌ يبدو وكأنه جزءٌ من فيلمٍ إيطالي بالأبيض والأسود أو لوحةٍ فنية لوجه الأم الحزينة، كما هي الترانيم. فأيّ ألم وأيّ وجع يمكن أن تتحمله هذه السيدة التي ملأت حياتنا طرباً وحباً وحزناً ووطناً.
لماذا بكينا زياد الرحباني بهذه الحرقة؟
لم يكن زياد الرحباني فناناً عادياً.. فالإستثناء كان طريقه، منذ خرج من بيت الرحابنة باحثاً عن طريقه السياسي والفني، متمرداً، ناقداً ساخراً، كاتباً، ملحناً، ومغنياً أحياناً.. باحثاً عن حياةٍ أفضل لوطنه عبر أغنياته ومسرحياته وموسيقاه وكتاباته وبرامجه الإذاعية التي قدمت نقداً لاذعاً للواقع اللبناني بسخرية وضحك.. وعندما يئس من التغيير قال: "لا أسعى لتغيير البلد، فقط أحاول ألا يغيرني البلد".

فشل في التغيير، فشل في الحب والاستقرار، لكنه نجح في أن يحمل "رحبانيته" ويطورها في مدرسة جديدة ليحيطنا بموسيقى وأغنيات وكتابات حادة أحياناً، واقعية أحياناً، ورومانسية ببساطتها في أحيان أخرى (كيفك إنت، زعلي طول، أنا وياك، عندي ثقة فيك، قديش كان في ناس ع المفرق تنتظر ناس، حبيتك تنسيت النوم، صباح ومسا، سألوني الناس، أنا مش كافر بس الجوع كافر)، وإذا بك تكتشف أن هذه القطعة لزياد، وهذه الأغنية القديمة لفيروز من ألحانه، وهذه المسرحية له، وتلك العبارات قالها زياد. هو حولنا، يحيط بنا، يخترق أفكارنا، ونحن كثيراً لا ندري..
لماذا بكينا زياد الرحباني بهذه الحرقة؟
حشود الشباب والكبار التي رافقت نعش زياد في رحلته الأخيرة بشارع الحمرا البيروتي كانت كاشفة.. فقد كان زياد حلماً وفكرة وثورة تاهت وسط صخب الحياة وتكرار الفشل.. وجاء رحيله ليذكرنا جميعاً من جديد أن الثورة قد انكسرت، وأن آخر أصوات الحق قد خفَتَت.. كان زياد صوت الضعفاء والبسطاء، وهو القادم من قلب بيت الكبار، وها هو يسكت للأبد.. لذا كان الألم عميقاً.

كل من غنى معه "ع هدير البوسطة" بكاه اليوم،
كل من هتف معه "أنا مش كافر لكن الذل كافر" بكاه اليوم،
كل عربي كان يحمل حلماً بكاه اليوم.
فالحزن علينا وعليك، على حالنا.. على هزيمتنا، نهزم يومياً بالأحداث، وإذا بك تهزمنا من جديد يا زياد.
هزمت أحلامنا وآمالنا في الحق والخير والعدالة.. وهي جميعاً واحدة في لبنان ومصر وسوريا والعراق.. وفي كل مكان على هذه الأرض الحزينة التي نسيت معنى الحق.
قصص الحب الفاشلة غنيتها وغنيناها معك.
قصص الظلم الفادح غنيتها وغنيناها معك.
قصص الوطنية المهزومة غنيتها وغنيناها معك.. ثم فجأة لا نجد سوى الصدى.
الآن يمكن أن تستريح وتهدأ من هذا الحزن الذي ملأ حياتك وحولته أنت إلى فنٍ رائع.. لكن علينا نحن أن نتعامل مع الحزن على أنفسنا وعليك.. أما الأم فيروز، فلها الله في هذه الأيام الصعبة.
"دايماً بالآخر فيه وقت فراق".

الأكثر قراءة
-
"وفاة شاب وانفجار مروع ".. ماذا حدث ليلًا في حفل محمد رمضان؟
-
غاز CO2..ما السبب الحقيقي وراء انفجار حفل رمضان؟
-
"اتعاملوا معاها كرقم في جدول العمليات".. رسالة مؤثرة من خالة نورزاد ضحية الإهمال الطبي
-
بائعة الفسيخ والأردنية وفتاة قمرون.. جيوش الزومبي | خارج حدود الأدب
-
نتيجة تنسيق المرحلة الأولى 2025.. الموعد والرابط الرسمي
-
السيسي يؤكد لرئيس وزراء هولندا ضرورة عدم المساس بالسفارات الأجنبية
-
بينهم سيدة.. مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين بحادث تصادم في الفيوم
-
في لفتة إنسانية.. مأمور مركز أشمون ينقذ سيدة من الحبس
أكثر الكلمات انتشاراً