الإثنين، 22 ديسمبر 2025

04:26 ص

غزة في حسابات نتنياهو

لم يعد استمرار الحرب بالنسبة لبنيامين نتنياهو خياراً سياسياً بقدر ما بات ضرورة شخصية، فإطفاء نارها قد يفتح عليه أبواب المحاكم، بينما إبقاؤها مشتعلة يمنحه ذريعة الهروب من المساءلة. في هذا السياق، تتعثر مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتأمين غطاء سياسي أو قانوني له، وسط تعقيدات داخلية إسرائيلية ومعارضة ترفض منحه أي عفو دون اعتراف صريح بجرائم الفساد المنسوبة إليه

عن جدارة، يمكن القول إن نتانياهو يتصدر قائمة أسوأ قادة العالم في العام الذي نودعه، وربما في العام المقبل أيضًا. فالرجل لم يعد مجرد رئيس حكومة مثير للجدل، وانما متهم بارتكاب جرائم حرب وفق توصيفات قانونية دولية، ومطلوب للعدالة داخل إسرائيل وخارجها. حربه على قطاع غزة اتخذت طابع سياسة تدمير شاملة استهدفت الإنسان والمكان معاً.، وقضت على مقومات الحياة، من مساكن ومستشفيات وبنية تحتية وأراضٍ زراعية

وعلى الرغم من الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية أمريكية، فإن قوات الاحتلال تواصل خرقه بشكل شبه يومي، في مشهد يكشف حجم التواطؤ الدولي أو العجز المتعمد عن فرض الالتزام. بل إن الحكومة الإسرائيلية، بتوجيه مباشر من نتنياهو، تعمل على إفشال أي مسار جاد لإنهاء الحرب، وتعرقل الانتقال إلى مراحل تفضي إلى انسحاب تدريجي من القطاع، بينما توسّع في الوقت ذاته رقعة السيطرة العسكرية لتتجاوز نصف مساحة غزة

السياسة ذاتها لا تنفصل عن مشروع أوسع، يقوم على تفريغ الأرض من أهلها. فالتهجير لم يتوقف، وإن تغيّر إيقاعه، والهدف واحد: تحويل الفلسطينيين إلى لاجئين بلا أرض، وتجريدهم من حق تقرير المصير. ما يجري في غزة اليوم امتداد لما يحدث في القدس والضفة، في إطار رؤية معلنة ذات طابع أيديولوجي وديني

داخلياً، يقف رئيس الحكومة الإسرائيلية أمام محاكمات متعددة في قضايا فساد، لكنه يوظف حالة الحرب لتعطيل المثول أمام القضاء، مدعياً أن متطلبات الأمن تستحوذ على وقته. ومن هنا، يصبح استمرار النزاع مصلحة مباشرة له، لا علاقة لها بأمن إسرائيل، بقدر ما تتصل بمصيره السياسي والشخصي، وطموحه في البقاء داخل المشهد والمشاركة في الانتخابات المقبلة

بهذا المعنى، جمع نتنياهو بين أسوأ الصفات: حاكم يتهرب من العدالة، وسياسي يوظف الدماء لإطالة عمره في السلطة، وقائد لا يرى في السلام إلا تهديداً لبقائه. قد يزخر العالم بنماذج سيئة، لكن قلة منهم استطاعت أن تجمع هذا القدر من الفشل الأخلاقي والسياسي في آن واحد. لذلك، لا يبدو غريباً أن يُصنَّف نتنياهو بوصفه الأسوأ هذا العام، ومرشحاً قوياً للاحتفاظ باللقب في العام المقبل أيضاً، دون منافسة تُذكر

search