الخميس، 02 أكتوبر 2025

11:20 م

فاطمة سليمان

انقذوا مستقبل ضحايا مافيا الأكاديميات الوهمية

يحلم الطلاب الجامعيين بيوم حفل تخرجهم وحصولهم على درجة البكالوريوس أو الليسانس، وإتمام مسيرتهم التعليمية التي استمرت لسنوات.

لفتت نظري القصة المؤثرة التي تعرضت لها منى (اسم مستعار لشخصية حقيقية) التي درست 4 سنوات في الأكاديمية الدولية لتكنولوجيا المعلومات، قبل أن تكتشف بعد 4 سنوات دراسة أن المكان الذي تعلمت فيه مجرد "كيان وهمي"، فأخذني الفضول لأتحدث مع هذه الفتاة لأعرف ما هي قصتها بشكل تفصيلي.

منى قالت لي إنها كانت تحلم بدراسة الإعلام حتى تصبح إعلامية معروفة وتحقق حلمها، لكن خذلها مجموعها في الثانوية العامة، بالإضافة إلى أن حالتها المادية وقتذاك منعتها من الالتحاق بجامعة خاصة، لذا قررت منى أن تتصفح الإنترنت على أمل أن تجد مؤسسة تعليمية تدرس بها الإعلام.

بعد رحلة بحث قصيرة، استوقفها إعلان عن تلك الأكاديمية (التي اتضح لاحقًا أنها وهمية)، فعاد لها الأمل مجددًا خصوصًا عندما عرفت أن الأكاديمية تتيح دراسة الإعلام، وعندما ذهبت لتقديم أوراقها أقنعها صاحب الأكاديمية "المحتال"، أن أكاديميته معتمدة وموثوقة وتمنح خريجها درجة البكالوريوس، وأنه أخذ توكيلًا من جامعة كامبريدج في لندن، وهكذا استطاع أن يقنع منى وغيرها من الحالمين بأن الأكاديمية معتمدة وموثوقة.

منى تابعت حديثها معي والدموع تغرق عينيها، وبدأت تتذكر ما حدث معها، وعلمت منها أنها كانت تعمل بأقصى جهدها لتستطيع جمع مصروفات دراستها حتى للتخفيف عن كاهل والديها، وعندما اكتشفت الخدعة التي تعرضت لها بعد انتهاء سنوات الدراسة الأربع، صارت تبكي بحرقة على تعبها ومستقبلها الذي بات مجهولًا، حيث رفضها جميع المعاهد والجامعات وحتى وزارة التعليم العالي بسبب أن شهادة الثانوية العامة التي تملكها أصبحت قديمة، وقالوا لها إن الحل الوحيد هو الجامعات الخاصة أو التعليم المفتوح.

الجامعات الخاصة تقبل منى، لكن شريطة أن تدفع ما لا يقل 50 ألف جنيه في السنة، فذهبت إلى جامعة القاهرة لتسأل عن التعليم المفتوح، لكنهم أخبروها أنه تم إلغاؤه منذ عام 2017، والبديل هو ما يعرف بـ"التعليم المدمج"، لكنهم قالوا لها إن التقديم فيه مغلق منذ عامين.

حكاية منى تركت في قلبي جرحًا غائرًا، ولا أعرف كيف سيكون مصيرها، وماذا عساها أن تفعل لمواصلة رحلة تعليمها، أهكذا هو حال التعليم في مصر؟! يعطون الفرصة للمقتدرين ماديًا حتى تستكمل تعليمها، بينما أصحاب الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل تختفي الفرص المناسبة من أمامهم، على الأقل يتيحون فرصة التعليم المدمج ليستكملوا الطلاب تعليمهم ويكون هناك ضمان لمستقبلهم.

أخذني الفضول حتى أعرف لماذا التقديم في التعليم المدمج مغلق منذ عامين، فذهبت لمركز التعليم المدمج في جامعة القاهرة وقالوا لي إن هناك بعض الطلاب رفعوا قضية لإعادة التعليم المفتوح مرة أخرى لأنهم لا يريدون المدمج الذي يمنح البكالوريوس المهني، بل كانوا يريدونها شهادة أكاديمية مثلما كانت من قبل أثناء نظام التعليم المفتوح، ولهذا السبب التقديم في التعليم المدمج متوقف حتى يصدر حكم قضائي.

جلست مع نفسي حتى أعيد التفكير في حديث مسئول مركز التعليم المدمج معي، رأيت أن الكثير من الطلاب حالهم مثل حال منى، وقعوا ضحية القضايا المرفوعة لإعادة التعليم المفتوح، ما الذنب الذي ارتكبوه حتى تضيع عليهم سنوات من مستقبلهم بسبب آخرين، لماذا لا نتيح فرصة التعليم على النظام المدمج وعندما يصدر حكم بالقضايا المرفوعة يتفرغوا في تنفيذه.. إنها حقًا مأساة كبرى.. انظروا إلى الموضوع من الناحية الإنسانية، لا أحد يقبل أبدًا أن يضيع مستقبل ابنه أو أحد من أقاربه.

دموع وبكاء منى على مستقبلها أثر عليّ بشكل مبالغ ووضعت نفسي مكانها للحظة ووقتها شعرت بالقهر، ولا يبقى أمامي سوى تقديم نصيحة لطلاب الثانوية العامة الذين يخذلهم مجموعهم فلا يتمكنون من الالتحاق بالكلية التي يحلمون بها: لا تتسرعوا واحذروا أن تقعوا في فخ الأكاديميات الوهمية.. وإلى كل مسؤول في الدولة أقول: انقذوا مستقبل ضحايا مافيا الأكاديميات الوهمية.

search