الجمعة، 08 أغسطس 2025

04:48 م

الشماشيري ومحامي الحكومة.. عندما تفوق أبو بكر عزت على نفسه

 أبو بكر عزت

أبو بكر عزت

محمود حجاب

A .A

يُعد الفنان الراحل أبو بكر عزت أحد رموز الفن المصري الأصيل، حيث تميز أداؤه طوال مسيرته بالصدق والبساطة والعمق، ما منحه مكانة خاصة في قلوب الجمهور.

ذكرى ميلاد أبو بكر عزت

يوافق اليوم، 8 أغسطس، ذكرى ميلاد أبو بكر عزت، إذ وُلد في مثل هذا اليوم عام 1933، وترك خلال أكثر من خمسة عقود إرثًا فنيًا حافلًا، تجاوز 250 عملًا متنوعًا ما بين المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، قدم خلالها أدوارًا تنبض بالحياة والواقعية، ليظل اسمه حاضرًا كأحد أبرز علامات الفن الراقي والملتزم.

أبو بكر عزت

من حي السيدة زينب إلى خشبة المسرح والنجومية

وُلد الفنان أبو بكر عزت عام 1933 في حي السيدة زينب الشعبي، حيث نشأ وسط أجواء مصرية أصيلة شكّلت وجدانه الفني، وألهمته لاحقًا في تجسيد العديد من الشخصيات الواقعية التي ظلّت محفورة في ذاكرة الجمهور.

بعد حصوله على شهادة الثانوية، التحق بكلية الآداب – قسم الاجتماع بجامعة القاهرة، وتخرّج عام 1959، وفي العام نفسه، قرر أن يسلك طريق شغفه الحقيقي فالتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، في خطوة جسّدت إصراره على احتراف التمثيل وتكريس حياته للفن.

بدأ مشواره الفني من المسرح المدرسي، ثم انضم إلى فرق مسرحية مرموقة مثل "المسرح الحر"، و"مسرح الريحاني"، و"مسرح التلفزيون"، قبل أن ينطلق إلى عالم السينما في أواخر الخمسينيات، ويبدأ رحلة تألق استمرت لأكثر من خمسة عقود من الإبداع والعطاء.

السينما.. محطات من التنوع والجرأة

تميّز أبو بكر عزت بقدرته الفريدة على التنقل بين مختلف الألوان الفنية، من الكوميديا الخفيفة إلى الدراما النفسية العميقة، ما جعله من أكثر الممثلين تنوعًا وتأثيرًا في تاريخ السينما المصرية. 

شارك في العديد من الأفلام التي تركت بصمة واضحة مثل "30 يوم في السجن" الذي جسد فيه شخصية “مدحت الشماشيري”، و"أفواه وأرانب" و"المرأة والساطور" الذي نال عنه جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي عام 1996، إضافة إلى أعمال مثل "معبودة الجماهير" و"دموع صاحبة الجلالة" و"الهروب" و"الإمبراطور" و"الزمن والكلاب" و"دعوة للزواج" و"القطار"، و"ضد الحكومة" الذي جسد شخصية الدكتور عبدالنور محامي الحكومة أمام أحمد زكي.

وبالرغم من توليه أدوارًا ثانوية في بعض الأعمال، فإن حضوره كان دائمًا قويًا وأداؤه صادقًا ومقنعًا، ما جعله أحد الأعمدة الأساسية التي ساهمت في نجاح العديد من الأفلام السينمائية عبر مسيرته الطويلة.

الدراما التلفزيونية.. نجومية لامعة على الشاشة 

برع أبو بكر عزت في الدراما التلفزيونية، حيث ترك بصمة لا تقل قوة وتأثيرًا عن أعماله في السينما والمسرح، وشارك في عدد من المسلسلات التي ما زالت حاضرة في ذاكرة الجمهور حتى اليوم، مثل "رأفت الهجان" و"السقوط في بئر سبع" و"أرابيسك" و"حلم الجنوبي" و"مكان في القلب" و"بنت أفندينا" و"طعم الأيام"، وصولًا إلى آخر أعماله "على نار هادئة".

وتنوعت شخصياته بين الأب الحنون، والرجل الحكيم، والمسؤول، والإنسان العادي البسيط، فكان قادرًا على الوصول إلى قلوب المشاهدين ببساطة وصدق بعيدًا عن أي تكلف أو افتعال، مما أكسبه مكانة خاصة في قلوب الجماهير وعشاق الدراما.

No photo description available.

المسرح.. العشق والعودة المدوية

رغم انشغاله الطويل في عالم السينما والتلفزيون، ظل المسرح هو البيت الحقيقي للفنان أبو بكر عزت، الذي وجد فيه مساحة حقيقية للتعبير عن موهبته وشغفه بالفن. شارك في عدد من الأعمال المسرحية الهامة مثل "البيجامة الحمراء" و"قصر الشوق" و"المفتش" و"الدبور" و"سنة مع الشغل اللذيذ"، التي أكدت مكانته كواحد من أبرز نجوم المسرح المصري.

لكن عودته الأقوى والأبرز كانت عبر مسرحية "الدخول بالملابس الرسمية" التي شارك فيها إلى جانب الفنانة سهير البابلي، حيث قدم أداءً مركبًا جمع ببراعة بين الجدية والكوميديا السوداء، وأعاد من خلالها تسليط الضوء على قدراته المسرحية الفذة، مؤكدًا بذلك عشقه الأول الذي لم يفارقه طوال حياته الفنية.

قصة حب استثنائية استمرت أكثر من أربعة عقود

في حياته الشخصية، عاش أبو بكر عزت، قصة حب نادرة مع الكاتبة والسيناريست الراحلة كوثر هيكل، استمر زواجهما لأكثر من 41 عامًا.

بدأت هذه القصة في فترة الدراسة، حين كانت كوثر تراه في البداية كشاب مستهتر، قبل أن تتكشف لها حقيقتُه كشاب مجتهد مكافح فقد والده في سن مبكرة، وكان يعمل بلا كلل ليدعم والدته ويؤمن مستقبله.

على الرغم من رفض أسرتها، استطاع عزت إقناعهم بأنه يعمل مدرسًا في المعهد العالي الصحي، وهو العمل الذي استقال منه فور زواجهما ليبدأ رحلة جديدة برفقة زوجته.

مرّت علاقتهما بتحديات مالية صعبة، لكن دعم زملائهما في الوسط الفني، وعلى رأسهم شريفة فاضل التي أحيت حفل زفافهما مجانًا، إلى جانب إنعام محمد علي وحسين كمال الذين ساعدا في تأسيس جمعية لدعمهما، كان له الأثر الكبير في تجاوزهما لتلك المحن، مما جسد عمق المحبة والتكاتف بينهما في مواجهة الصعاب.

من النقد إلى الاعتراف.. شهادة صادقة من محمود السعدني

في بداية مشوار أبو بكر عزت، لم يكن محمود السعدني من المعجبين بأدائه الكوميدي، حيث كتب عنه بسخرية قائلاً: "ظن نفسه من المضحكين الجدد، لكنه ليس مضحكًا". ولكن مع مرور الوقت، عاد السعدني ليغير نظرته تمامًا، معترفًا بامتلاك عزت لطاقات درامية هائلة تحتاج فقط إلى الانطلاق مع كبار الفنانين.

وهكذا تحقق ذلك بالفعل، ليخطو أبو بكر عزت خطوة ثابتة نحو الاعتراف النقدي، ليس فقط كفنان محبوب من الجمهور، بل كرمز درامي يحظى بتقدير النقاد، مؤكدًا أن المواهب الكبيرة تحتاج فقط للفرصة والبيئة المناسبة لتتألق.

رحيل فنان كبير وذكرى لا تُنسى

رحل الفنان الكبير أبو بكر عزت في 27 فبراير 2006، عن عمر ناهز 72 عامًا، مخلفًا وراءه إرثًا فنيًا زاخرًا بالعطاء والصدق والإتقان.

في ذكرى ميلاده، يتجدد الحديث عن أسطورة قدمت للفن المصري نماذج لا تمحى، وترك بصمة خالدة في ذاكرة الجمهور، فظل اسمه محفورًا في قلوب محبيه كأحد أعمدة الفن الراقي والصادق.

search