الخميس، 20 نوفمبر 2025

01:23 ص

عُمان في عيون المصريين بين الحاضر والماضي

في يومها الوطني المجيد لا يزال العمانيون في عيون المصريين مَضْرب المثل في طيب المعشر وحسن الخلق، ولا يختلف مصريان زارا عُمان أو التقيا بأهلها أو علما بأحوالها أن أهل عُمان من أفاضل الشعوب. 
عندما يرى المصريون عُمانيا في شوارع القاهرة المزدحمة بملابسه التقليدية، الدشداشة والكمة أو المصر، التي تميزه عن بقية العرب، تتفتح له العيون والقلوب سعيدة محبة ومقدرة، وتسعى نحوه الأقدام مرحبة، والأيدي مصافحة دون سابق تعارف، كما حدث مع أحد الصحفيين بالقرب من ميدان التحرير، عندما سعى إلى صاحب الدشداشة والكمة دون سابق معرفة وعرض عليه خدماته وفاء لجوانب المحبة والعرفان التي يدين بها كثير من المصريين لأشقائهم العمانيين.

وعن عمان تحدث المصريون بكل فخر وحب، يقول الدكتور إبراهيم بركات “فعمان بلد تجوب أرجاءه وربوعه، فلا يأخذنك رهبٌ لأمنه وأمانه.... بلدٌ توجد بين سكانه وأهله، فلا تشعرنَّ إلا أنك قد نشأت وترعرعت فيه”.

وعن حكاياته في عمان، يقول الدكتور أحمد درويش العميد السابق لكلية الآداب بجامعة السطان قابوس "عندما يقع المرء في هوى بلد مثل عمان، فإن العلاقة به لا تقف عند تحليل معطيات العقل وإنما تتسرب إلى الوجدان، وهذا ما حدث لي فقد أحببت التجربة العمانية، وأعجبت مثل ملايين الناس بقيادة السلطان قابوس الحكيمة لبلده، ونجاحه الرائع في التركيز على بناء الإنسان، بدلا من الاكتفاء بتشييد البنيان ومظاهر الحضارة والعمران....".

إن المصري المعايش للمجتمع العماني يلحظ فيه من السمات ما لا يجده في مجتمع آخر، فالبساطة مع العمق، ووضوح الرؤية مع عدم الإفصاح، توجد طيبة القلب والترحاب مع قلة التعبير عن المشاعر والأفكار، قلة الكلام مع امتلاك الفصاحة والبيان.

أحب المصريون عمان وأهلها لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "لو أهل عمان أتيت ما سبوك وما ضربوك"، وخاطبهم أبو بكر الصديق بعبارات سطرت من نور شاهدة على حسن أخلاق العمانيين وكرم وفادتهم وحسن إسلامهم وثباتهم على الحق، قائلاً:  “معاشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعاً لم يطأ رسول الله ساحتكم ‏بخف ولا حافر ولم تعصوه كما عصيه غيركم من العرب، ولم ترموا بفرقة ولا تشتت ‏شمل، فجمع الله على الخير شملكم ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح ‏فأجبتموه إذ دعاكم على بعد داركم وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم وعدتكم فأي ‏فضل أبر من فضلكم وأي فعل أشرف من فعلكم كفاكم قوله عليه السلام شرفاً إلى يوم ‏الميعاد ثم أقام فيكم عمرو ما أقام مكرما ورحل عنكم إذ رحل مسلما وقد من الله عليكم ‏بإسلام عبد وجيفر أبني الجلندي وأعزكم الله به وأعزه بكم ولست أخاف عليكم أن تغلبوا ‏على بلادكم ولا أن ترجعوا عن دينكم، جزاكم الله خيراً”.‏

أحب أهل مصر عُمان وأهلنا وأنزلوهم منازلهم، لأن عمان كانت ولا زالت صاحبة حضارة وتاريخ عريق وثقافات متعددة علما وفقها ولغة….. فتاريخ عمان ثري وثقافتها غنية بالعلماء الأجلاء، أمثال عالم اللغة الفراهيدي، والفقيه الإمام نور الدين السالمي، وابن رزيق المؤرخ والشاعر، والرحالة أسد البحار احمد بن ماجد…… وغيرهم. هؤلاء العلماء كانوا أصحاب علم وفكر وثقافة، أثروا بها تاريخ الامة العربية والإسلامية، بل وساهموا في العلوم والثقافة الإنسانية بشكل عام، مثل تأثير البحار العماني احمد بن ماجد في علم الملاحة، واكتشافه لطرق ومسارات مختلفة للسفن، والعلامة عبد الله بن محمد الأزدي الصحاري صاحب كتاب "الماء" أول معجم طبي لغوي في التاريخ، والطبيب والفيزيائي أبو عبدالله محمد بن عبدالله الأزدي.
التواصل بين مصر وعمان قديما عبر مينا سمرهم، حيث كانت تجارة اللبان تنتقل إلى مصر الفرعونية، واهتم الفراعنة باللبان العماني من أجل التحنيط، والطقوس المقدسة التي يجريها كهنة المعابد المصرية، ووجدت نقوش شبيهة بالسفن العمانية على جدران المعابد الفرعونية، وفي العام 1495 ق. م سيرت الملكة حتشبسوت حملة إلى بلاد بونت عادت محملة بالأخشاب واللبان والعطور والبخور والكحل وجلود الحيوانات... وفقا للنقوش المدونة على معبد حتشبسوت.
عطاء عُمان لم يتوقف ومعينها لا ينضب؛ فعرق الأصالة ممتد، ونبض الحضارة ينبض، فمن صلب العالِم يخرج عُلماء؛ ومن رحم الحضارة، تولد حضارات، امتدت جذورها في التاريخ، وتفرعت أغصانها ممتدة بين الشرق والغرب، فمن سواحل الهند وإقليم جوادر إلى شرق ووسط إفريقيا امتدت الإمبراطورية العمانية في عز مجدها، حيث ساهم رجالات عمان المخلصين وتجارها وبحارتها في نشر الإسلام في شرق ووسط إفريقيا، والهند وشرق القارة الأسوية بكاملها.
وفي مثل هذه الأيام تبارك مصر وأهلها لعمان وأهلها اليوم الوطني العماني، تحت القيادة الحكيمة لجلالة السطان هيثم بن طارق، حيث تحتفل سلطنة عمان بيوم أسس فيه الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي لحكم الاسرة البوسعيدية ووحد عُمان تحت رايته في 20 نوفمبر من العام 1744م.
إن اللقاءات المصرية العمانية على مستوى القيادة العليا تعكس مدى نبل وخصوصية العلاقة بين سلطنة عمان ومصر، أما عن التعاون السياسي والاقتصادي بين قيادة الدولتين متمثلة في جلالة السلطان هيثم بن طارق وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وما تبع الزيارات المتبادلة من شراكات اقتصادية وسياسية تزدد كل يوم لصالح البلدين.
وتستمر العلاقة المصرية العمانية ضاربة في جذور التاريخ ومورقة بثمارها الوافرة في مختلف مجالات التعاون والترابط الدائم والمستمر على المستوى الرسمي والشعبي، لتصبح نموذجا فريداً للعلاقات بين شعبين شقيقين، ونردد دائما في محبة عُمان كلمات من نور فعمان هي:-
قبـــــــــــلة الحب ِّ قديما****** أصــــــــــلها كان كريماً
نافست حورا ً وريما ً ******* وغدت تاج ُ الحسان ِ
 

رابط مختصر

تابعونا على

search