الأربعاء، 20 أغسطس 2025

01:24 م

الشاعر مصطفى رجب يكتب: جامعات لتقشير البصل

حين استدعاني الباب العالي مع شيخي وبلدياتي الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، لم أكن أحلم بهذا الشرف العظيم: شرف مقابلة حضرة أفندينا المعظم الجناب الأفخم والوالي الأكرم محمد علي باشا، الذي خيّرني بين أن أكون إماما للبعثة المصرية المقيمة في باريس، وبين أن أسافر في مهمة مؤقتة لجلب وتمصير تجارب التعليم في الدول الشقيقة، مثل دولة همبكستان العظمى كبرى بلاد "السعد" على شمال نهر "الريان" ، حيث الروح والريحان والبركة في كل مكان.

وقد اختار بلدياتي الشيخ رفاعة إمامة بعثة باريس، أما أنا فقد منحتني الأقدار فرصة ذهبية حين أتاحت لي زيارة جمهورية همبكستان الشقيقة خلال المدة من 1/1/1812-1/9/1815لأكون شاهدا متابعا لنهضتها الثقافية التي أرادوا نقلها بأمانة – من خلالي– إلى دول: المحور، ودريم، ومواقع مؤثرة مثل: إش إش، والمصريين أهمه، وصلاة النبي أحسن، وخلي بالك من حبرك الفسفوري.

وخلال تجوالي في مدن وشوارع همبكستان، اطلعت على تجربة رائدة مراودة [بفتح "الواو" مرة وكسرها مرة] ريادية ذكرتني بالإعلام – عدم المؤاخذة– الريادي، وتنفذ هذه التجربة في جامعات عدة في جمهورية همبكستان، ويمكننا أن نطلق عليها تأدبا "ثقافة المشروعات"، حيث تتبنى كل جامعة عددا من فرص الصيد والقنص يطلقون على كل منها اسم "مشروع"، ويقدمونه إلى دول مانحة، يظنون أنهم أذكى منها، فهي تمول لهم تلك المشروعات تمويلا سخيا، ولها في ذلك مآرب غالبا ما تخفى على أصحاب المعالي والسمو والفطنة، وحتى لو ظهرت لهم فإنهم يحسنون تأويلها على أنها نوع حميد من فيروس “التعاون الدولي”!! 

على غرار ما يحدث بين دولة بحجم الولايات المتحدة الأميريكية ودولة بحجم "قها قهه" من تعاون عسكري!! عن طريق استباحة – لا مؤاخذة– أراضيها واحتلالها كقواعد عسكرية وإجراء بعض المناورات العسكرية المشتركة التي يطلقون عليها في الإعلام المحلي الريادي “تبادل الخبرات العسكرية”!!!.
والمشروعاتيون [لا تؤاخذني يا عم سيبويه] أو المشاريعجية [بلغة أبناء البلد] أو "السادة أعضاء هيئة التدريس الموقرون" [بلغة فريق المشروع والمشرفين عليه ومموليه]..... أنواع!!، فمنهم علماء حقيقيون يستهدفون بمشروعاتهم المصلحة العامة، ويتعففون عن مد أيديهم وأرجلهم وبطونهم ولا يستحلون أموال المشروعات، لأنها غالبا منح أو قروض وليست زكاة مال، ولا من الأخماس الشيعية ولا من العشور القبطية. ويكتفون من المكافآت بما هو حلال بلال مسموح به. وهؤلاء يمثلون أقل من خمسة بالمئة من المشروعاتيين.
ومنهم نصابون قضوا أعمارهم في السلب والنهب تحت مسميات مختلفة فلما دالت دولهم وأكل عليهم الزمان وشرب وتجشأ ومال واتكا وغنى واشتكى، وجدوا في هذه المشروعات مغانم كثيرة يأخذونها تحت أسماء مختلفة: فاللص "العُقْر" يحاضر في أحد المشروعات في موضوع عن “الأخلاقيات الجامعية”! ، وناهب المعدات والأجهزة يحاضر عن "الجودة" والاعتماد!!، والذي قضى عمره يتلقى الرشاوى من الطلاب والطالبات يحاضر عن “تنمية الأنشطة الطلابية”، ولص المشتريات المحترف يحاضر عن “تطوير الإدارة الجامعية”، والمنافق الذليل الذلول المتذلل يحاضر عن "الولاء والانتماء الوطني" .
ثم يكتب البائسون من "فريق المشروع" إلى من يمولونهم يتسولون [عدد 7 أجهزة لاب توب لحاجة المشروع الملحة والعاجلة إليها] و...".... نكون شاكرين لو تكرمتم بالموافقةعلى الشراء بالأمر المباشر للضرورة "العاجلة" بدلا من متاهات المناقصات.. أو كما قالوا!
وبعد أن تجيئ الأجهزة عجلى ملهوفة يعود زيد بجهاز منها إلى زوجه الروسية، ويعود عمرو بالثاني إلى زوجه الأمريكانية، وتلتقي القوتان العظميان مساء في إحدى خمارات العاصمة الراقية فتتحدثان بإعجاب عن زوجين فالحين ناجحين أتيا بالذئب من ذيله، وفازا بالقدح المعلى من كعكة المشروعات.
ويسهر الزوجان الصالحان الفالحان الحاجان المعتمران الأشمطان النصابان الهجاصان وبجوارهما غير بعيد نمام قتات لا يريانه ولكنه يسمع إليهما وهما يتضاحكان ويضربان كفا بكف وهما يحصيان ما جنياه من هبات المنح، وخيرات المشروعات.

على أن أعجب العجب، وأغرب الغرائب، وأكثر الأمور إثارة للدهشة والمفاجأة: أنك إذا
قرأت ملخص خلاصة مستخلصات نتائج مشروع من مشروعات تطوير التعليم الجامعي التي تنفق عليها الملايين وتستمر سنوات، تجدها (أي النتائج والتوصيات) تنتهي – ويا للعجب– إلى نتائج مفاجئة حقا وجديدة حقا وجسيمة حقا ومثمرة حقا وهي: [أن تطوير التعليم الجامعي أمر مهم أشد ما تكون الأهمية، ومن الضروري الحتمي أن يتطور التعليم الجامعي] "شفت إزاي" ؟ !!!.
وإذا طالعت ملخص خلاصة مستخلصات نتائج مشروع عن "استراتيجيات مقترحة لتفعيل أساليب جدية وجادة وجديدة لمكافحة التلوث البيئي" ستجد الخلاصة – بعد الملايين والسنين واللاب توبات والتعلب فات– تنتهي إلى [أهمية مكافحة تلوث البيئة!! وضرورة ابتكار آليات مستحدثة واستحداث آليات مبتكرة لمقاومة ذلك التلوث]! 
فقط: ما على (فريق المشروع) إلا أن يضع في تقريره النهائي بين الفينة والفينة – على رأي إخواننا الأدباء!!!- عدة مصطلحات أعجمية، وإشارات إلى بضع معادلات ورسوم بيانية ومؤلفات أجنبية ذات صلة بالموضوع محل البحث العلمي (واخد بالك؟).
وقد قابلت في رحلتي تلك عددا من المتشائمين المرجفين المناوئين لمسيرة الإصلاح الوطني، فسمعت منهم ما يضحك الثكالى، ويبهج الأيامى، ويُرقِّص الأعرج، ويُطرب الأفلج، فهم يتحدثون عن مشروعات مستحدثة لتعليم أستاذات الجامعة المرموقات كيف يُقشِّرن البصل بالليزر، ويقمعن البامية بالأشعة فوق البمبي وتحت البنفسجية، وكيف يبتكرن أساليب (غير نمطية) لخرط وتمليخ الملوخية، وكيف يدنين إليهن قلوب أزواجهن إذا آنسن منهن نشوزا أو إعراضا أو زوغان عين، بأساليب متطورة من الفتنة والإغراء، لا بالاستكثار من الذرية، أو تسبيك التقلية، أو تكحيل العينين، فكل تلك الأساليب لم يعد لها مكان في ظل ثورة المعلومات التي يشهدها قرننا التاسع عشر!

وقد حزنت كثيرا حين علمت أن كل جامعات همبكستان خرجت من مضمار المنافسة الذي فازت فيه جامعات دول لا تاريخ لها ولا تملك حضارة العشروميت ألف سنة التي تملكها همبكستان، فقد تبين أن سبب خروج تلك الجامعات من المنافسات الدولية إنما يعود في الحقيقة إلى أنها عندما دخلتها، كانت “لسه خارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخة”!
ولم تنتبه إلى أن هيئة التحكيم لا تحب الخوخ، ولكنها تموت في: العنب... العنب... العنب!!!
[ملحوظة: جاء في تاريخ الهبرتي /م1/ص/256/ ما نصه “... ولما قدم ابن رجب الحسيني هذا التقرير إلى مولانا الجناب الأعظم واطلع عليه، دعاه إلى عشاء في القلعة مع المماليك وأقيم له بعدها ضريح عظيم بحي الإمام الأكبر ما زال يزار حتى يومنا هذا”.. لذا لزم التنويم!!]

search