الجمعة، 07 نوفمبر 2025

05:36 ص

مروان أبوزيد

مروان أبوزيد يكتب: اللي ربى خير من اللي اشترى

اللي ربى خير من اللي اشترى... تلك الحكمة الشعبية العميقة التي تختزل فلسفة التعامل الإنساني 

والمهني القائم على الرعاية والاحتواء والامتداد الطويل، وليست مجرد علاقة عابرة تُبنى على المصلحة اللحظية أو التبادل المادي. 

وقد تجسدت هذه الفلسفة في موقف عابر، لكنه كان غنياً بالدلالات، وقع في كواليس غرفة إعداد أحد أهم البرامج التلفزيونية في مصر، تحت سقف الإعلامي الكبير شريف عامر.

في زحام العمل اليومي وضغط الاستوديوهات، كنت أنا والزملاء في غرفة الإعداد منشغلين بالحديث عن أمر ما قد تسبب في خلاف طفيف أو ربما توقع لرد فعل غير مريح من الأستاذ شريف عامر نفسه. 

تلك هي طبيعة العمل الإعلامي، الذي لا يخلو من التوتر والاجتهاد المُتراكم الذي قد يولد أحياناً بعض الاحتكاك. 

كنت أشارك الزملاء الحديث، محاولاً أن أبعث في نفوسهم الطمأنينة والثقة في الإعلامي الكبير الذي نعمل معه.

وفي خضم محاولاتي لتهدئة الأجواء وطمأنة الزملاء بقدوم "مُصالحة" سريعة من جانبه، خرجت الجملة الشهيرة على لساني كاشفة عن يقين راسخ: "اللي ربى خير من اللي اشترى". 

هذه الجملة، في سياقها، لم تكن مجرد قول مأثور؛ بل كانت تلخيصاً لعلاقة ممتدة بنيت على أساس صلب، علاقة تجاوزت حدود "المذيع ومُعد البرنامج" إلى ما يشبه رابط "الاحتواء والرعاية".

وما هي إلا لحظات، وخلال انشغالنا بالنقاش، حتى فُتح باب غرفة الإعداد بهدوء، ودخل الأستاذ شريف عامر. 

كان دخوله مفاجئاً، والأكثر مفاجأة كان سؤاله المباشر الذي التقط الجملة وكأنها قذفت للتو من فمي، ووقف ينظر لي قائلًا: (هو إيه اللي ربى خير من اللي اشترى)؟ و بدا على ملامحه مزيج من الفضول ولكن نظرته كانت مليئة بالاحتواء.

لم يكن أمامي سوى أن أشرح له الموقف كاملاً وبكل شفافية. أوضحت له أننا كنا ندرك حالة الضيق التي انتابته، وأننا كنا نتناقش حول كيفية تدارك الأمر. والأهم، أنني كنت أؤكد لزملائي على يقيني التام بأن الأستاذ شريف سيتجاوز هذا الضيق وسيبادر إلى احتواء الجميع وإرضائهم، لأن هذا هو طبعه الذي عرفناه.

هنا يكمن لب المعنى. إن العبارة كانت تقصد أن العلاقة معه ليست علاقة "عمل فقط" أو مجرد عقد وظيفي. 

إنها علاقة "تربية" مهنية وإنسانية. "اللي ربى" هو الإعلامي الذي يستثمر في فريقه. هو من "ربى" جيلاً من المعدين والصحفيين على أخلاقيات المهنة، ولم يكتفِ فقط، وقد أضفتُ في شرحي التأكيد على معرفتي الطويلة به، وإنسانيته التي لا تسمح له بترك أحد من فريقه الخاص يشعر بالحزن أو الغبن.

استمع الأستاذ شريف باهتمام، وابتسامة راضية بدأت ترتسم على وجهه. 

لم يكن التعليق مني أو من الزملاء مجرد إطراء، بل كان شهادة حية على الأثر الإيجابي لطريقته.

 لقد أدرك أن الجملة لم تكن اعتراضاً، بل كانت تعبيراً عن ثقة مطلقة في جوهره الإنساني قبل المهني. 

وفي النهاية، هذا المشهد الصغير يذكرن بأنا العمل الناجح ليس فقط في الشاشات اللامعة والمحتوى الجذاب، بل في جودة العلاقة الإنسانية التي تربط الفريق ببعضه البعض، وتربط القائد بأفراده.

 يبقى "الذي ربى" هو الأصل، وهو من يترك أثراً لا يمحى، ويضمن ولاءً يتجاوز الراتب والمنصب. ولهذا، يظل اليقين قائمًا: اللي ربى خير من اللي اشترى.

search