الخميس، 18 ديسمبر 2025

12:29 م

منى الشيخ

عفوية عمر كمال.. الشهادة وأشياء أخرى لا تشترى!

لم أستطع تخطي لقاء عمر كمال في أحد البرامج، الشاب الإسماعيلاوي الذي لم يسعفه حظه في استكمال تعليمه، موت أبيه المبكر جعله يتحمل المسؤولية كرجل رغم صغر سنه.

استطاع عمر كشف أوجه كثيرة من المجتمع بشياكة، وببساطة وصدق وبراعة حوارية، من خلال تحويل الهجوم على نجاحه إلى نقطة تصالح مع نفسه وإشكالياته المجتمعية، بمنتهى الحجة والإقناع.

اتهمه البعض بأنه يقلد محمد فؤاد، رغم أن الصوت لا يمكن التلاعب به، وصوته فعلًا يشبهه، وحول غناءه لأغاني المهرجانات، وكان مضمونها النجاح والانتشار السريع، وبالفعل نجح وانتشر وزاد صيته، لكنه لم يقلل من أصله، ولم يتنصل من حقيقته، ولم يتجمل خلف شهرته وأمواله الضخمة التي حققها من موهبة لا مجال فيها للمجاملة أو الواسطة.

وصل إلى القاهرة بعشرة جنيهات، عمل في مطعم كانت إقامته فيه بمثابة بيته، وله وجبتان ساندويتش فول وطعمية، لم يعترض ولم يكن ناقمًا ولا حاقدًا، لم يسرق، ولم يتحرش، ولم يزور أو ينصب، لم يتسول، ولم يفعل شيئًا يدينه قانونيًا.

كل ما فعله أنه دخل مجال الفن المزعج… لا حياة دون الفن، ولا مجتمع راقٍ دون فنانين، ورغم أن مصر ولادة بعمالقة الفن في كل المجالات، إلا أن الفاتورة مكلفة ومؤلمة، ما زال التراث الشعبي المصري مليئًا بالفن، لكنه مليء أيضًا بالفكر المشوه والصورة الذهنية البغيضة عن هذا المجال، التي تحاكم الموهوبين على نجاحهم، ولا أعلم لماذا تتم المقارنة في التحقق والحقوق بينهم وبين مجالات أخرى.

عمر الذي لم يكمل تعليمه تحدث بهدوء الأساتذة وهو يقول أنا لست مهما ويمكن الاستغناء عني، لماذا يعاتبني ويهاجمني المجتمع بأني مشهور وتحققت ماديا، ولكن الأطباء والمهندسين لم يأخذوا حقوقهم مثلي، "أنا لم أقبض من الدولة ولا الحكومة بتدفعلي فلوس، أنا فلوسي من الناس، لي سعر والناس بتسمعني وتدفع".

هاجم من هاجموه بالأدب، معاتبا المجتمع كله، قائلا إنه عندما كان فقيرا لا يجد قوت يومه، كان راضيا، مكافحا في صمت، وطموحا، لا يهدأ حتى يصل إلى أحلامه المشروعة.

وقال إن كل المهن أفضل منه، وإن للطبيب والظابط والمهندس حقوقا يجب أن يحصلوا عليها، لكنه ليس المسؤول كما يتهمه المجتمع.

عمرُ غير المتعلم فتح مدارك المشاهد على أوجه التقصير الإعلامي الذي يركز على المشاهير، ولا ينتبه للعلماء والمتعلمين الذين أفنوا حياتهم في الدراسة والاجتهاد في مهن صعبة كان يجب أن تحقق لهم عائدا ماديا وأدبيا يحميهم من مقارنة غير مجدية.

عمر، بمنتهى العفوية، عرفنا إن الجاهل مش اللي ماخدش شهادة، الجاهل هو اللي مش عارف مفروض يعاتب مين فعلًا؟ اللي بدل ما يشوف حقوقه بعد تعبه ومذاكرته ونضاله عشان تتحقق اجتماعيًا وتُرضي غروره في الوجاهة الاجتماعية اللي فرضها المجتمع كصك لقبوله اجتماعيًا، نصب نفسه جلادا يشوط أي إنسان طموحه يتحقق في أي شيء بيحبه ويعرف يعمله.

عمر بيشتغل في الفن، اللي هو المجال اللي شال لوحده السمعة والسيرة السيئة والمحاسبة الاجتماعية والدينية.

دي المهنة اللي ممكن الاستغناء عنها (رغم إن دا مش حقيقي)، المهنة اللي كلها عزف ورقص وغناء وفجور.

دي مهنة غير المتحققين، الفشلة اللي مش لاقيين شغل، ولا المجتمع مقدرهم، ولا مفروض يحسوا إنهم ناس محترمين، لأنهم ما تعبوش زي الدكتور والمهندس، وهم مراكز زي القاضي وابن وكيل النيابة والظابط.

مهنة ممكن ترفعك لفوق من غير ما يكون لك فيها ضهر ولا واسطة… فإنت هتقارن نفسك بمين؟

لا جبت مجموع، ولا ابن ناس، ولا جاي بواسطة، ولا لك ضهر، ولا أنت أي شيء.

إيه يعني موهوب، وصوتك حلو، وجاي من القاع وبقيت شيء، هانفضل نتهمك إنك أخذت حق مش حقك، ونلعنك لأن المزيكا أصلا حرام، وفلوسك من جيبنا يا حرامي.

عمر قال إن فلوسهم مش من الحكومة ولا الدولة، دي فلوس الناس اللي اختارت تروح تسمعه وتشوفه وتطلبه في أفراحهم، ماخدش فلوس من حد مش من حقه.

كان ممكن عمر يفضل شغال في محل جزم، وهايفضل راضي برزقه، لكن موهبته أهلته يبقى نجم له سعر، والبرامج بتروح تسجل معاه.

لو عايز تعتب، اعتب على الإعلام اللي بيستسهل ويشوف الترند ويجري وراه، نماذج كتير في الحياة: أطباء وعلماء وشرفاء كتير في المجتمع لازم يتشافوا والإعلام يخليهم في الصدارة، دا مش ذنب شخص، دا ذنب إعلام موجه، مش عامل توازن حقيقي في رسالته الإعلامية.

كل أفراد المجتمع مهمين، حتى الزبال مهم ويستحق يظهر ونحترمه وياخد كل حقوقه من أول مرتب يكفيه لحد احترام كل الناس وتقديرهم.

عمر قالك: بتسألني حط شهادتك فين؟
حطها في الدرج أو علقها فوق دماغك وأنت قاعد، اعمل بيها اللي أنت عايزه، أنا ماليش ذنب إنّي نجحت وماخدتش من حد حاجة، ولا حقدت على حد.

وذكر أن كل المعروفين في العالم هم مشاهير الكرة أو المطربون أو، ودا مش ذنبهم إن الأضواء عليهم.

اللي يعتب عليه هو الإعلام والصحافة، وكمان يعتب على الجهات اللي خسفت بالقيم كلها الأرض.

أنا مش بشوف دكتور إلا وألاقيه محبط وحاسس بالعجز وعدم التقدير، وكذلك كل النابهين اللي تعبوا ودرسوا واتصرف عليهم فعلا، حرام للّي تعب وذاكر ونجح يحس إنه قليل في مجتمعه، وحرام للّي ماخدش شهادة ونجح في مجال تاني يحس باللوم وتسديد فاتورة مش بتاعته، فقط لأنه نجح في بلد فاشلة في الإدارة والإعلام.

حديث جميل يا عمر… أكد إنك بسيط لكن كبير.

search