مفاعل ديمونا.. حين خدعت إسرائيل أمريكا

مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي
في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، وإبداء إسرائيل قلقًا بشأن برامج ترسانة التسليح المصرية، معتبرة أن بعض الصفقات والتطورات العسكرية قد تؤثر على موازين القوى في المنطقة، أكدت مصر، أن سياستها الدفاعية تستند إلى مبدأ حماية سيادتها الوطنية، لافتة إلى الأسلحة النووية الإسرائيلية.
تساؤلات ورد مصري صاعق
والأسبوع الماضي، أدلى سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، بتصريحات لإذاعة "KolBarama" الإسرائيلية، قال فيها: "المصريون ينفقون مئات الملايين من الدولارات سنويًا على معدات عسكرية متطورة، رغم عدم وجود تهديدات مباشرة على حدودهم، لماذا يحتاجون إلى هذه الغواصات والدبابات؟ بعد أحداث 7 أكتوبر، يجب أن ندق ناقوس الخطر ونتابع مصر عن كثب، ونستعد لأي سيناريو محتمل".
جاء الرد المصري سريعًا عبر سفير مصر لدى الأمم المتحدة، أسامة عبدالخالق، الذي شدد على أن “الدول القوية والمسؤولة، مثل مصر، تحتاج إلى جيوش رادعة ومجهزة للدفاع عن أمنها القومي بتسليح متنوع وكافٍ”، موضحًا أن "الردع وتوازن القوي هما الضمان الحقيقي لتحقيق السلام والاستقرار في العالم"، حسب ما نقلت قناة القاهرة الإخبارية.
ووجه عبدالخالق، تساؤلًا مضادًا للمندوب الإسرائيلي: “إذا كان المندوب الإسرائيلي يرى لنفسه الحق في التساؤل عن تسليح مصر، فمن حقي أيضًا أن أتساءل: لماذا تظل إسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك ترسانة نووية غير خاضعة لأي رقابة دولية”.
سلاح إسرائيل النووي البعيد عن الأضواء
بينما يتركز الاهتمام العالمي على إيران بسبب مساعيها لامتلاك السلاح النووي وعجزها عن الحفاظ على سرية هذا الملف، تظل إسرائيل الدولة الأولى والوحيدة في الشرق الأوسط التي امتلكت هذه الأسلحة بعيدًا عن الأضواء، وبدون أي تحرك جاد من قبل حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية لفرض قيود على برنامجها النووي.
مبادرة بن جوريون السرية
في أواخر خمسينيات القرن العشرين، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، ديفيد بن جوريون، مشروعًا سريًا لإنشاء برنامج نووي، أدى لاحقا إلى بناء مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب، كان ذلك خلال فترة لم تمتلك فيها الأسلحة النووية سوى ثلاث دول في العالم.
ومع حلول عام 1967، عشية حرب الأيام الستة، قامت إسرائيل بتجميع أول سلاح نووي لها سرًا، حسبما ذكرت صحيفة فورين بوليسي.

تحدي الضغوط الأمريكية والخداع المنظم
واجهت إسرائيل، معارضة قوية من الولايات المتحدة، لا سيما من إدارة الرئيس جون كينيدي، الذي ضغط بشدة لمعرفة أهداف المشروع.
ومع ذلك، اعتبر قادة إسرائيل، أن المشروع النووي مسألة وجودية، مدفوعة بذكرى المحرقة “الهولوكوست”، ما دفعهم إلى تنفيذ عمليات خداع معقدة لإخفاء نواياهم الحقيقية.
وفي ديسمبر 1960، أصدر أرشيف الأمن القومي التابع لجامعة جورج واشنطن، كتابًا إلكترونيًا يضم وثائق سرية حول المشروع النووي الإسرائيلي، كاشفًا مدى معرفة واشنطن بالمشروع، وكيف خدعتها تل أبيب.
اتفاق سري مع فرنسا لإنشاء مفاعل ديمونا
وكان اتفاق عام 1957 بين فرنسا وإسرائيل أحد أكبر أسرار المشروع النووي الإسرائيلي، فعلى الرغم من معرفة بعض الدوائر الأمريكية بالمفاعل، لم تكن الاستخبارات الأمريكية تدرك وجود منشأة سرية تحت الأرض لإعادة معالجة الوقود النووي، والمخصصة لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في الأغراض العسكرية.
معلومات استخباراتية غير مكتملة في واشنطن
وعندما اكتشفت الولايات المتحدة مشروع ديمونا في أواخر عام 1960، لم تكن تمتلك صورة واضحة عن أهدافه، ووفقًا لأول تقدير استخباراتي وطني صادر عن وكالة الاستخبارات المركزية “CIA” في ديسمبر 1960، فإن المشروع قد يكون للأبحاث، أو إنتاج البلوتونيوم، أو حتى توليد الطاقة الكهربائية.
إلا أن بعض المحللين الأمريكيين كانوا يشتبهون في أن ديمونا يُستخدم لتطوير أسلحة نووية، لكن لم يكن لديهم دليل قاطع على ذلك.
التقارير الاستخباراتية تكشف المخفي
كما أشار تقرير استخباراتي أمريكي رُفع عنه السرية حديثًا، صادر في ديسمبر 1960 بعنوان "إنتاج البلوتونيوم الإسرائيلي"، إلى أن واشنطن كانت على علم ببعض تفاصيل المشروع، بما في ذلك إنشاء مصنع لفصل البلوتونيوم.
ومع ذلك، ظلت هذه المعلومات غامضة ولم تظهر في التقديرات اللاحقة لوكالة الاستخبارات الأمريكية بين عامي 1961 و1967، ما أثار تساؤلات حول سبب تجاهلها أو إخفائها.

رد بن جوريون وخدعة "المفاعل البحثي"
وفي 21 ديسمبر 1960، وأمام الضغوط الأمريكية، أعلن بن جوريون في الكنيست، أن مفاعل ديمونا هو "مفاعل بحثي لخدمة الصناعة والزراعة والصحة والعلوم"، منكرًا أي نية لإنتاج أسلحة نووية.
إلا أن تصريحات بن جوريون أصبحت فيما بعد جزءًا من حملة تضليل واسعة قادتها إسرائيل لإخفاء الحقيقة عن واشنطن.
الخداع الممنهج خلال زيارات التفتيش الأمريكية
وبين عامي 1961 و1969، أجرت الولايات المتحدة، ثماني زيارات تفتيشية لمفاعل ديمونا، سبع منها فرضتها إدارة كينيدي بدءًا من عام 1963، ومع ذلك، لم يكتشف المفتشون الأمريكيون أي دليل واضح على أنشطة مرتبطة بالأسلحة النووية، بسبب الخداع المنظم الذي مارسته إسرائيل.
قبل كل زيارة، كان العاملون في ديمونا يستعدون على مدى أسابيع لإخفاء أي آثار تدل على وجود منشأة سرية لإعادة المعالجة، وعند وصول المفتشين الأمريكيين، كان يتم تقديم صورة مضللة عن طبيعة المفاعل، مدعومة بتفسيرات زائفة حول استخدام الوقود المستنفد.

التطور السري للبرنامج النووي الإسرائيلي
وعلى الرغم من الزيارات الأمريكية، استمر البرنامج النووي الإسرائيلي في التقدم بسرية، وبحلول عام 1965، اكتملت منشأة إعادة المعالجة تحت الأرض، وبعد عام، بدأ إنتاج البلوتونيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة.
تقرير عام 1965 وتحذيرات من قدرات إسرائيل
وفي عام 1965، خلص تقرير أمريكي إلى أن مفاعل ديمونا لديه "إمكانيات ممتازة" لإنتاج البلوتونيوم، وأن زيارات التفتيش يجب أن تستمر بشكل سنوي.
ورغم عدم العثور على دليل مباشر، حذرت لجنة الطاقة الذرية الأمريكية، من احتمال قيام إسرائيل بإنتاج البلوتونيوم في غضون 12 إلى 18 شهرًا، وهو ما حدث فعلاً لاحقًا.
التضليل حول الوقود النووي المستنفد
وخلال زيارة التفتيش عام 1965، أكد المسؤول الإسرائيلي إيمانويل برات، أن الوقود المستنفد سيتم إرساله إلى فرنسا لإعادة معالجته، لكن الحقيقة أن إسرائيل لم تعِد أي وقود مستنفد لفرنسا قط، بل قامت بمعالجته سرًا كل ستة أشهر، في تحدٍّ مباشر للضغوط الأمريكية.
التقرير الاستخباراتي.. شكوك حول مصنع سري لإعادة المعالجة
وفي عام 1966، بدأ المسؤولون الأمريكيون في الاشتباه بوجود مصنع سري لإعادة المعالجة داخل ديمونا أو مفاعل آخر في إسرائيل، لكنهم لم يتمكنوا من العثور على دليل قاطع.
ومع ذلك، أوصى التقرير بمراقبة استخباراتية مستمرة للتأكد من عدم تطوير إسرائيل لأسلحة نووية، وهو ما فشلت واشنطن في منعه لاحقًا.
نجاح إسرائيل في إخفاء برنامجها النووي
وتكشف الوثائق المفرج عنها حديثًا، كيف تمكنت إسرائيل من بناء برنامجها النووي بعيدًا عن الأعين الأمريكية، مستخدمة مزيجًا من الخداع السياسي والتضليل الفني لإخفاء أنشطتها الحقيقية.
وبينما فشلت إيران في الحفاظ على سرية طموحاتها النووية، استطاعت إسرائيل امتلاك أسلحة نووية دون رقابة دولية حقيقية، لتظل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك هذا النوع من السلاح حتى اليوم.

الأكثر قراءة
-
المباريات المذاعة على mbc في كأس العالم للأندية
-
هل غدا إجازة رسمية في مصر بمناسبة 30 يونيو؟
-
رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 فور اعتمادها رسميًا
-
تداول أسئلة امتحان الإنجليزي 2025.. و"التعليم" تتوعد المتورطين
-
قبل ساعات من الحسم.. مطالب الملاك والمستأجرين في "الإيجار القديم"
-
تنسيق التمريض العسكري بعد الإعدادية 2025.. المؤشرات الأولية
-
أخبار امتحان الإنجليزي اليوم.. هل كان صعبا أم سهلا؟
-
غير مطابق للمواصفات.. استشاري طرق يكشف مفاجأة صادمة حول حادث الطريق الإقليمي

أخبار ذات صلة
مصرع رجلي إطفاء في إطلاق نار خلال مكافحة حريق بأمريكا.. ماذا حدث؟
30 يونيو 2025 09:17 ص
بين الحقيقة والتضليل.. محللون يقيمون حجم ضربات أمريكا لمنشآت إيران
29 يونيو 2025 11:55 م
صفقة شاملة واتفاق مرتقب.. هل تكتب المفاوضات نهاية الحرب في غزة؟
29 يونيو 2025 11:48 م
زيلينسكي يستغيث بترامب: نعتمد على دعمكم لمواجهة روسيا
29 يونيو 2025 11:17 م
إيهود باراك يهاجم ترامب ونتنياهو: البرنامج النووي الإيراني لم يُدمّر
29 يونيو 2025 11:00 م
انهيار منازل.. تفاصيل انفجار مدمر هز شمال فيلادلفيا
29 يونيو 2025 10:44 م
واشنطن: دمشق وبيروت بحاجة للسلام مع تل أبيب
29 يونيو 2025 10:39 م
قد يحدث في أي لحظة.. لقاء مرتقب بين بوتين وترامب
29 يونيو 2025 10:36 م
أكثر الكلمات انتشاراً