الخميس، 01 مايو 2025

05:38 ص

"كانت حياة ابني على المحك".. قصص مأساوية من قلب العتمة في إسبانيا

انقطاع الكهرباء في اسبانيا

انقطاع الكهرباء في اسبانيا

A .A

عاشت إسبانيا أكبر انقطاع كهربائي في تاريخها، يوم الإثنين، في واقعة غير مسبوقة كشفت مدى اعتماد نمط حياتنا المعاصر على الكهرباء.

تروي صحيفة “البايس” الإسبانية، أن الانقطاع الكهربائي الشامل الذي بدأ في الساعة 12:33 من ظهر الإثنين أسفر عن مصرع ما لا يقل عن خمسة أشخاص، بسبب ظروف نتجت مباشرة عن غياب الكهرباء، في واحدة من أكثر الحوادث المأساوية التي شهدتها البلاد خلال هذه الأزمة.

مولدات الموت وغازاتها السامة

في بلدة "تابواديا" الواقعة في إقليم أورينسي (شمال غربي البلاد)، لقي ثلاثة أفراد من عائلة واحدة مصرعهم جراء استنشاق غاز أول أكسيد الكربون، بعد تشغيل مولد كهربائي لتغذية جهاز تنفس كان أحد أفراد الأسرة بحاجة إليه.

المتوفون هم رجل يبلغ من العمر 81 عامًا يُدعى ف.د.ر، وزوجته أ.ف.م (77 عامًا)، وابنهما ج.ف.د.ف (56 عامًا) الذي يعاني من إعاقة. 

ووفقًا لتحقيقات الشرطة والمعهد الطبي الشرعي في جاليسيا، يُشتبه في أن المولد الموضوع في الطابق السفلي أطلق غازات سامة حوصرت في الأدوار العلوية من المنزل، ما أدى إلى الوفاة.

وفي حادث منفصل، تم نقل شخصين آخرين إلى المستشفى إثر تعرضهما للتسمم بأول أكسيد الكربون في "ريانخو" بمقاطعة لا كورونيا، نتيجة استخدام مولدات كهربائية بطريقة غير آمنة، في ظل غياب التيار.

كما سجلت فرق الإطفاء في كاتالونيا تسع تدخلات على الأقل تتعلق بسوء استخدام مولدات الكهرباء، ما يعكس اتساع نطاق المخاطر المرتبطة بهذه الأزمة الطارئة.

الموت على جهاز أكسجين

وفي فالنسيا، تحديدًا بمدينة "ألسيرا"، توفيت امرأة تبلغ من العمر 46 عامًا كانت تعتمد على جهاز أكسجين للتنفس، بعد انقطاع التيار عنه. 

ورغم وصول الشرطة ومحاولاتهم إجراء الإنعاش القلبي الرئوي لحوالي نصف ساعة، فإن حياتها لم تُنقذ، وذكرت الشرطة أن الضحية كانت تعاني مرضا رئويا.

حرائق “الشموع” 

أما في مدريد، فقد لقيت امرأة حتفها مساء الإثنين نتيجة اندلاع حريق في شقتها بمنطقة "كارابانتشل"، يُرجح أن سببه شمعة أُشعلت في ظل غياب الكهرباء، الحريق، الذي بدأ في إحدى الغرف، تسبب بدخان كثيف امتد إلى بقية الشقة ومنها إلى الواجهة، مما استدعى تدخل فرق الإنقاذ. 

وأسفر الحادث عن إصابة 13 شخصًا، نُقل خمسة منهم إلى المستشفى، بينما لقيت الضحية مصرعها داخل منزلها الواقع في الطابق الأول من أحد المباني في شارع "كلارا كامبامور".

بينما روت إلينا بارا (35 عامًا - بلد الوليد)، موقفا أكثر صعوبة وغرابة وسط العتمة، حيث كانت تلد طفلًا وقت الانقطاع، وأضاء الأب الموقف بهاتفه، في لحظة غريبة.

كانت حياة ابني على المحك

كان انقطاع الكهرباء بالنسبة لفئة من الأشخاص، ممن يعتمدون على الأجهزة الكهربائية للبقاء على قيد الحياة، مسألة حياة أو موت، بعضهم واجه مواقف حرجة تهدد حياتهم.

تقول كارميلا كاديناس، البالغة من العمر 43 عامًا، والمقيمة في مدينة لاس جابياس بمحافظة غرناطة: "كانت حياة ابني على المحك". 

Carmela Cadenas junto a su hijo de 10 años, que precisa una mochila de oxígeno, en una imagen cedida por ella.

تصف الأم حياة ابنها البالغ من العمر 10 سنوات والذي يعاني شللا دماغيا حادا وفشلا تنفسيا مزمنا نتيجة إصابته بمرض في الرئتين، ويعتمد على جهاز تنفس صناعي على مدار الساعة منذ إصابته بالتهاب رئوي في عام 2023.

تضيف كاديناس: "عندما أحضره والده من مدرسة ذوي الاحتياجات الخاصة في الساعة 13:30، كانت حقيبة الأكسجين المحمولة تحتوي فقط على 50٪ من سعتها، وكان أمامنا ساعتان ونصف فقط من الاستقلالية". 

فكرت الأسرة في نقله إلى المستشفى، لكن الوالد تذكّر سلك تمديد طوله 25 مترًا في الحديقة، وقام بتوصيله من خلال النافذة إلى شاحنة العائلة المجهزة بمقبس كهربائي. 

تقول الأم: "أبقينا المحرك يعمل طوال اليوم وحتى الليل"، وعادت الكهرباء لمنزلهم فجرًا.

منعت ابنتها من النوم بسبب انقطاع الكهرباء

 لم يكن الحظ حليفًا للجميع، حيث تقول إنكارني، وهي أم تبلغ من العمر 52 عامًا من إحدى بلدات إقليم مورسيا، إن ابنتها البالغة من العمر 18 عامًا، مصابة بمرض نادر يسبب الصرع وعدم القدرة على الكلام أو الحركة.

كانت الابنة بحاجة إلى جهاز تنفس خاص أثناء النوم، ولكن بسبب انقطاع الكهرباء، اضطرت الأم لمنعها من النوم حتى لا تختنق.

تصف الأم اللحظات العصيبة: "كنت أراقب نسبة الأكسجين لديها عبر جهاز قياس النبض، الذي نفدت بطاريته تمامًا قبل عودة الكهرباء في الساعة 22:15"، وتضيف: "اتصلت بالرقم 112، لكن لم يجبني أحد، كنا بمفردنا تمامًا".

سحب الدم يدويًا بجلسة غسيل كلوي

وفي مدينة ألكوبينداس، واجه خوسيه فيسينتي سوغاستي (36 عامًا)، المصاب بمرض كلوي ويتلقى جلسات غسيل كلى منزلية، لحظات عصيبة حين انقطعت الكهرباء وهو على وشك إنهاء الجلسة.

José Vicente Zugasti en diálisis domiciliaria, en una imagen cedida por él.

 تقول زوجته إنها اضطرت لإيقاف الجهاز يدويًا وسحب دمه يدويًا باستخدام محلول ملحي، و"حاولت الاتصال بمركز الصحة دون جدوى بسبب انقطاع الشبكة"، كما يقول خوسيه.

مستشفيات عاجزة عن إنقاذ المرضى

توجه العديد من المرضى إلى المستشفيات ليس لتلقي العلاج، بل لشحن أجهزتهم في مركز الصحة "مدينة الصحفيين" بمدريد، وعاشت الممرضة ماريا مونتيرو (31 عامًا) لحظات عصيبة مع وصول العديد من أقارب مرضى يعانون من أمراض تنفسية مزمنة، لم يتمكن المركز من تزويدهم بأسطوانات أكسجين محمولة بسبب الحاجة إليها لحالات الطوارئ، وكان الاتصال بخدمات الطوارئ (112) شبه مستحيل بسبب الضغط الكبير.

تروي مونتيرو حالة ابنة مريضة جاءت إلى المركز وهي تصرخ بأن بطارية الجهاز على وشك النفاد، فقررت الممرضة وزميلتها المغامرة وذهبتا إلى سوبر ماركت قريب يملك مولدًا كهربائيًا لشحن الجهاز.

26 ساعة داخل عربة قطار

تروي باتريثيا دياز كيف تحولت رحلة بالقطار من برشلونة إلى ألباسيتي،  إلى كابوس استمر 26 ساعة داخل عربة قطار، نتيجة الانقطاع الكهربائي الشامل الذي أصاب شبكة السكك الحديدية في إسبانيا يوم الاثنين.

توقف القطار قرابة الساعة 12:45 ظهر الاثنين في مدينة خاتيبا (فالنسيا)، حيث بقي متوقفًا لساعات طويلة.

بعد سبع ساعات من الانتظار، أُبلغ الركاب حوالي الساعة الثامنة مساءً بأن التيار الكهربائي قد عاد بشكل كافٍ لتحريك القطار، لكن بدلاً من استئناف الرحلة نحو الجنوب، تقرر العودة إلى فالنسيا، وذلك لـ"دواعٍ أمنية"، بحسب ما نُقل لهم. 

في تلك اللحظات، بدأت بطاريات الهواتف المحمولة بالنفاد، ومع انعدام التغطية، عجز كثيرون عن التواصل مع ذويهم.

حاول كل راكب أن يجد وضعية نوم تناسبه، بعضهم افترش الأرض، وآخرون تكوروا بين المقاعد، وتقول دياز: "أنا صغيرة الحجم، فاستطعت أن أتكوّر بين مقعدين، لكن بالكاد نمت".

سير المسافات الطويلة

في مساء يوم غير معتاد، ومع دعوة السلطات المواطنين لتجنب التنقلات غير الضرورية، ترك كثيرون سياراتهم في أماكن العمل، وقرروا العودة سيرًا على الأقدام. 

عند الساعة السادسة مساءً، بدا شارع "ألكالا"، أطول شوارع مدريد (يمتد على 10.5 كيلومترات)، مشمسًا لكنه يغلفه إحساس باللاواقعية، المسافة التي قطعها كثيرون مشيًا – نحو 7.5 كيلومترات – تحولت إلى مسرح حوارات ومشاهد صغيرة تحمل الطابع الإنساني والمجتمعي في زمن الأزمة.

قطع شوارع مدريد على متن سكوتر

بينما قام ألفارو كاستيا (20 عامًا - ألباثيتي)، بقطع شوارع مدريد على متن سكوتر تبرع به أحد الجيران، فقط ليطمئن على جدته، "رأيت كيف يتكاتف الناس وقت الحاجة".

تائهة في  مدريد

بينما تعرضت كارمن إسكريو (36 عامًا - جواتيمالا)، سائحة لحادث أكثر غرابة حيث تاهت في مدريد بلا مواصلات، قبل أن يتبرع زوجان بنقلها إلى وجهتها، إذ قالت: "لن أنسى لطف الإسبان".

search