
مصطفى صلاح يكتب: إسرائيل كيان من نارٍ وخديعة
كل مرة تتصور إسرائيل أنها تكتب سطرًا جديدًا في تاريخ البقاء، لكنها في الحقيقة تكتب اعترافًا جديدًا بسقوطها الأخلاقي، وتاريخها الأسود، وخيانتها للضمير الإنساني قبل أن تخون الاتفاقات والعهود.
ها هي اليوم - بكل فجاجة وغطرسة - تُعلن أنها لن تسمح إلا بدخول ثلاثمئة شاحنة مساعدات إلى غزة، نصف ما اتُفق عليه، كأنها توزّع الأوكسجين على أحياءٍ تنتظر الموت، وتتحكم في من يستحق أن يتنفس ومن يجب أن يختنق.
ذلك ليس قرارًا سياسيًا فحسب، بل فعل شيطاني يعرّي حقيقة هذا الكيان الذي وُلد من رحم الكذب، ونما في تربة الدم، وسُقي من ماء الحيلة. إسرائيل لا تعرف من اللغة سوى لسان القوة، ولا من الأخلاق سوى ما يخدم أطماعها.
كل تاريخها قائم على النقض والخيانة. فمن خان العهد مع الله نفسه، هل يؤتمن على ميثاق مع البشر؟
منذ أن عبدوا العجل بعد غياب نبيّهم موسى، وهم قوم لا يستقر فيهم الإيمان ولا يثبت فيهم العهد.
شقّ الله لهم البحر فأنكروا، وأنزل عليهم المنّ والسلوى فتمردوا، ورفع فوقهم جبل الطور فاستكبروا، وقالوا لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون.
قوم رأوا المعجزة بعينها ثم كفروا بها، فهل ننتظر من أحفادهم اليوم أن يوفوا بوعد أو يحترموا اتفاقًا؟
إسرائيل كيان بلا جذور، نبت شيطاني في أرضٍ مقدسة.
يتحدثون عن "أرض الميعاد" بينما يلطخونها بالدماء، ويُقيمون دولة على أنقاض جثث الأطفال، ثم يطلّون على العالم بوجهٍ منمق وكلماتٍ عن الديمقراطية والحرية.
أي ديمقراطية هذه التي تُبنى فوق المقابر؟ وأي حرية تُولد من فوهة الدبابة؟
ما يجري في غزة ليس حربًا، بل جريمة منظمة تحت رعاية دولية.
الطفل الذي يموت جوعًا لأن شاحنة مساعدات حُبست خلف بوابة الاحتلال، هو وصمة عار على جبين العالم الحر، والمجتمع الدولي الذي يكتفي بالتنديد اللفظي شريك في الجريمة، شريك بالصمت والتواطؤ والجبن.
تلك هي مأساة الإنسانية حين تُدار بمنطق المصالح لا بمنطق الضمير.
إسرائيل تعرف جيدًا أنها لا تحارب غزة فقط، بل تحارب الحقيقة ذاتها.
تريد أن تمحو من الذاكرة أن هناك شعبًا اسمه الشعب الفلسطيني، له تاريخ وجذور وأرض وحق، وأنه لا يزال يقاوم رغم أنف الموت والحصار.
تريد أن تقول للعالم إن القوة هي الحق، وإن الضعف لا يستحق الحياة. لكنها لا تدرك أن الشعوب التي تموت من أجل كرامتها لا تُهزم، وأن الجوع لا يقتل فكرة الحرية، بل يشعلها.
في المقابل، تقف مصر كالوتد في صدر الريح، تُعيد ضبط ميزان العدل في زمن اختل فيه كل شيء.
منذ اللحظة الأولى، رفضت التهجير، رفضت المساس بسيادتها، رفضت أن تتحول سيناء إلى أرض بديلة لفلسطين.
قالتها مصر بصوت واضح، لا يحتمل التأويل: سيناء خط أحمر، والكرامة العربية ليست سلعة للمساومة.
ومنذ أن نطق الرئيس عبدالفتاح السيسي بهذه الكلمات، تغيّر شكل المفاوضات، وتبدّل ميزان القوى.
أُسقطت أوراق كثيرة من يد إسرائيل ومن خلفها أمريكا، لأن مصر حين تتحدث لا تفعل ذلك باسم السياسة وحدها، بل باسم التاريخ، باسم الحضارة التي لا تعرف الانحناء، وباسم الإنسان العربي الذي يدرك أن الأرض لا تُباع.
إسرائيل اليوم تحاول أن تعيد كتابة خريطة الشرق الأوسط بالبارود، لكن الزمن تغيّر.
لم تعد الحروب تُحسم بالدبابات وحدها، بل بالعقول، بالصمود، وبالوعي.
ومصر - التي خرجت من كل معركة أكثر صلابة - تدرك أن ما يُرسم في الغرف المغلقة لا يُكتب له البقاء ما دامت إرادة الشعوب حاضرة.
الاحتلال يمكن أن يزرع الخوف، لكنه لا يستطيع أن يزرع الولاء.
يستطيع أن يهدم البيوت، لكنه لا يستطيع أن يهدم فكرة الحرية في صدور الناس.
ويستطيع أن يمنع الشاحنات، لكنه لا يستطيع أن يمنع الكرامة من المرور.
أما إسرائيل، فلتتذكر أن كل كيانٍ بُني على الدماء زال، وأن كل دولةٍ قامت على الظلم سقطت، وأن كل من رفع سيفه على الحق كُسرت ذراعه يومًا ما.
التاريخ لا يرحم، وإن تأخر حكمه، فهو لا يُخطئ موعده.
سيكتب يومًا أن كيانًا اسمه إسرائيل ظن أنه سيعيش إلى الأبد، لكنه سقط في لحظة، تحت ثقل جرائمه وخيانته وعماه الأخلاقي.
غزة اليوم ليست جرحًا فلسطينيًا فحسب، بل جرحٌ في قلب الإنسانية كلها.
وحين يلتئم هذا الجرح، ستظل الندبة تذكيرًا لكل من باع ضميره وسكت.
أما مصر، فستبقى الشاهد الصادق على الحق، والدرع التي تحمي ما تبقى من ضوء في هذا العالم المظلم.
إسرائيل لا تعرف أن المكر مهما طال، نهايته سقطة.
وحين تسقط، ستكتشف أن الذين خُدعوا بها يومًا، هم أول من يلعنها.
ولعلها يومها تدرك - بعد فوات الأوان - أن الدم لا يصنع دولة، وأن الخيانة لا تُشيّد سلامًا.
حسبنا الله ونعم الوكيل.
وغزة ستبقى، لأن الحق لا يموت، وإن مات من يدافع عنه.

الأكثر قراءة
-
القنوات الناقلة لمباراة الزمالك وديكيداها بالكونفدرالية الأفريقية
-
أسعار الذهب تواصل التحليق، عيار 21 يقترب من 6000 جنيه
-
شقيق السائق في حادث ترعة منقباد: أخي لم يكن سائقًا.. وابنتاه بين الضحايا
-
احذروا الفوضى.. لا يمكن أن يكون طفلاً!
-
التعريفة الجديدة للمواصلات في أسيوط بعد تحريك أسعار الوقود
-
كيف تفوق "ديكستر الإسماعيلية" على بطل المسلسل في حادث إنهاء حياة صديقه؟
-
سعر الجنيه الذهب اليوم الجمعة 17 أكتوبر، استثمار ناجح وسهل
-
استعراض بين المقاهي، أب وابنته يؤديان حركات بهلوانية في الشارع (فيديو)
أكثر الكلمات انتشاراً