الأربعاء، 15 أكتوبر 2025

05:23 م

معايير تطوير الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي

يشهد الإعلام المصري، كغيره من الأنظمة الإعلامية في العالم، تحولات جوهرية في ظل الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي (AI). فالمسألة لم تعد مقتصرة على التحول إلى الإعلام الإلكتروني، بل أصبحت تتعلق بكيفية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في جمع الأخبار وتحليلها، وإنتاج المحتوى، وتفاعلية الجمهور، مع الحفاظ على القيم المهنية والأخلاقية التي تميز الإعلام الوطني المسؤول، فتطوير الإعلام في هذا العصر يعني الانتقال من النمط التقليدي إلى النمط الذكي، الذي يعتمد على تحليل البيانات الضخمة، وأتمتة التحرير والإخراج، واستخدام تقنيات التعلم الآلي في إدارة المحتوى الإعلامي.
ولتحقيق ذلك، يجب أن تُصاغ معايير دقيقة تراعي خصوصية البيئة الإعلامية المصرية وهويتها الثقافية.
ومن أبرز  معايير التحول التكنولوجي والإبداعي، تحديث البنية التكنولوجية للمؤسسات الإعلامية (قنوات – صحف – مواقع إلكترونية) لتتكامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي في تحليل اتجاهات الجمهور، والتنبؤ بالأحداث الإخبارية، وتخصيص المحتوى بحسب المستخدمين.

فضلا عن تشجيع الابتكار الصحفي القائم على التطبيقات الذكية (صحافة البيانات، الصحافة التفاعلية، المساعدات الصوتية الإخبارية).
وإطلاق منصات إعلامية ذكية مصرية تنافس المنصات الإقليمية، مع تبني تقنيات اللغة العربية الفصحى في معالجة النصوص (NLP) وتوليد المحتوى.
واهمية إدماج مقررات الذكاء الاصطناعي والإعلام الرقمي في كليات الإعلام المصرية.
ولا يمكن إغفال تدريب الصحفيين والمحررين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التحرير والرصد والتحقق، وفهم خوارزميات النشر والترويج الرقمي، وإعداد مدارس تدريب متخصصة داخل المؤسسات الصحفية لتأهيل الصحفيين على تقنيات الصحافة الآلية، مع ضرورة وضع ميثاق أخلاقي مصري للذكاء الاصطناعي الإعلامي يوازن بين التقنية والضمير المهني.
وضمان أن الآلة لا تحل محل الإنسان في التقدير الأخلاقي أو اتخاذ القرارات التحريرية الحساسة، وترسيخ مبدأ التحقق البشري قبل النشر، مهما كانت دقة أدوات الذكاء الاصطناعي في توليد المحتوى.

والالتزام بالشفافية في الإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي في إعداد أو تعديل المواد الصحفية.
وينبغي تحديث القوانين واللوائح الإعلامية بما يواكب استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإنتاج والنشر.
ومن ثم لا بد من إصدار تشريعات تحمي حقوق الملكية الفكرية للمحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي.
وتحمي أيضا البيانات الشخصية للمواطنين التي تُستخدم في التحليل الإعلامي.
مع ضرورة إنشاء مجلس وطني للإعلام الذكي يتولى وضع استراتيجيات طويلة المدى للتكامل بين الإعلام والذكاء الاصطناعي.
وفيما يتعلق بمعايير التفاعل مع الجمهور والثقة المجتمعية، فتتمثل في تطوير منصات تفاعلية ذكية تتيح للمواطن المشاركة في صناعة المحتوى والتصحيح الفوري للأخبار الزائفة. مع ضرورة استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل مشاعر الجمهور (Sentiment Analysis) لفهم اتجاهاته وتوجهاته.
مع ضرورة إعادة بناء الثقة بين الإعلام والجمهور عبر محتوى أكثر صدقًا وإنسانية، يعتمد على المعلومات الدقيقة لا على الإثارة.
وفيما يتعلق بمعايير الجودة في المحتوى الإعلامي الذكي، فتتمثل في التوازن بين السرعة والدقة، فالتكنولوجيا تمنح السرعة، لكن المهنية تضمن الدقة، والعمق والتحليل بدلًا من النقل الآلي للمعلومة.

ودمج الذكاء الاصطناعي مع الذكاء الإنساني لإنتاج محتوى ذي رؤية،
وإحياء الدور الثقافي والتنويري للإعلام المصري في مواجهة السطحية الرقمية والمحتوى الزائف.
وفيما يتعلق  بالمعايير الاقتصادية والإدارية فتتمثل في إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية لتصبح مؤسسات رقمية مستدامة تعتمد على البيانات كمصدر أساسي للتمويل الإعلاني.
وهناك نماذج اشتراك ذكية تشجيع الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص في تطوير تقنيات الإعلام الذكي.
وفيما يتعلق بالبعد القيمي والوطني ،فيتمثل في الحفاظ على الهوية المصرية والعربية في زمن الذكاء الاصطناعي العالمي،
و تعزيز دور الإعلام الوطني كقوة ناعمة تسهم في تشكيل الوعي الجمعي ومواجهة حملات التضليل الرقمي،وتوظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة الرسالة التنويرية والتعليمية للإعلام المصري في الداخل والخارج.
إن تطوير الإعلام المصري في عصر الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية فكرية أو خيارًا تقنيا، بل هو ضرورة وجودية لبقاء الإعلام فاعلًا ومؤثرا في مجتمع رقمي سريع التحول.
والمطلوب هو تحقيق معادلة دقيقة وهي  تكنولوجيا متقدمة + مهنية راسخة + وعي وطني مسؤول، حتى يصبح الإعلام المصري نموذجا عربيا رائدا في توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان والوطن الغالي مصر ،الذي نعمل جميعا لأجله!

search