الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

07:53 م

طبول الحرب تُعيد أوروبا إلى الخندق، تحذيرات من مواجهة مباشرة مع روسيا

عناصر من الجيش الروسي

عناصر من الجيش الروسي

تشهد القارة الأوروبية خلال الأشهر الأخيرة، تصاعدًا غير مسبوق في الخطاب الرسمي الذي يدعو المواطنين إلى الاستعداد لاحتمال اندلاع حرب مع روسيا، في تحول لافت يعكس عمق القلق الأمني المتنامي، رغم استمرار الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا.

تحذيرات متكررة وخطاب غير معتاد

ولا يمر أسبوع من دون أن تصدر حكومة أوروبية، أو مسؤول عسكري، أو أمني رفيع المستوى، تصريحات تحذر من سيناريو مواجهة عسكرية محتملة مع موسكو، في خطاب يوصف بأنه غير مألوف لقارة بنت هويتها السياسية الحديثة على الاستقرار والازدهار الاقتصادي المشترك، بحسب ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال".

ووصفت الصحيفة الأمريكية، في تقرير نشرته الإثنين، تواتر هذه التحذيرات بأنه يمثل تحولاً نفسيًا عميقًا داخل أوروبا، التي أعادت بناء نفسها بعد حربين عالميتين على أساس نبذ الصراعات العسكرية الواسعة.

تشبيهات تاريخية 

وشبّه المستشار الألماني فريدريش ميرتس، استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا بسياسة أدولف هتلر عام 1938، حين استولى على إقليم السوديت ذي الأغلبية الألمانية في تشيكوسلوفاكيا، قبل أن يواصل تمدده العسكري في أنحاء القارة.

أدولف هتلر

وجاء هذا التشبيه بعد أيام من خطاب للأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مارك روته، حذر فيه من أن "الحرب على أبوابنا"، داعيًا الأوروبيين إلى الاستعداد لصراع شبيه بما واجهته أجيال سابقة، مشيرًا إلى أن روسيا قد تكون مستعدة لاستخدام القوة العسكرية ضد الحلف خلال خمس سنوات.

مخاوف أوروبية

وفي السياق نفسه، حذر رئيس أركان الجيش الفرنسي، مؤخرًا، من أن فرنسا باتت معرضة للخطر، مؤكدًا ضرورة استعداد المجتمع لتقبل خسائر بشرية في حال اندلاع نزاع مسلح.

وتفاقم هذا الشعور بعدم الأمان مع سعي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، وسط مخاوف أوروبية من أن تضطر كييف إلى قبول اتفاق سلام غير متكافئ، قد يتركها عرضة لهجوم روسي جديد في المستقبل.

كما تتزايد الهواجس، من أن الإدارة الأمريكية ذات النزعة "الانعزالية" قد لا تستجيب سريعًا لأي طلب أوروبي للمساندة في حال تعرض القارة لهجوم.

تحولات في الاستراتيجية الأمريكية

وأظهرت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية، التي نُشرت هذا الشهر، توجهًا جديدًا، حيث أكدت أن الولايات المتحدة ستعمل على منع توسع الحرب في أوروبا وإعادة إرساء الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا، من دون تصنيف موسكو كعدو، وذلك للمرة الأولى منذ سنوات.

في المقابل، حمل التقييم السنوي للتهديدات في بريطانيا نبرة أكثر تشددًا، إذ حذرت رئيسة جهاز الاستخبارات الخارجية (إم آي 6)، بلايز متريولي، من أن روسيا ستواصل محاولاتها لزعزعة استقرار أوروبا.

ويمثل هذا الخطاب، تحولًا جذريًا في مسار الاتحاد الأوروبي، الذي أُسس بدعم أمريكي لمنع تكرار الحروب الشاملة التي دمرت القارة في القرن العشرين، ما أدى حينها إلى تقليص الإنفاق العسكري لصالح الإنفاق الاجتماعي.

غير أن سياسيين أوروبيين حذروا من أن إعادة ترسيخ الذهنية العسكرية لدى الرأي العام ستكون مهمة شاقة، إذ أظهر استطلاع للرأي العام أُجري العام الماضي أن ثلث الأوروبيين فقط مستعدون للقتال دفاعًا عن بلدانهم، مقارنة ب41% في الولايات المتحدة.

دعوات للاستعداد من أجل الردع

وقال الأدميرال الهولندي المتقاعد روب باور، الذي أنهى ولايته مؤخرًا كأعلى مسؤول عسكري في الناتو، إن على أوروبا الاستعداد للحرب من أجل الحفاظ على السلام وردع الرئيس الروسي.

وأوضح باور، أن حدة هذه التحذيرات ازدادت في الأشهر الأخيرة، في ظل قلق متنامٍ من تقارير تشير إلى أن المجمع الصناعي العسكري الروسي ينتج أسلحة تتجاوز احتياجات حرب أوكرانيا، ما يثير مخاوف من قدرة موسكو على إعادة بناء قوتها العسكرية وشن هجوم على أوروبا بوتيرة أسرع من المتوقع.

وتؤكد قيادات أمنية أوروبية، أن روسيا بدأت بالفعل شن "حرب هجينة" ضد أوروبا، تستهدف إلحاق الضرر باقتصاداتها، وسط شبهات بوقوف موسكو خلف عمليات تخريب طالت بنى تحتية ومرافق عسكرية، إضافة إلى هجمات سيبرانية وحرائق متعمدة في مستودعات ومراكز تجارية، بحسب ما نقلته شبكة “سكاي نيوز”.

نفي روسي واتهامات ألمانية

في المقابل، نفى الكرملين، مرارًا تورط روسيا في أي أعمال تخريب أو اختراق للأجواء الأوروبية بواسطة طائرات مسيّرة، فيما قال الرئيس فلاديمير بوتين، الشهر الماضي، إن فكرة غزو روسيا لدولة أخرى كذبة.

لكن الأسبوع الماضي، اتهمت ألمانيا روسيا بالوقوف خلف هجوم سيبراني استهدف إدارة الحركة الجوية الألمانية عام 2024، وبمحاولة التأثير على الانتخابات الفيدرالية عبر نشر معلومات مضللة على الإنترنت.

ويعتقد مسؤولون ألمان، أن هذه الأنشطة تهدف إلى التمهيد لهجوم محتمل على خطوط الإمداد اللوجستية لحلف الناتو، في مسعى لتعطيل نشر القوات شرقًا في حال اندلاع نزاع يستهدف بولندا أو دول البلطيق.

استعدادات أوروبية 

ولمواجهة هذه السيناريوهات، بدأت الدول الأوروبية، باتخاذ إجراءات استباقية، إذ أعلنت فرنسا، نيتها إعادة العمل بالخدمة العسكرية التطوعية للشباب، فيما تجري ألمانيا تدريبات ومحاكاة لتسريع نقل القوات إلى الجبهة في حال وقوع هجوم روسي.

أما بريطانيا، فقررت تقليص تدريباتها العسكرية خارج أوروبا، مع التركيز بشكل أكبر على التهديد الروسي.

زيادة الإنفاق الدفاعي

وعلى المستوى المالي، اتفقت الدول الأعضاء في حلف الناتو، على رفع إنفاقها الدفاعي إلى 3.5% من الناتج الاقتصادي بحلول عام 2035، مقارنة ب2% حاليًا، إلى جانب تخصيص 1.5% إضافية لإجراءات أمنية مرافقة، تشمل تحصين البنية التحتية في مواجهة الهجمات الروسية الهجينة

اقرأ أيضًا:

روسيا تبدي مرونة بشأن إنهاء الحرب وتعلن بقاء مدينة استراتيجية في قبضتها

تابعونا على

search