الأربعاء، 08 أكتوبر 2025

02:09 م

ابتسامة ودموع.. لقاء مؤثر يجمع بطلين من حرب أكتوبر بعد 52 عامًا

لقاء الحاج السيد سليمان بصديقه مصطفى

لقاء الحاج السيد سليمان بصديقه مصطفى

وجهان غيّر الزمن ملامحهما، لكن بريقهما لا يزال ذاته، رغم مرور 52 عامًا على حرب أكتوبر التي جمعتهما سويًا وحققا حلمًا عاشه الوطن لاسترداد أرضه، من مخالب عدو باطش.

في يوم السادس من أكتوبر عام 1973، كان السيد سليمان، وصديقه مصطفى السيد شابين جمعهما دخان المعارك وصوت المدافع وكذلك موت الأحبة، يحملان على أكتافهما حلم الوطن في مواجهة الخوف والموت الممزوجين بالإيمان والأمل، واليوم التقيا مرة أخرى.

السيد سليمان ابن سوهاج

السيد سليمان ابن قرية عنيبس في سوهاج، لم يكتفِ بضرب المثل في البطولة بحرب أكتوبر المجيدة، بل في الوفاء أيضًا. عندما اشتد عليه المرض، وخارت قواه، رفض الذهاب إلى الطبيب، وبعد محاولات مضنية من أبنائه وافق بشرط واحد حكاه لـ"تليجراف مصر".

"عايز أشوف صاحبي مصطفى السيد".. بصوت حنون مملوء بالذكريات؛ وضع الحاج سليمان، شرطه الذي أصاب أبناءه بالدهشة، لأنهم لم يسمعوا بهذا الاسم من قبل.

السيد سليمان

ذكريات الصديقين في حرب أكتوبر

سأل الابن حسن والده بدهشة: "مين ده يا أبويا؟ ساكن فين!".. ابتسم الأب ابتسامة حنين جعلت تجاعيد وجهه تنكمش كأنها تعاتب الزمن على فراق لم يكن هو صانعه، وقال: "صاحبي من أيام الجيش.. آخر مرة شُفتُه كنا راجعين من الحرب".

ضحك الابن ضحكة ساخرة، متسائلًا كيف سنجد صديقًا لك اختفى منذ ما يزيد عن 50 عامًا؟، ولكن الأب أصر على مطلبه بنبرة كلها شوق لصديقه قائلًا: "50 سنة بس نفسي أشوفه.. اتوحشته يا ابني".

شهادة الجيش

صوت الحاج سليمان الصادق حد الألم، جعل أبناءه يتحركون لتحقيق هذه الأمنية رغم صعوبتها. قطع المسافة الطويلة مزاح الابنة حول هذا الصديق، حيث قالت: "لو لقيناه هجوزك يا حاج".

رحلة البحث عن مصطفى السيد

بينما كان الصمت يخيم على الأسرة التي انطلقت للبحث عن مصطفى السيد، كان الابن يدعو الله في سرّه: "اللهم اجعلنا نهتدي إليه وادخل السرور على قلب أبي".

وصلت الأسرة إلى المكان الذي عاش فيه صديق الحاج السيد القديم والمدهش أنه تذكر الشوارع والحارات كأنه كان بها عشية أمس وليس منذ ما يزيد عن 50 عامًا!، وفجأة بصوت متحمس مفعم بالحياة قال للسائق: "هنا.. نزلنا يا ابني هنا".

خوف وكسر خاطر

نزل الأب وأبناؤه أمام بيت متهالك أكل الدهر على جدرانه وشرب، لكن عيونه كانت تلمع كأنه وجد ضالته بعد أعوام من البحث. ذهب ابنه ليطرق الباب ويسأل عن مصطفى، صديق والده، مرتعبًا من فكرة أن يكون قد فارق الحياة لأي سبب.

فتح الباب رجل تجاوز الخمسين من عمره، شعره أبيض وملامحه وقورة تكسوها التجاعيد البسيطة، سأله حسن الابن: "فيه هنا حد اسمه مصطفى السيد"، ليردّ عليه: "أيوة.. دا والدي بس جوه نايم.. أنتم مين؟".

العثور على صديق الحرب

عانق الأمل قلب الحاج سليمان ومر من أمام عينيه شريط ذكريات الحرب التي جمعت بينهما، حيث قال: "قل له صاحبك السيد سليمان.. زميلك في الجيش عايزك".

لحظات قليلة مرّت حتى خرج رجل مسن يسير بخطوات متثاقلة بفعل الزمن، وما إن وقعت عيناه على الحاج سليمان حتى تعانقا عناقًا طويلًا تخللته بسمات ودموع، وتلاشت فيه 52 سنة من الغياب وكأنها لم تكن.

الوفاء لا يشيخ

جلس الصديقان أمام البيت وتبادلا أطراف الحديث واسترجعا سويًا الذكريات، كانت دموعهما تسبق الكلمات، وبرغم مرور نصف قرن من الزمان، فالصداقة والوفاء كانا عنوانًا للقاء بطلي نصر أكتوبر، اللذين لم تفرقهما نيران الحروب.

search