الأسواق تتأهب لحكم تاريخي حول الرسوم الجمركية الأمريكية

تترقب الأسواق المالية العالمية واحدة من أكثر المحطات حساسية منذ بداية العام، مع احتمالية صدور حكم المحكمة العليا الأمريكية، خلال ديسمبر، بشأن مدى قانونية الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أبريل الماضي، التي أثارت في حينها حالة من الاضطراب العنيف في الأسواق، قبل أن تستقر بعد ذلك تدريجيًا مع تراجع حدة القرارات النهائية مقارنة بالتهديدات الأولية.

رغم حالة القلق التي سادت في الأيام الأولى لإعلان هذه الرسوم، استطاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تعويض خسائره سريعًا والانطلاق في موجة صعود قياسية، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 39% منذ قيعان أبريل حتى الإغلاق القياسي الأخير يوم الخميس، حسب “بلومبيرج”. 

ويعزو خبراء السوق هذا الارتفاع إلى عاملين رئيسيين: الأول، أن الرسوم النهائية جاءت أخف من أقصى التهديدات التي لوح بها ترامب؛ والثاني، استمرار الزخم القوي في الاستثمارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، بالتزامن مع توسع اقتصادي أمريكي قوي يولد أرباحًا قياسية للشركات.

ومع ذلك، فإن الحكم المنتظر من المحكمة العليا يمكن أن يشكل نقطة تحول كبرى، وقد يضع هذه المكاسب تحت اختبار جديد، خصوصًا إذا أقر القضاء بأن ترامب قد تجاوز سلطاته الدستورية بفرض رسوم شاملة على دول العالم عبر مرسوم واحد.

سيناريوهات ما بعد الحكم

حتى في حال إبطال الرسوم، يبقى هناك قدر من عدم اليقين بشأن ما قد تفعله الإدارة الأمريكية الحالية أو المقبلة، فهناك العديد من القوانين البديلة التي يمكن استخدامها لإعادة فرض رسوم جديدة بشكل سريع، ما قد يترك الشركات والمستثمرين في حالة ترقب مستمر.

وفي الوقت ذاته، قد يدفع هذا السيناريو تجار السندات لرفع العوائد تحسبًا لزيادة العجز المالي، ما قد يمتد تأثيره إلى سوق الأسهم، أما إذا صادقت المحكمة العليا على قانونية الرسوم، فإن ذلك قد يفتح الباب أمام جولات جديدة من السياسات الحمائية، وهو ما من شأنه أن يضغط على أسواق المال العالمية.

ورغم أهمية الحكم، فإن صدوره هذا العام بات مستبعدًا إلى حد كبير، إذ عقدت المحكمة آخر جلساتها العلنية المقررة لعام 2025 يوم الأربعاء، ولن تجتمع مجدداً قبل التاسع من يناير. 

وبحسب الممارسة المعتادة، فإن إصدار الأحكام يتم بعد الإعلان عنها مسبقاً، مع تلاوتها من منصة المحكمة، ما يحد من فرص صدور القرار في الأيام القليلة المتبقية من العام.

انعكاسات محتملة على الأسواق

يرى معظم المشاركين في السوق أن إلغاء الرسوم سيكون له تأثير إيجابي على أسهم الشركات الأمريكية، على الأقل في رد الفعل الأولي، فهذه الرسوم تعد، في نظر الشركات، ضريبة مباشرة لم يتمكن كثير منها من تحميلها للمستهلكين بشكل كامل، ما أثر سلبًا على هامش الأرباح.

وإلى جانب ذلك، فإن استرداد الرسوم المدفوعة سابقًا سيمنح الشركات دفعة مالية قوية، بالإضافة إلى احتمالات تحسن القدرة الشرائية للمستهلك، خصوصاً بعد أن قدر الديمقراطيون في الكونجرس أن الرسوم كلفت الأسرة الأميركية المتوسطة نحو 1,200 دولار خلال الأشهر العشرة الماضية.

وبحسب تقديرات أوهسونج كيون، كبير استراتيجيي الأسهم في "ويلز فارجو"، فإن إلغاء الرسوم من شأنه رفع أرباح شركات S&P 500 قبل الفوائد والضرائب بنحو 2.4% عام 2026 مقارنة بالعام الحالي. ويقول جيمس سانت أوبين، كبير مسؤولي الاستثمار لدى “أوشن بارك”، إن الأسواق تتعامل مع الرسوم باعتبارها ضريبة، وإلغاؤها سيكون بمثابة شرارة لارتفاعات جديدة.

الرابحون والخاسرون

يعد قطاع المستهلك من أبرز القطاعات التي قد تستفيد بقوة من إلغاء الرسوم الجمركية، لا سيما الشركات المعتمدة على الواردات القادمة من دول آسيا، وعلى رأسها الصين، فقد كانت هذه الشركات من الأكثر تضررًا خلال فترة فرض الرسوم بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض هوامش الأرباح، ما يجعلها الآن من المرشحين الأبرز لتحقيق مكاسب واضحة في حال صدور قرار بإسقاط تلك الرسوم. و

ويمتد الأثر الإيجابي المتوقع ليشمل أيضًا قطاع الأثاث المنزلي، الذي شهد خلال الفترة الماضية تقلبات كبيرة نتيجة ارتفاع تكلفة الواردات. وفي جانب آخر من قطاع السلع الاستهلاكية، أشار المحلل إريك وولد من “تكساس كابيتال” إلى إمكانية استفادة شركات الترفيه والمنتجات المتعلقة بالهوايات، مع انخفاض تكاليف الاستيراد وزيادة الطلب المتوقع من المستهلكين.

ويتوقع أن يكون القطاع الصناعي من بين أكبر المستفيدين من إلغاء الرسوم الجمركية، خصوصًا أن الشركات العاملة فيه كانت من الأكثر تعرضًا لتداعيات ارتفاع أسعار المواد المستوردة. ووفقًا لتقديرات “ويلز فارجو”، فإن إلغاء الرسوم سيتيح لهذه الشركات استرداد مبالغ كبيرة دُفعت خلال الفترة الماضية، ما يمنحها مساحة أكبر للتوسع الاستثماري وتجديد البنية الإنتاجية. 

كما شهدت أسهم شركات صناعة السيارات، مثل فورد وجنرال موتورز، ارتفاعات ملحوظة خلال جلسة الاستماع الأخيرة للمحكمة العليا، بعدما أظهر القضاة ميلاً للتشكيك في موقف الحكومة بشأن الرسوم. ورغم أن القضية لا تشمل الرسوم المفروضة على قطاع السيارات مباشرة، فإن أي تخفيف للضغوط المالية على المستهلكين سينعكس بشكل إيجابي على مبيعات السيارات، ما يمثل عاملًا مهمًا لهذه الشركات. 

ويتوقع أيضًا أن تستفيد شركات النقل واللوجستيات بصورة واضحة، إذ تشير تقديرات مؤسسة “هيدجي” إلى أن إلغاء الرسوم قد يدفع المستوردين إلى زيادة طلباتهم قبل أي موجة محتملة من الرسوم الجديدة، ما قد يمنح دفعة قوية لشركات مثل UPS وFedEx وشركات النقل البري العاملة في مجال شحن البضائع.

لم يكن القطاع المالي بمنأى عن تقلبات الأسواق الناتجة عن التوترات التجارية، إذ شهدت أسهم البنوك الكبرى مثل جي بي مورجان وجولدمان ساكس موجات من التذبذب خلال العام، وسط مخاوف من أن تؤدي حالة عدم اليقين إلى تباطؤ اقتصادي ينعكس على حجم الإقراض والأنشطة الاستثمارية. ك

ويشير المحلل أوين لاو من “كلير ستريت” إلى أن إلغاء الرسوم قد يسهم في خفض توقعات التضخم، مما يمنح مجلس الاحتياطي الفيدرالي مرونة أكبر للمضي في خفض أسعار الفائدة. ويشكل هذا السيناريو بيئة مثالية للقطاع المالي، إذ يعني زيادة في نمو القروض، وارتفاعًا في عمليات إعادة التمويل، إلى جانب تحسن ملحوظ في أداء الأسواق المالية. 

كما يؤدي تراجع التضخم إلى دعم أكبر للقدرة الشرائية للمستهلك، ما ينعكس بدوره على حجم الإنفاق وعلى النشاط الاقتصادي بشكل عام، ليصبح القطاع المالي أحد أبرز المستفيدين من أي تخفيف في الأوضاع التجارية الراهنة.

أقرأ أيضا:

البيت الأبيض يحرك الأسواق، كيف تشكل رسوم ترامب اتجاه الأسعار؟