بونجا "حارس الأخلاق".. دافع عن مرماه بالمواقف الإنسانية وقلب يفيض بحب النبي

محمد أبو النجا، الشهير بـ"بونجا"، لم يكن مجرد حارس مرمى، بل كان حارسًا للقلوب قبل الشباك، قبل أن يرحل عن عالمنا ويترك ذكرى طيبة في نفوس كل من أحبوه، تاركًا خلفه سيرة لم تُدوَّن فقط بالأهداف التي منعها، بل بمواقفه النبيلة وأخلاقه الطيبة.

توفي "بونجا"، حارس مرمى نادي وادي دجلة، عن عمر ناهز 36 عامًا، وذلك إثر أزمة صحية مفاجئة دخل على إثرها في غيبوبة خلال الأيام الماضية.

ورغم تحسن حالته لفترة قصيرة وخروجه من العناية المركزة إلى غرفة عادية، فإن حالته الصحية عادت للتدهور سريعًا، ودخل في غيبوبة استمرت لعدة أيام حتى وافته المنية اليوم.

ويستعرض "تليجراف مصر" مسيرة الراحل محمد أبو النجا "بونجا"، حارس مرمى وادي دجلة السابق، كما يلي:

ابن الإسماعيلي

وُلد بونجا في 6 أكتوبر عام 1988 بمدينة الإسماعيلية، وانضم إلى ناشئي النادي الإسماعيلي، ثم إلى كهرباء الإسماعيلية، قبل أن يلعب مع نادي المريخ البورسعيدي.

وكانت أطول محطاته حين ارتدى قميص بتروجت لمدة 8 سنوات، حيث حقق حلم الصعود مع الفريق البترولي.

كان بونجا أحد الأعمدة الأساسية في فريق بتروجت وساهم في صعوده التاريخي إلى الدوري الممتاز بعد غياب طويل، واعتبر أن هذا الإنجاز هو الأجمل في مسيرته الكروية.

ووصف لحظة التأهل بأنها شعور لا يمكن وصفه بالكلمات، مؤكدًا أنه بذل جهدًا كبيرًا ليستحق هذه الفرحة.

وأعرب محمد أبو النجا عن سعادته البالغة بتأهل فريقه إلى الدوري الممتاز، واصفًا هذا الإنجاز بأنه "أجمل إحساس في الدنيا"، مشيرًا إلى أن الفريق بذل مجهودًا كبيرًا استمر طوال الموسم.

وأكد أبو النجا في تصريحاته لشبكة "أون تايم سبورتس" أن ما تحقق كان ثمرة تعب حقيقي، قائلًا: "الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ونحن بذلنا جهدًا كبيرًا يشهد به الجميع".

وأضاف "أشكر الجهاز الفني وجميع زملائي، لقد قدمنا موسمًا استثنائيًا نستحق عليه الصعود عن جدارة، ونحن قادرون على المنافسة على المراكز الستة الأولى في الدوري الممتاز الموسم المقبل".

واختتم حديثه بالتأكيد على صعوبة البطولة، لكنه شدد على أن ثقة الفريق بنفسه كانت حاسمة في تحقيق الهدف.

نهاية القصة الأجمل

لكن حارس المرمى دخل في خلافات مع الإدارة، لتنتهي القصة الأجمل في مسيرته قبل اللعب في الدوري الممتاز.

وعبّر الراحل عن حزنه للرحيل عن النادي البترولي قائلًا: "الكنز في الرحلة، وليس عند الوصول وحده، وما زالت الرحلة مستمرة بأهداف جديدة وطموح جديد. باختصار شديد، لعدم الوصول إلى اتفاق بين الطرفين، قررت الرحيل إلى مكان يقدّر إمكانياتي وطموحاتي في الفترة القادمة".

وأضاف: "شكرًا نادي بتروجت على المواسم الثمانية التي قضيتها معكم، والحمد لله سجلت اسمي في تاريخ النادي بحروف من نور، وختامها بالصعود إلى الدوري الممتاز وتحقيق الهدف المنشود بعد خمسة أعوام من التعب والجهد النفسي والبدني والفني في موسم استثنائي للفريق ككل".

وتابع: "صعدنا إلى الدوري الممتاز بفارق 12 نقطة عن أقرب المنافسين، وأنا شخصيًا تُوجت بجائزة أفضل حارس في البطولة بشهادة النقاد والرياضيين".

وأتم: "شكرًا لجميع الإدارات والأجهزة الفنية والطبية والإدارية والعاملين في النادي على كل ما قدمتموه لي في الأعوام الماضية، وشكرًا لجميع اللاعبين الذين تزاملت معهم على مدار تلك السنوات".

رقم تاريخي

انتقل بونجا بعد ذلك إلى وادي دجلة، وهناك كتب سطره الأخير في الملاعب، فكان الحارس الأساسي للفريق، وساهم في تأهله أيضًا إلى الدوري الممتاز، بعد موسم استثنائي حافظ فيه على نظافة شباكه في معظم المباريات، وحقق أرقامًا مميزة جعلت الجهاز الفني يصفه بأنه عنصر الأمان الأول داخل الفريق.

وقال بونجا: "الحمدلله دائماً وأبدا دجلة في الممتاز، الحمدلله على الموسم الاستثنائي من كل فرد في المنظومة، وبالتوفيق للجميع فيما هو قادم".

وتوج بونجا مجهوده مع وادي دجلة بالانضمام إلى منتخب مصر للمحليين تحت قيادة وائل رياض شيتوس.

وخلال الموسم المنقضي في دوري المحترفين، شارك في 29 مباراة، وحافظ على نظافة شباكه في 21 لقاء، كما حافظ على نظافة شباكه في 10 مباريات متتالية، ولم يستقبل سوى 8 أهداف طوال الموسم.

وبحسب الناقد الرياضي خالد طلعت، ساهم بونجا في تحقيق رقم قياسي مع ناديه وادي دجلة بالحفاظ على نظافة شباكه للمباراة العاشرة على التوالي في دوري المحترفين (900 دقيقة لعب متتالية)، وأكثر من ألف دقيقة باحتساب الوقت بدل الضائع.

وأتم: "بخلاف ناديي القمة الأهلي والزمالك، يُعد وادي دجلة أول نادٍ يحقق هذا الإنجاز سواء في الدوري الممتاز أو دوري الدرجة الأولى في الألفية الثالثة، على مدار أكثر من 25 عامًا، منذ عام 2000 وحتى الآن".

فرحة تتحول إلى غيبوبة

لكن الفرحة لم تكتمل، فبعد أيام من احتفاله مع زملائه بالصعود، ساءت حالته الصحية فجأة، وتم نقله إلى العناية المركزة بعد أزمة حادة في الجهاز الهضمي ومشاكل في إنزيمات الكبد.

وبعد تحسن بسيط، نُقل إلى غرفة عادية، إلا أن حالته تدهورت مجددًا ليدخل في غيبوبة طويلة انتهت برحيله المفاجئ عن عمر يناهز السادسة والثلاثين.

وقال المصدر إن الأزمة المرضية بدأت في ثاني أيام عيد الأضحى، حينما شعر اللاعب بأعراض صحية مفاجئة خلال حضوره حفل زفاف أحد أصدقائه، ليتبيّن لاحقًا ارتفاع خطير في إنزيمات الكبد، ما استدعى حجزه بالمستشفى.

وأضاف: "بونجا كان يتناول أدوية مضادة للالتهاب بشكل منتظم طوال أربعة أشهر بسبب إصابة في الركبة، ورغم الألم، كان مصرًّا على اللعب لمساعدة الفريق في سباق الصعود، مما زاد الضغط على الكبد".

وأوضح المصدر أن الأطباء أوصوا بسرعة إجراء زراعة كبد، وتم بالفعل العثور على متبرع، لكن كانت هناك حاجة عاجلة لإتمام الإجراءات الرسمية.

وأكد المصدر أن نادي وادي دجلة لم يتأخر لحظة واحدة في دعم اللاعب، مشددًا على أن رئيس النادي، ماجد سامي، كان على تواصل مستمر مع أسرة بونجا.

نصرة النبي

ورغم أن بونجا كان متألقًا في الملعب، فإن الجانب الإنساني في شخصيته كان الأشد توهجًا؛ فقد شارك في عدة حملات خيرية، أبرزها جمع التبرعات لشاب مريض في مدينة الإسماعيلية، كما كان سبّاقًا في الدفاع عن القيم الدينية الإسلامية، وشارك في حملة نصرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عام 2020.

قال بونجا: "ناس كثير مش فاهمة يعني إيه فايدة تفعيل هاشتاج نصرة النبي وإنه يصبح الترند الأول على العالم. لما نعلّق بالهاشتاج بصيغة معينة، يعني يصبح باللون الأزرق، الفيسبوك بيفقد السيطرة وبيبدأ يعرض الهاشتاج تلقائيًا كنوع من الإعلان، فبالتالي كل العالم هيعرف القصة ويعرف أهمية النبي بالنسبة لنا".

الأخلاق الحميدة

واشتهر أيضًا بمساندته الدائمة لزملائه داخل الوسط الرياضي، فكان لا يتأخر عن زيارة أي لاعب مريض أو مصاب، وكان دائم التذكير بأصدقائه الراحلين، وخاصة اللاعب علاء علي، الذي كان يدعو له سنويًا عبر حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبعد وفاته خرجت عشرات رسائل النعي التي تحدثت عن أخلاقه وروحه الطيبة وكان أبرزها بيان رسمي من الاتحاد المصري لكرة القدم الذي وصفه بحارس منتخب المحليين وأحد أعمدة وادي دجلة مؤكدًا أن رحيله فاجعة للكرة المصرية، كما نعاه أندية الزمالك والمقاولون العرب والمصري البورسعيدي.

هكذا رحل بونجا حارسًا للأخلاق قبل أن يكون حارسًا للمرمى تاركًا خلفه سيرة عطرة ومسيرة إنسانية قلما تتكرر في ملاعبنا.