
الاستراتيجية الوطنية لتطوير الإعلام المصري
يجب أن تمثل الاستراتيجية الوطنية لتطوير الإعلام خارطة طريق متكاملة وعملية لتطوير الإعلام المصري، خاصة أنها تأتي استجابةً للتوجيهات الرئاسية بضرورة وضع خطة شاملة تمكّن الإعلام الوطني من مواكبة التطورات العالمية المتسارعة، وتفعيلاً لقرار رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، بتشكيل لجنة رئيسية تختص بإعداد هذه الخارطة، وتحديد المستهدفات، وتشخيص التحديات، وتحديد الجهات المنوط بها التنفيذ الفعّال.
إن الهدف الأسمى لهذه الاستراتيجية هو تحقيق رؤية طموحة وواقعية نحو "إعلام مصري مهني، ومتنوع، ومستدام، وتنافسي، ومبتكر، يعزز منظومة الوعي الوطني، ويسهم في تحقيق أهداف الجمهورية الجديدة، ويمتلك القدرة على المنافسة إقليمياً ودوليًا".
يكشف أي تحليل موضوعي للواقع الإعلامي المصري عن فجوة بنيوية واضحة بين إدراك الدولة لحجم التحديات التي تواجه منظومة الإعلام الوطني، وبين قدرته الفعلية على مواكبة التحولات المتسارعة في بيئة الإعلام الحديثة.
فعلى المستوى الداخلي، يواجه الإعلام الوطني تحديات تمويلية وهيكلية عدة تتعلق بضعف إتاحة المعلومات التي تمثل شريان حياة رئيسي لعمله، وتراجع قدرته على التأثير الفعّال في الرأي العام، إلى جانب تآكل منظومة الثقة المتبادلة مع الجمهور، وهذا ينعكس بصورة مباشرة على قدراته الابتكارية وكفاءته في تعزيز الحقائق الوطنية ومواجهة الشائعات والمعلومات المضللة، وبالتالي إضعاف دوره في بناء الوعي الجمعي وتعزيز المناعة المجتمعية.
أما على المستوى الخارجي، فقد تراجعت قدرة الإعلام الوطني على المنافسة والتأثير في ظل التوسع الكبير للإعلام الإقليمي والدولي ذي الإمكانات والنفوذ العابر للحدود، وهيمنة المنصات الرقمية العالمية على أنماط التلقي وتشكيل الاهتمام العام، فضلًا عن بروز منصات الذكاء الاصطناعي التوليدية كلاعب مؤثر جديد يعيد رسم خريطة الوعي العام ويسعي للسيطرة على قنوات تدفق المعلومات وفق لخوارزميات ومصالح لا تنطلق بالضرورة من أولويات وطنية.
من هذا الفهم يجب أن تنطلق هذه الاستراتيجية، لتكون واقعية في الأهداف، سياسية في الحساسية، وإعلامية في الآليات، مرتكزة على مبدأ تحقيق مصالح الدولة العليا، والمجتمع المصري، والإعلام في آن واحد.
أولًا: مصلحة الدولة
تستفيد الدولة من هذه الاستراتيجية بترسيخ منظومة إعلام وطني مهني وفعّال ومستدام، قادر على الوصول وبناء الثقة العامة وتعزيز الوعي بالقضايا الوطنية. فوجود إعلام موثوق ومنظم ومؤثر يُسهم في دعم جهود التنمية عبر توضيح أهدافها وأثرها، كما يوفّر لصانع القرار قراءة دقيقة لاتجاهات الرأي العام، ويساعد على التصدي لحملات التضليل والشائعات، بما يعزز الأمن القومي والاستقرار المجتمعي.
ثانيًا: مصلحة المجتمع
يستفيد المجتمع من إعلام مهني ومبدع يمكّنه من الوصول إلى المعلومة الموثوقة، وفهم السياسات العامة على نحو موضوعي وأمين، فالإعلام الواعي يرفع منسوب الثقة والمشاركة، ويمنح المواطن القدرة على المتابعة والمساءلة بوعي ومسؤولية، كما يُسهم في توسيع الإدراك العام بالتحديات والفرص، ويعزز قيم الانتماء والعمل المشترك من أجل الصالح العام.
ثالثًا: مصلحة الإعلام
توفر هذه الاستراتيجية للإعلام بيئة مهنية مستقرة وقائمة على حرية مسؤولة، واستقلال مؤسسي، واستدامة مالية تمكّن المؤسسات من تطوير أدواتها وتعزيز مصداقيتها، وتكرّس الدور التنموي-الرقابي للصحافة في إطار وطني منظم، كما تمنح الإعلام القدرة على المنافسة والتأثير في المشهد المحلي والإقليمي، ليكون شريكًا موثوقًا في التنمية، وصوتًا مهنيًا معبّرًا عن واقع المجتمع وتطلعاته.
محاور مقترحة للاستراتيجية:
-الحوكمة والتشريع: تبني سياسات رشيدة وبناء إطار تنظيمي حديث ومستقل.
-الاستدامة والابتكار الاقتصادي: تأسيس نماذج عمل منوعة، ومرنة، ومربحة، وتنافسية.
-المحتوى والمهنية: الارتقاء بالجودة والمصداقية للوصول والتأثير في الجمهور المصري.
-الابتكار والتحول الرقمي: تسريع الابتكار وتبني وتطويع التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي.
-بناء القدرات والتأهيل: الاستثمار في رأس المال البشري وتبني منظومة رصد وتحليل وتواصل أعلامي مؤسسي.
وتقتضي المصلحة العامة أن نقر أن وجود رؤية واضحة ومحاور محددة لا يكفي وحده لضمان النجاح، فمنهجية العمل وآليات التنفيذ لا تقل أهمية عن الأهداف نفسها.
لذا، يجب أن تستند الاستراتيجية إلى منهج عمل منضبط وقابل للقياس، يضمن تحويل الأفكار إلى واقع عملي ملموس. فالغاية ليست إعداد دراسة نظرية بل صياغة خطة تنفيذية قابلة للتطبيق، ترتكز على توصيات واقعية ومباشرة، محددة المسؤوليات والموارد والأطر الزمنية.
وفي هذا الإطار، تبرز أهمية التمييز بين مسارين متوازيين في المشهد الإعلامي: الأول يختص بتطوير إعلام الخدمة العامة الذي لا يستهدف الربح، ويُقاس نجاحه بمعايير الأثر الثقافي ودوره في تعزيز الهوية والوعي العام، والثاني يتعلق بتنظيم سوق الإعلام الخاص القائم على مبادئ الاستدامة والربحية وجذب الاستثمار، مع التزامه بالأهداف العليا لمنظومة الوعي الوطني.
ويستند هذا الفصل إلى فصل أخر ولكن من نوع مختلف، فصل مؤسسي أعمق بين الأدوار: فدور الدولة يتمثل في التنظيم والرقابة ووضع السياسات العامة، ودور المؤسسات العامة هو إدارة وتشغيل الوسائل المملوكة للدولة بكفاءة، أما القطاع الخاص فيتحمل مسؤولية المنافسة المهنية ضمن إطار وطني منضبط.
إن الطريق الذي تبدأ به هذه الاستراتيجية لا يُعد مهمة إدارية فحسب، بل مسؤولية وطنية شاملة تجاه مستقبل الإعلام المصري. فالمطلوب ليس فقط معالجة التحديات القائمة، بل تأسيس بنية إعلامية مرنة قادرة على التكيّف مع التحولات المستقبلية، وتحقيق التوازن بين المصداقية والابتكار، وبين المهنية والمصلحة الوطنية. ويُقاس النجاح الحقيقي لهذه الجهود بقدرتها على تمكين الإعلام الوطني من أن يكون قوة ناعمة فاعلة، وشريكًا في التنمية، وجسرًا دائمًا بين الدولة والمجتمع.

الأكثر قراءة
-
محافظ المنوفية يعلن تعريفة الركوب الجديدة بعد زيادة أسعار الوقود
-
القنوات الناقلة لمباراة الزمالك وديكيداها بالكونفدرالية الأفريقية
-
انتظام العمل بالمحطات والمخابز بعد تحريك أسعار الوقود بالأقصر
-
تعريفة الركوب الجديدة في كفر الشيخ 2025 بعد تحريك سعر الوقود، غرامة 2000 جنيه للمخالفين
-
أسعار الذهب تواصل التحليق، عيار 21 يقترب من 6000 جنيه
-
التعريفة الجديدة للمواصلات في أسيوط بعد تحريك أسعار الوقود
-
سعر الجنيه الذهب اليوم الجمعة 17 أكتوبر، استثمار ناجح وسهل
-
كيف تفوق "ديكستر الإسماعيلية" على بطل المسلسل في حادث إنهاء حياة صديقه؟
أكثر الكلمات انتشاراً