مِن "اليابانية" إلى محنة المرض.. مَن هو "كانو" أسطورة نيجيريا في البريميرليج؟

بزغ نجم نوانكو كانو، اللاعب النيجيري طويل القامة صاحب المهارة على غير عادة “الطوال”، كأيقونة أفريقية ألهمت الكثيرين، ليس فقط بأهدافه وتمريراته، بل بصموده أمام محنة مرضية كادت تضع نهاية مأساوية لمسيرته سريعا.

 ترك كانو بصمة لا تُمحى في تاريخ الكرة الأفريقية، ليحول الألم الشخصي إلى أمل لآلاف الأطفال عبر "مؤسسة كانو للقلب".

وبينما لا يزال اسمه محفورًا في ذاكرة محبي الكرة، يبقى حضوره حاضرًا في أذهان جيل بأكمله، عرفه أول مرة عبر منتخب نيجيريا في لعبة “Winning Eleven 3” الشهيرة في مصر بـ"اليابانية"، إذ كان يحمل الرقم 4 على غير عادة المهاجمين. 

المجد مع أياكس

وُلد نوانكو كانو في أويري بولاية إيمو النيجيرية، وبدأ مشواره الكروي مع نادي فيديريشن ووركس، ثم انتقل إلى إيوانيانوو ناشيونال، إذ لفت الأنظار بموهبته الفذة.

انضم لمنتخب نيجيريا تحت 17 سنة ليقود الفريق لتحقيق لقب كأس العالم، هذا التألق فتح له باب الاحتراف الأوروبي، حيث انضم إلى أياكس أمستردام الهولندي عام 1993.

مع أياكس، حقق كانو انطلاقة مذهلة، سجل خلالها 25 هدفًا في 54 مباراة، وشارك في التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا 1995 أمام ميلان، قبل أن يخسر النهائي التالي أمام يوفنتوس بركلات الترجيح.

 في عام 1996، انتقل إلى إنتر ميلان مقابل نحو 4.7 مليون دولار، ليتألق في صيف هذا العالم، ويقود نيجيريا في أولمبياد أتلانتا، ليتوج مع "النسور الخضراء" بالذهب بعد ريمونتادا تاريخية على البرازيل في نصف النهائي، مسجلًا هدفين قاتلين. 

عيب خلقي خطير

نال إثر ذلك جائزة أفضل لاعب أفريقي لعام 1996، لكن بعد عودته للإنتر، كشفت الفحوصات الطبية عيبا خطير في القلب كاد ينهي مسيرته.

ومع ذلك، بينما كان يستعد لبدء الفصل التالي من مسيرته الاحترافية في إيطاليا، كشفت الفحوصات الطبية الروتينية وجود عيب خلقي خطير في القلب، كان الخبر مفجعًا للنجم النيجيري وعائلته.

 ووفقًا لطبيب القلب برونو كارو، فإن هذه المشكلة لم تُكتشف لسنوات، إذ قال: “لقد كان مريضًا لسنوات، ولولا التدخل السريع، لكانت العواقب وخيمة”.

كان تدخل رئيس إنتر، ماسيمو موراتي، حاسمًا، إذ قال حارس مرمى إنتر السابق، سيباستيان فراي، في حديثه مع صحيفة “ليكيب” الفرنسية: "أتذكر أن الرئيس موراتي أنقذ حياة كانو حرفيًا من خلال تمويل عملية جراحية في القلب في الولايات المتحدة بعد اكتشاف مشكلة أثناء الفحص الطبي، والتزامه تجاوز كرة القدم، كان ناديه بمثابة العائلة".

مؤسسة كانو للقلب

خضع كانو لجراحة ناجحة في القلب، وفي النهاية ظهر لأول مرة مع إنتر في أبريل 1997، ومع ذلك، بقيت الآثار من محنته المرضية والمنافسة الشديدة في الفريق ليغيب عن المشاركة أساسيا، على مدار موسمين، لم يُسجل سوى هدف واحد في 20 مباراة، وكان على مقاعد البدلاء خلال فوز الإنتر 3-0 على لاتسيو في نهائي كأس الاتحاد الأوروبي عام 1998، لكنه لم يشارك في المباراة.

 هذه التجربة شكّلت نقطة تحول إنسانية في حياته، وألهمته لاحقًا لتأسيس "مؤسسة كانو للقلب"، التي ساعدت مئات الأطفال الأفارقة المصابين بعيوب خلقية في القلب، وتوسعت لاحقًا لتشمل رعاية الأطفال المشردين.

أنفقت مؤسسة كانو للقلب حوالي 4.2 مليون دولار، بمتوسط 10,000 دولار للشخص الواحد، على العمليات الجراحية خارج نيجيريا. 

وفي إطار جهودها لمعالجة مشكلة التشرد في أفريقيا، موّلت المؤسسة حتى الآن بناء خمسة مستشفيات في أنحاء القارة لعلاج الأطفال المصابين بأمراض القلب غير المشخصة، وتوفير رعاية طبية تُغيّر حياتهم. 

بداية غير رياضية

في فبراير 1999، انتقل كانو إلى أرسنال مقابل 4.15 مليون جنيه إسترليني، وفي أول ظهور له مع الفريق أثار جدلاً بسبب هدف سجله بطريقة غير رياضية بعد رمية تماس كان يُفترض أن تُعاد للخصم، ما دفع المدرب أرسين فينجر إلى عرض إعادة المباراة، في لفتة تحلّت بالروح الرياضية.

 سرعان ما تجاوز كانو تلك الحادثة، وبدأ في إثبات نفسه بقوة كمهاجم فعّال و"بديل سوبر" يسجل أهدافًا حاسمة من دكة البدلاء، أشهرها كانت ثلاثيته ضد تشيلسي في 15 دقيقة عام 1999، ليقود أرسنال من تأخر 2-0 إلى فوز 3-2.

نال جائزة أفضل لاعب أفريقي مجددًا عام 1999، وساهم في فوز أرسنال بكأس الاتحاد الإنجليزي 2003، كما كان جزءًا من فريق "اللاهزيمة" الذي أنهى موسم 2003-2004 من الدوري الإنجليزي الممتاز دون أي خسارة. 

ولعب النيجيري 197 مباراة بقميص أرسنال وسجل 44 هدفًا، ورفض النادي بيعه في أكثر من مناسبة رغم العروض، منها عرض فولهام بقيمة 7 ملايين جنيه إسترليني في 2001.

ورغم تراجع مشاركاته بعد بروز تييري هنري، ظل محبوبا في أوساط الجماهير التي ارتبطت بتحيته الشهيرة بإصبعي النصر، المستوحاة من لقب الفريق "المدفعجية"، إلى أن رحل عن أرسنال في 2004 بعد نهاية عقده، وانضم إلى وست بروميتش ألبيون.

وفي 2006، شارك كضيف في مباراة تكريمية للنجم دينيس بيركامب على ملعب الإمارات، وسجل في تلك المناسبة، ليصبح ثالث لاعب يهز شباك الملعب الجديد، وسط ترحيب حار من الجماهير التي حملته، إلى جانب بقية اللاعبين، على الأكتاف تكريمًا للنجم الهولندي المعتزل.

أسوأ إهدار في الموسم

بعد مسيرة ناجحة مع أرسنال، انضم نوانكو كانو إلى وست بروميتش ألبيون عام 2004، إذ بدأ موسمه الأول بقوة،  لكنه تعرض لموقف شهير عندما أهدر فرصة هدف محققة أمام ميدلسبره من على بعد ياردة واحدة، وهي الفرصة التي وُصفت لاحقًا بـ"أسوأ إهدار في الموسم".

 رغم ذلك، كان الموسم تاريخيًا للفريق، إذ أصبح أول نادٍ في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز يتجنب الهبوط بعدما كان في قاع الجدول في نهاية العام الميلادي.

في الموسم التالي، سجل كانو هدف التعادل ضد أرسنال في مباراة فاز بها ألبيون لأول مرة على أرضه أمام المدفعجية منذ 1973، ومع أن الفريق هبط بنهاية موسم 2005-2006، خاض كانو 58 مباراة وسجل 9 أهداف قبل أن يرحل مجانًا.

لفتة نبيلة

في صيف 2006، انضم كانو إلى بورتسموث كلاعب حر، وهناك استعاد جزءًا من تألقه، إذ سجل هدفين في أول ظهور له ضد بلاكبيرن، وأنهى موسم 2006-2007 كهداف للفريق بـ12 هدفًا.

في الموسم التالي، تألق مجددًا في كأس الاتحاد الإنجليزي 2008، وسجل هدفي الفوز في نصف النهائي أمام فريقه السابق وست بروميتش، ثم في النهائي ضد كارديف سيتي، ليحقق ثالث ألقابه في البطولة.

 كما سجل هدفًا تاريخيًا ضد ميلان في كأس الاتحاد الأوروبي، وهدفًا حاسمًا ضد بولتون ضَمِن بقاء بورتسموث في البريميرليج.

ورغم توقيعه على عقد جديد في 2010 يمتد حتى 2013، تراجع دوره تدريجيًا، سواء بسبب الإصابة أو خيارات المدرب، وقلّت مشاركاته كثيرًا في موسم 2011-2012، الذي شهد هبوط الفريق إلى الدرجة الأولى.

لاحقًا، دخل في أزمة مع النادي بسبب مستحقاته المتأخرة، وهدد بمقاضاته، لكنه في النهاية، وفي بادرة إنسانية، أسقط الدعوى في 2013 وتنازل عن مبلغ 3 ملايين جنيه إسترليني كان يطالب بها، ليؤكد مجددًا على مكانته كلاعب كبير بأخلاقه وإنسانيته.

كانت تجربة كانو مع بورتسموث حافلة بلحظات المجد والدراما، واختتمت مسيرته في الملاعب الإنجليزية بتلك اللفتة النبيلة في أذهان الجماهير.

“اليابانية”

كان كانو لاعبًا في المنتخب النيجيري من عام 1994 إلى عام 2011، حيث شارك لأول مرة في مباراة ودية ضد السويد. 

وشارك كانو في كأس العالم عامي 1998 و2002، وفي 24 يونيو 2010، أنهى كانو مسيرته الدولية بعد خروج نيجيريا من كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا. 

وخسر منتخب نيجيريا مباريات دور المجموعات أمام الأرجنتين واليونان، قبل أن يتعادل 2-2 مع كوريا الجنوبية.

وخاض نوانكو كانو 84 مباراة دولية مع منتخب نيجيريا في مختلف البطولات الرسمية والودية، سجل 12 هدفًا دوليًا، جاءت معظمها في التصفيات المؤهلة لكأس العالم وكأس الأمم الأفريقية.

شارك كانو في 27 مباراة بكأس الأمم الأفريقية، قدّم خلالها 4 تمريرات حاسمة، وفي تصفيات كأس العالم، لعب 23 مباراة وسجل 5 أهداف، ورغم مشاركته في 6 مباريات بكأس العالم، إلا أنه لم يتمكن من تسجيل أي هدف.

ورغم نجومية كانو لكنه ارتبط دائما بلعبة "Winning Eleven 3" الشهيرة في مصر باسم "اليابانية"، إذ كان منتخب نيجيريا يعتمد بشكل كبير على سرعة المهاجم أوكاشي صاحب القميص رقم 14، الذي يتوغل من الأطراف نحو العمق إما للتسديد المباشر أو لرفع الكرة داخل المنطقة، حيث ينتظرها العملاق طويل القامة 197 سم صاحب الرقم 4، نوانكو كانو، ليكمل الهجمة بضربة رأس أو لمسة حاسمة، في ذكريات لا تنسى.