الأحد، 12 أكتوبر 2025

02:01 ص

طارق تهامي

هل "الوفد" ماله حرام؟!

يتبادر هذا السؤال إلى ذهني كلما رأيت وتابعت مال الوفد وهو يُنهب عيني عينك.. ثم يلاحقك الناهب بابتسامة عريضة حتى “تنكسف على دمك” وتصمت.. فلا تناقش أو حتى تسأل: "فلوس الحزب فين؟!".

في ثقافتنا الدينية نقول عن المال الذي يفنى ويضيع بلا سبب “أكيد دي فلوس حرام”!! ولذلك يجب ان نعود لأصل المال لنعرف مصدره!

ولكي نعرف، يجب أن نتذكر حكاية تجميع أول رأس مال للحزب في عام 1984 عندما استدعى فؤاد سراج الدين قيادات الحزب العائد قائلًا لهم: عايزين نساهم مع بعض في تكاليف شراء مقر للوفد وتكاليف تأسيس صحيفة تتكلم بلسانه.. على الفور بادر الجميع بتسليمه شيكات مقبولة الدفع بمبالغ هائلة.. ولم يسأل أحد منهم عن مكاسب.. فلم يقل أحدهم “لازم يا باشا تخليني أول القايمة” فقد كانت الانتخابات بنظام القائمة النسبية.

ولم يقل له أحدهم: "هاترجع لي فلوسي إمتي؟".. بل دفع كلٌ منهم في إطار قناعته بضرورة التضحية من أجل عودة الوفد.. حتى أن أحد الوفديين القدامى متوسطي الحال ترك منزل فؤاد سراج الدين ثم عاد له مرة أخرى ممسكًا بمنديل كبير مربوط على محتوى غير واضح.. وعندما جلس أمام فؤاد سراج الدين قال له: “يا باشا.. والله أنا جبت لك الدهب بتاع مراتي علشان أساهم معاكم”. 

ولكن فؤاد سراج قال له متأثرًا: "إزاي تعمل كده.. رجّع الدهب لزوجتك.. ومين اللي قال إنك مش مساهم.. إنت بتساهم معانا بجهدك وفكرك وإخلاصك.. الإخلاص أهم من الفلوس" ورفض فؤاد سراج الدين قبول التبرع من الرجل الوفدي المخلص.

هذه الحكاية تجعلني أقول: إزاي فلوس الوفد اللي اتجمعت من شقا الوفديين تبقى حرام وتنبقى"نهيبة" لكل عابر سبيل؟

طيب، هل تنمية هذه الأموال، ثم شراء مقر بهذا الحجم وتأسيس صحيفة عظيمة تم بمال حرام؟ هل قمنا بسرقة أحد.

هل وجدنا كنزًا تحت القصر فأصابتنا لعنة أصحابه الأوائل فأرسلوا لنا من ينهب مالنا أمام أعيننا كي نصاب بالحسرة ثم يضربنا داء الصمت كأننا أكلنا “سد الحنك” في ليلة ظلماء؟

لا والله.. مال الوفديين الأوائل كان حلالًا طيبًا، لكن أبناءهم لم يصونوه وسيلحقهم العار إن تركوه نهبًا…

أدعوك لمتابعة تاريخنا في تنمية هذه الأموال التي كانت تمثل لنا ملاذًا من سؤال العظيم واللئيم.. وعصمة لنا من سواد الأيام.

ستجد شريط ذكريات كله كفاح وإدارة رشيدة وأمانة حافظت على الوفد لفترات طويلة.. وعثرات سقطنا فيها لنقوم ونقف على أقدامنا من جديد.

لكننا لم نتعرض أبدًا لموقف الصامت أمام نهب الأموال عيني عينك.. إلا بعد أن تسرّب السوس ونخر في الجسد.. وكان بعد كل عملية سلب لحقوقنا يُطلق في وجوهنا ابتسامة النصاب الظريف ليقنعنا أنه طيب القلب ولا يريد القضاء علينا مرة واحدة لكنه قرر قتلنا قتلًا رحيمًا دون أن نشعر، بعد أن يسلبنا حقوق حزبنا وماله.

ثم يسيطر على اثنين أو ثلاثة يساعدونه في إقناع باقي الوفديين أنه “طيب وكيوت”، ثم يحصل على الحصانة فيتوحش ويُظهر ما بداخله تجاه الآخرين، ثم يطردهم قبل أن يبيع بيتهم في مزاد النخاسة.. فتتحول ابتسامته الخبيثة لضحكة استهزاء وسخرية من هؤلاء الناس الطيبين، الذين تم تركوا أموالهم نهبًا.. فصمتوا.. فيتمكن هو.. ليقتنع الجميع – غصبًا لا رضاءً – بعد انتهاء عملية النصب بأنه شريف عفيف، فننسى الأموال المنهوبة، ويكتبُ اللصُ الظريف تاريخًا جديدًا للحزب العريق على مقاسه الذي لا يطول أصغر أعمدة القصر المهيب.

search