الخميس، 14 أغسطس 2025

04:04 م

أحمد الليثي
A A

السيو واللي جابوه

للوهلة الأولى تظن أن ما هو قادم من سطور حديث هزلي لا يمتّ للواقع بصلة، لكن يحزنني أن أخالف توقعك، فأنت أمام مسرحية مهنية في عالم الصحافة بطابع الكوميديا السوداء، بطلها صحفي منهك يجلس خلف شاشة مضيئة ولا يسمع منه غير أصوات أزرار لوحة مفاتيح تعاني أزراره من ألم الطرقات المتواصلة التي لا تتوقف.

مرت مهنة الصحافة "الأم" بعدة عصور واجهت فيها تغييرات عدة، ولا نبالغ حين نقول إنها ربما تكون أكثر المجالات العملية التي شهدت تغييرًا جذريًا في أدواتها صاحبه ظهور أطياف وشرائح جديدة، كان في القلب منها أقسام كتابة السيو، ذلك الجنين الذي يحتضر رغم أنه ما زال في مرحلة الإرهاصات ولم يصل البلوغ بعد.

بدأت العلاقة بين المحرر الصحفي والتقنية بمثابة غزل عفيف، وتطورت إلى أزهى مراحلها بعد ظهور ما يعرف بنمط كتابة "السيو"، هذا النمط الجديد في الكتابة، الذي يعود الفضل فيه إلى الأب الروحي "Google".

بالتزامن مع تراجع الرغبة في الإعلان على صفحات الصحف والمواقع الإلكترونية، عانت المؤسسات الصحفية من ضعف التمويل، وفي هذه المرحلة ظهر "Google" كمنقذ للمهنة وأصحابها، سرعان ما تحول نمط "السيو" إلى أكثر من موضة، بل قارب أن يكون علمًا من علوم فن الكتابة الصحفية الحديثة.

هنا.. بدأ الجميع يتسابق لينال رضا "Google" أملاً في الحصول على حفنة دولارات شهرية، وراح الكل يلهث خلف قطار السيو، لعل وعسى أن يلحق حتى ولو بآخر الركب، فينتفع ببعض من الورقات الخضراء.

ولأن "أيام العز" قليلة ها هي انقضت سريعًا، ولم يدم شهر العسل كثيرًا، فمع الوقت بدأ "Google" يضيّق الخناق، ورويدًا رويدًا بدأ سقف كتابة السيو ينخفض، حتى على كبار المواقع والصحف المتمرسة في كتابة السيو، ووقف الجميع في محل إعراب المفعول به، وانسحبوا من خشبة المسرح لمقعدة المتفرج، على عرض كوميدي ساخر "باكي" بطله الرئيسي الأوحد "google".

فراح ذاك البطل يُدخل تحديثات مجهولة وشروط معقدة مع كل دورة زمنية ربع سنوية، غير عابئ ببيوت أُغلقت ومؤسسات تكبّدت خسائر بالغة، حتى رفع الجميع من  كبار وصغار "سوق" السيو شعار: "هو Google عاوز إيه؟!".

دعني أصدقك القول بأن جميع أطراف المنظومة الصحفية من تقنيين ومحررين "لا، ولم"، وأخشى أنه "لن" يعرفوا ماذا يريد "Google".. حتى صرنا صباحًا ومساءً لا يجري على ألسنتنا سوى جملة: "السيو واللي جابوه".

search