الخميس، 18 سبتمبر 2025

11:13 ص

تحفة معمارية تتحدى الزمن.. قصة مسجد علي باشا شعراوي بالمنيا

مسجد علي شعراوي بالمنيا

مسجد علي شعراوي بالمنيا

في قلب مدينة المنيا، يقف مسجد "علي باشا شعراوي" شامخًا، ليس فقط كمكان للعبادة، بل كشاهد حي على حقبة تاريخية مهمة، يجسد عظمة العمارة الإسلامية وروح الثورة المصرية ضد الاستعمار، ويعتبر المسجد تحفة فنية نادرة ضمن سلسلة الآثار الإسلامية بالمحافظة، متحديًا عوامل الزمن والإهمال.

يقع المسجد، الذي أنشئ عام 1921 وسُجل ضمن آثار المحافظة الإسلامية، بالقرب من كوبري محطة المنيا بالطريق الزراعي (مصر-أسوان)، لا يقتصر تميزه على تصميمه المعماري الفريد، بل يمتد ليكون ضريحًا لمؤسسه الباشا الكبير، الذي وافته المنية قبل أن يشهد اكتمال بنائه، ليدفن فيه ويصبح جزءًا من حكايته.

ناشئ المسجد: رفيق درب سعد زغلول

وراء هذه القامة الأثرية يقف اسم لامع في تاريخ مصر الوطني؛ «علي باشا شعراوي»، أحد أبرز أعيان المنيا، وزوج المناضلة النسوية هدى شعراوي، وأحد الآباء المؤسسين لحزب الوفد إلى جانب سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وغيرهم.

 كان شعراوي رفيق زغلول في الكفاح من أجل تحرير مصر، وشاركه مرارة النفي إلى جزيرة مالطا في 8 مارس 1919، والتي أشعلت شرارة ثورة 1919 المجيدة.

عمارة تروي قصة عصر

يتميز المسجد بتصميم معماري فريد يجسد حوارًا بين العصور، فمن الخارج، تخطف الأنظار مئذنته الشاهقة المزينة بأندر الزخارف الإسلامية على الطراز المملوكي، رغم بنائها في القرن العشرين، لتكون نموذجًا فريدًا لا تقليدًا لأحد، وتعلو البناء قبة مستديرة تختبئ تحتها قاعة الصلاة.

أما من الداخل، فتتكون المساحة المستطيلة (25م × 16م) من أربعة أروقة تحيط بقاعة رئيسية تغطيها ثلاث قباب مثمنة الأضلاع مخروطية الشكل.

 ويحتوي المسجد على خمسة أروقة موازية لجدار القبلة، يتوسط محرابه الجدار الجنوبي الشرقي، وهو محراب مجوف تزينه أعمدة رخامية وأعلاه آية قرآنية كريمة: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ).

الضريح: بصمة عثمانية

يلاصق جدار القبلة من الخارج ضريح علي باشا شعراوي، المُشكل بسداسية تعلوها قبة، وهي من التأثيرات العثمانية الواضحة، وتزين أركان جدران الضريح من الداخل زخارف نباتية متداخلة ومنفذة بألوان زيتية متعددة، بالإضافة إلى عناصر كتابية باللون الأبيض على بلاطات زرقاء، أبرزها سورة الأنبياء.

إنذار بالإهمال

كشف مدير عام منطقة آثار المنيا الشمالية، عن معاناة المسجد جراء الإهمال والتردي البيئي المحيط به.

وأبرز المشاكل وجود موقف للسيارات أمام بوابته وعلى الجهة المقابلة على طريق مصر-أسوان، مما يشوه بانوراما الأثر ويعرضه للخطر.

أضاف مدير منطقة الآثار، أن المسجد يعاني من مشاكل الصرف الصحي، كونه يقع في منطقة كانت عشوائية وقت إنشائه، ولم يتم توصيل الصرف الصحي له، بل بُني على خزان للمياه، لافتا إلى تقديم شكاوى عديدة لديوان المحافظة والجهات المعنية، والأوقاف والآثار، دون أي استجابة فعالة حتى الآن.

أما عن أعمال الترميم، أكد مدير الآثار، أنه لم يتم أي تجديدات أو إضافات، بل اقتصر العمل على "ترميم دقيق" وتنظيف للأعمدة الداخلية والخارجية عام 2004 فقط للحفاظ على الأثر كما بُني. 

هكذا يقف مسجد علي باشا شعراوي، كصرح شاهد يحكي مجدًا ثوريًا وتاريخًا معماريًا فريدًا، لكنه يناضل في صمت ضد غول الإهمال وعبث البشر، في انتظار من يمد له يد الإنقاذ قبل أن يصير أثرًا بعد عين.

search