بدائل صندوق النقد.. هل تستطيع مصر رسم مسار اقتصادي مستقل؟

تقليل اعتماد مصر عن صندوق النقد الدولي
اعتمدت مصر خلال الفترة الماضية على تمويلات صندوق النقد الدولي التي ارتبطت بعدد من الشروط، وهو ما دفع الحكومة إلى إعادة التفكير في مسار مختلف بعيدًا عن الصندوق، إذ أثار هذا التوجه تساؤلات جوهرية حول قدرة القاهرة على إيجاد بدائل واقعية لتأمين احتياجاتها التمويلية.
وقال الخبير المصرفي، هاني أبو الفتوح، إن مصر تمتلك بدائل متعددة للاقتراض من صندوق النقد الدولي، لكن هذه البدائل تحتاج إلى إرادة سياسية وإصلاحات اقتصادية جادة تتناسب مع طبيعة التحديات الراهنة.
وأوضح أبو الفتوح، أن من أبرز هذه البدائل جذب استثمارات مباشرة في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية واللوجستيات، إلى جانب تعزيز الصادرات عبر دعم الصناعة الوطنية وتوسيع قاعدة المنتجات القابلة للتصدير بما يساهم في تقليص الفجوة الدولارية.
وفي فبراير 2024، أعلنت الحكومة المصرية، توقيع اتفاق استثماري ضخم مع الجانب الإماراتي لتطوير وتنمية مدينة "رأس الحكمة" الجديدة، وذلك بإجمالي استثمارات تصل إلى نحو 150 مليار دولار.
وبموجب الاتفاق، تحصل مصر على 35% من صافي أرباح المشروع، في حين يشمل التعاقد ضخ 35 مليار دولار كاستثمار أجنبي مباشر لصالح الدولة المصرية خلال فترة لا تتجاوز شهرين، من بينها 11 مليار دولار مخصصة لشطب جزء من الديون المستحقة.
وأشار أبو الفتوح، إلى إمكانية التوسع في إصدار أدوات تمويلية حديثة مثل السندات الخضراء والصكوك السيادية، لما لها من قدرة على جذب المؤسسات المالية الدولية الباحثة عن استثمارات مستدامة، مؤكدًا أن برنامج الطروحات الحكومية يمثل بديلًا واقعيًا لتوفير سيولة دولارية دون زيادة أعباء الدين الخارجي.
وبحسب وزارة المالية، فإن مصر تخطط لإصدار سندات دولية بقيمة 4 مليارات دولار حتى منتصف العام المقبل، في إطار جهودها لتنويع مصادر التمويل وإعادة هيكلة الاقتصاد عقب أسوأ أزمة تواجهها منذ عقود.
وأوضح وزير المالية، أحمد كجوك، أن الحكومة تدرس إصدار أدوات مالية تشمل سندات مقومة باليورو والدولار وسندات استدامة، بهدف تغطية حوالي 40% من احتياجات مصر من التمويل الخارجي خلال السنة المالية الحالية.
ولفت أبو الفتوح، إلى أن تحفيز تحويلات المصريين بالخارج عبر أدوات ادخارية بعائد متميز بالعملة الأجنبية يمكن أن يشكل مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة في الفترة المقبلة.

وبحسب البنك المركزي المصري، ارتفعت تحويلات المصريين بالخارج 66.2% خلال السنة المالية 2024/2025 لتسجل 36.5 مليار دولار مقابل نحو 21.9 مليار دولار خلال السنة المالية 2023/2024.
وأكد أبو الفتوح، أن هذه البدائل لن تنجح إلا بوجود سياسات نقدية ومالية مستقرة ووضوح في الرؤية الاقتصادية يضمنان ثقة المستثمرين والممولين الدوليين، مشددًا في الوقت نفسه على أن مصر قد لا تستغني تمامًا عن التعاون مع صندوق النقد الدولي، لكنها قادرة على تقليص اعتمادها على القروض المباشرة إذا ما استغلت هذه الأدوات بكفاءة.
مصر ومطالب صندوق النقد الدولي
وقال الخبير الاقتصادي، وليد جاب الله، إن اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي يستند إلى برنامج وطني خالص يراعي الخصوصية المحلية ويتوافق في الوقت نفسه مع المعايير الدولية، مشيرًا إلى أن الحكومة لا تنصاع بشكل كامل لمطالب الصندوق.
واتفقت مصر في مارس 2024 مع صندوق النقد الدولي على رفع قيمة برنامج الدعم المالي من 3 مليارات إلى 8 مليارات دولار، الأمر الذي أتاح تدفق تمويلات واستثمارات جديدة ساعدت القاهرة في مواجهة التداعيات الاقتصادية الحادة التي بدأت منذ أوائل 2022.
وأوضح جاب الله في تصريحات لـ"تليجراف مصر" أن الدولة بدأت بالفعل خطوات عملية للتقليل من الاعتماد على صندوق النقد، من بينها إصدار سندات بالعملات الأجنبية خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى جذب استثمارات أجنبية مباشرة مثل صفقة رأس الحكمة وصفقة البحر الأحمر، والتي ستعزز موارد الدولة من العملة الصعبة على المدى الطويل.
وأشار إلى أن انضمام مصر إلى تحالف بريكس يُمثل أحد البدائل التمويلية المهمة، إذ يتيح التبادل التجاري بالعملات المحلية بما يخفف الضغوط على الدولار، فضلًا عن إمكانية الحصول على تمويل من بنك التنمية التابع للتحالف لتنفيذ المشروعات دون الالتزام بشروط صارمة كتلك المفروضة من صندوق النقد.
في يناير 2024، انضمت مصر بشكل رسمي إلى مجموعة "بريكس"، وذلك بهدف تقليل الطلب على الدولار والمساهمة في توفير الاحتياجات التصنيعية ومداخلات الإنتاج من الدول الأعضاء في البريكس وبتسهيلات تساهم في خفض الضغط على الدولار.

وأضاف جاب الله، أن مصر تتمتع أيضًا بعلاقات قوية مع الصناديق والمؤسسات الإقليمية والإسلامية، ما يفتح المجال للحصول على تمويلات بشروط ميسرة وأسعار فائدة أقل مقارنة بما هو مطروح في الأسواق والمؤسسات الدولية الأخرى.
دول تخلت عن صندوق النقد
في 2023، نجح العراق في سداد كامل القروض الذي حصل عليه من صندوق النقد الدولي منذ عام 2003، والذي لم يتجاوز مجموعها 8 مليارات دولار.
وتعتبر بوتسوانا نموذجا يستشهد به كثيرًا، حيث نجحت في إدارة مواردها الطبيعية، وبشكل خاص صناعة الألماس، إلى جانب سياسات مالية محافظة ساعدتها على تجنب اللجوء لتمويلات صندوق النقد، وذلك وفقًا لتقرير المجموعة البحثية "THE RADICAL LEAP GROUP".
وأظهر التقرير نفسه، أن عددا آخر من الدول الإفريقية استطاعت الحفاظ على استقلالها المالي بعيدًا عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي، من بينها ليبيا وإريتريا، والتي لم تلجأ مطلقا إلى تمويلات الصندوق منذ تأسيسه.
ولم تكن أفغانستان ضمن هذه الدول، إذ سبق أن تعاملت مع صندوق النقد الدولي، كما حصلت على إعفاءات من الديون في إطار مبادرات مشتركة مع البنك الدولي، إلا أن وضعها تغير جذريًا بعد سيطرة طالبان عام 2021، حيث أعلن الصندوق تعليق وصول كابول إلى التمويلات المقررة بسبب غياب الاعتراف الدولي بحكومتها.
وأظهر آخر تحديث صادر عن صندوق النقد الدولي، أن إجمالي مديونية مصر لدى الصندوق بلغ نحو 7.18 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، تعادل ما يقارب 9.5 مليار دولار أمريكي حتى سبتمبر 2025، لتبقى القاهرة ضمن قائمة أكبر المقترضين من المؤسسة الدولية خلال السنوات الأخيرة.

الأكثر قراءة
-
الدقائق الأخيرة مع الأم.. سائق "أوبر" يفارق الحياة أثناء عمله
-
بعد دعم تامر حسني.. دينا فؤاد: سرطان الثدي تملكني بعد تشخيص خاطئ
-
فيديو يرصد آخر 30 ثانية قبل "فرم وتسييح" إسورة المتحف المصري
-
يانهار إسود.. زاهي حواس يعلق على بيع إسورة أثرية ملكية بـ 180 ألف جنيه
-
السيسي.. الرئيس الذي أفسد مخططات الغرب
-
غموض وتساؤلات في سرقة إسورة المتحف المصري.. من يكشفها؟
-
وصول ملك إسبانيا فيليبي السادس إلى الأقصر (صور)
-
قضى عليها بالطريق السياحي.. زوج يتخلص من شريكة حياته في الفيوم

أخبار ذات صلة
أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة.. طن الاستثماري يقفز 584 جنيهًا
19 سبتمبر 2025 02:36 م
الاتحاد الأوروبي يرضخ لضغوط ترامب ويقلل الاعتماد على الغاز الروسي
19 سبتمبر 2025 01:50 م
أسعار الفضة في مصر اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025.. بكم الجرام؟
19 سبتمبر 2025 12:52 م
سر كلمة باول.. لماذا خالفت أسعار الذهب التوقعات بعد خفض الفائدة؟
19 سبتمبر 2025 10:05 ص
أكثر الكلمات انتشاراً