"المدير الفني للاتحاد" منصب شرفي مجهول المهام في مصر، والجوهري تجربة بعيدة المنال

المدير الفني أو التقني للاتحادات الرياضية لكرة القدم يُعد المحرك الاستراتيجي لتطوير اللعبة على المستوى الوطني، فهو "مهندس الكرة" و"حارس اللعبة"، المسؤول عن بناء منظومة فنية مستدامة.

 ويعد الراحل محمود الجوهري في الأردن نموذجًا حيًا لتطبيق هذه الرؤية عبر مشروع شامل أعاد الكرة الأردنية إلى المنافسة القارية، بينما كان آخر من تقلد المنصب في مصر علاء نبيل، والذي رحل عنه اليوم وسط إخفاقات المنتخبات وتساؤلات عديدة عن دوره داخل الجبلاية.

ورغم اختلاف السياقات والموارد بين الاتحادات، فإن جوهر الدور يظل ثابتًا، ويتمثل في بناء منظومة فنية مستدامة قائمة على رؤية طويلة المدى.

ويؤكد خبراء فيفا، على سبيل المثال السويسري هانسرويدي هاسلر، أن النجاح الحقيقي يبدأ من كرة القدم القاعدية وكرة الأطفال، وليس من المنتخبات الأولى فقط، ففي حين ينشغل المدربون بالنتائج الفورية، يعمل المدير التقني على ضمان جودة المخرجات الفنية على مدى سنوات طويلة، وتكمن أهمية هذا الدور في التفكير الاستشرافي، كما يشير مسؤولو التطوير في يويفا، بعيدًا عن ضغط النتائج الحالية.

مهندس كرة القدم وحارس اللعبة

ويُعرِّف تقرير "فيفا" المدير التقني أو النفي بوصفه "مهندس كرة القدم"، المسؤول عن بناء الأسس قبل السعي وراء النتائج، إذ يركّز على النجاح طويل المدى عبر تطوير كرة القدم القاعدية للأطفال باعتبارها حجر الأساس لأي منظومة مستدامة.

 ويتمثل دوره في قيادة وإدارة برامج فنية متعددة، تشمل وضع استراتيجية تطوير شاملة، وبناء مسارات واضحة لتدرج اللاعبين من القاعدة حتى المنتخبات الأولى، مع ضمان تكامل برامج اكتشاف المواهب والمنتخبات السنية واختيار الكفاءات المناسبة لتنفيذها.

كما يضطلع المدير التقني بدور محوري في توحيد الكوادر وتعزيز تبادل المعرفة داخل المنظومة، عبر ربط البحث العلمي والتعليم التدريبي بالأداء الفني، وتحويل الاستراتيجيات إلى ممارسات عملية. 

ويُعد التواصل مع مجلس الإدارة أحد مفاتيح نجاحه، إذ يتحمل مسؤولية الدفاع عن البرامج الفنية وتأمين الدعم المؤسسي والمالي، مع بناء علاقة فاعلة مع الأمين العام لضمان تنفيذ الرؤى على أرض الواقع.

مرجعية فنية وإنسانية

وخير مثال في منطقتنا العربية، كان الراحل محمود الجوهري الذي يُعد أحد أعظم العقول التدريبية في تاريخ كرة القدم العربية، وصاحب مشروع كروي متكامل تجاوز حدود التدريب التقليدي إلى التخطيط الاستراتيجي وبناء المنظومات، ليحول الأردن إلى قوة حقيقية في كرة القدم.

والبوم يحصد الأردن نتائج زرعها الجوهري منذ أكثر من 20 عاما، بعد الوصول إلى نهائي كأس آسيا النسخة الماضية ونهائي كأس العرب 2025، ناهيك عن الوصول إلى كأس العالم 2026.

ولم يكن الجوهري مجرد مدرب في تاريخ النشامى يبحث عن نتائج لحظية، بل قائدًا صاحب رؤية بعيدة المدى، إذ ارتبط اسمه بالنهضة الكروية في أكثر من بلد عربي، وعلى رأسها الأردن.

دخل الجوهري الكرة الأردنية في لحظة مفصلية، فعلى الرغم من تاريخ كروي طويل يعود إلى عشرينيات القرن الماضي، وتأسيس مبكر للأندية والاتحاد، ظلت كرة القدم الأردنية أسيرة الهواية، بعيدة عن الاحتراف الحقيقي، وغير قادرة على المنافسة القارية، رغم بعض النجاحات الإقليمية المحدودة في أواخر التسعينيات. 

ومع إخفاقات متتالية في التأهل للبطولات الكبرى، جاء قرار الاستعانة بالجوهري ضمن مشروع شامل لإعادة هيكلة الكرة الأردنية بقيادة الأمير علي بن الحسين.

تولى الجوهري منصب المدير الفني لكرة القدم الأردنية، لا كمدرب منتخب فقط، وبدأ تنفيذ خطة تطوير شاملة، ركزت على التحول نحو الاحتراف، والاهتمام بالفئات السنية، ودعم المسابقات المحلية، وبناء منتخب وطني قادر على المنافسة. 

وكان من أبرز قراراته اكتشاف الحارس الشاب عامر شفيع، الذي أصبح لاحقًا أحد أعمدة الكرة العربية الآسيوية.

قاد الجوهري المنتخب الأردني إلى أول تأهل في تاريخه لنهائيات كأس الأمم الآسيوية 2004، بعد تجاوز مجموعة قوية في التصفيات، وحقق فوزًا تاريخيًا على إيران في عمان. 

وفي البطولة، قدّم المنتخب بطولة استثنائية، تعادل مع كوريا الجنوبية، وفاز على الكويت، وتأهل إلى ربع النهائي، قبل أن يخوض مواجهة تاريخية أمام اليابان انتهت بخسارة درامية بركلات الترجيح وسط جدل تحكيمي واسع.

جنازة عسكرية

وخلال فترة قصيرة، قفز تصنيف المنتخب الأردني عالميًا قفزة غير مسبوقة، وأصبح فريقًا يهابه الجميع، حتى دون تحقيق لقب. 

ومع ذلك، لم يكتمل المشروع على مستوى النتائج، إذ خرج المنتخب من تصفيات كأس العالم 2006، وبدأ الجيل الذهبي في التراجع، قبل أن يعلن الجوهري استقالته.

عاد لاحقًا مستشارًا فنيًا، وركز على تطوير الناشئين وأكاديمية الواعدين منها أكاديمية الأمير علي بن حسين التي أخرجت جيل الأردن الحالي، إذ يمتلك النشامى عددا من النجوم أبرزهم موسى التعمري ويزن النعيمات وعلي علوان وآخرين.

وعقب وفاة الجوهري يوم 3 سبتمبر 2012 بالأردن حرصت السلطات الأردنية وقتها على إقامة جنازة عسكرية للراحل، ونقلت جثمانه إلى القاهرة على متن طائرة خاصة ورافق الجثمان وقتها الأمير علي بن الحسين شقيق ملك الأردن ورئيس اتحاد الكرة الأردني.

تجربة بعيدة عن كرة القدم 

ورغم أن تجربة الجوهري أثبتت أهمية وظيفة المدير الرياضي باعتباره نموذجا رياضيا فريدا، إلا هذا المنصب مجهول المهام في مصر.

ومنذ قليل، أعلن الاتحاد المصري لكرة القدم عدم تجديد عقد المدير الفني للاتحاد علاء نبيل بنهاية ديسمبر 2025، لكن الحقيقة أن الجميع لا يعلم لماذا أتي ولماذا رحل، هل كان ضحية نتائج المنتخبات المصرية على مستوى الناشئين والشباب والمنتخب الثاني؟، وذلك بعد أن خرج منتخب مصر الثاني من كأس العرب، وفشل الفريق في تحقيق أي فوز بعد تعادلين وهزيمة ليودع البطولة.

وقال علاء نبيل، خلال مداخلته مع الإعلامي سيف زاهر في برنامج "ملعب أون" على قناة أون سبورتس، إن قرار اختيار حلمي طولان جاء بإشراف المهندس هاني أبو ريدة، وإن تشكيل اللجنة الفنية كان من اختياره، مؤكّدًا أن الجلسة التي تم خلالها اتخاذ القرار شهدت حضور جميع أعضاء اللجنة، وأن الترشيح النهائي صدر عن رئيس الاتحاد نفسه.

وأضاف نبيل أن أي قرار كان يتخذه هاني أبو ريدة كان يحظى بموافقة اللجنة الفنية، مؤكدًا أن هذا هو الواقع المتبع داخل الاتحاد في الوقت الراهن.

وفي ما يتعلق بالمنتخب الأول، شدّد المدير الفني لاتحاد الكرة على أنه لم يتدخل إطلاقًا في اختيارات اللاعبين أو البرامج التدريبية، مشيرًا إلى أنه لم يحضر أي تدريبات سواء في فترات الانتصارات أو الإخفاقات، ولم يشارك في أي اجتماعات جمعت حلمي طولان وأحمد حسن مع هاني أبو ريدة.

واختتم علاء نبيل تصريحه بالإشارة إلى أنه لم يُخطر رسميًا برحيله أو بوجود اتفاق لتعيين مدرب أجنبي في منصب المدير الفني للاتحاد، مؤكدًا أن الإجراءات الصحيحة تتطلب إخطار المسؤول والخروج بشكل محترم مع تقديم كشف حساب، ومؤكدًا في الوقت نفسه أنه لا يتمسك بالمنصب.

كيروش المنقذ

ويسعى الاتحاد المصري لخطوات إصلاحية ووضع خطة طويلة المدى أسوة بالتجربتين الأردنية والمغربية، بعد نجاح كافة المنتخبات الوطنية على المستوى القاري والعالمي كان أبرزها تحقيق أسود الأطلس المركز الرابع في مونديال قطر 2022.

وكشف مصدر مسؤول داخل الاتحاد المصري لكرة القدم، التوصل إلى اتفاق مع البرتغالي كارلوس كيروش لتولي منصب المدير الفني للاتحاد بدلا من علاء نبيل، في خطوة تستهدف إعادة هيكلة العمل الفني ووضع خطة تطوير شاملة وطويلة الأمد لكرة القدم المصرية.

وأوضح المصدر لـ"تليجراف مصر" أن كيروش سيتولى الإشراف الفني العام على منتخبات مصر، على أن يصطحب معه 3 مدربين برتغاليين للعمل ضمن الجهاز الفني، وتحديدًا في قيادة منتخبات الناشئين والمنتخب الأولمبي، بما يضمن توحيد الرؤية الفنية وتطبيق فلسفة تدريبية واحدة عبر مختلف المراحل السنية.

وأضاف أن التعاقد يأتي في إطار مشروع إصلاح فني شامل يعتمد على التخطيط طويل الأمد، وتطوير قاعدة اللاعبين، وتحسين آليات العمل داخل المنتخبات الوطنية، بعيدًا عن الحلول المؤقتة أو قصيرة المدى.