السبت، 17 مايو 2025

08:56 م

سامح مبروك
A A

فخ ترزي اللوائح .. وقرار التظلمات | خارج حدود الأدب

"زرع لنفسه فأثمر لغيره" مقولة قد تبدو مباشرة، ولكن العمق وازدواجية المعنى قد يكون مدهشًا، إذا ما حدثت مقاربة مع ما نعاصره من أحداث، فيبدو الظاهر أنها تحاكي فعل الخير للنفس وللغير، ولكن في الباطن تتحدث عن عاقبة الأنانية من انقلاب المكر على أهله. ولكن كيف؟

مع إصدار لجنة التظلمات باتحاد كرة القدم في مصر بالأمس لقرارها -الغريب في مضمونه- والذي أقر قرار مجلس إدارة رابطة الأندية وذلك لعدم صلاحية النقض أو الاعتراض أو التعديل على تلك القرارات بحكم لائحة رابطة الأندية لموسم 2024 – 2025، هنا يتساءل كل ذي عقل: ألم يحدث موقف مشابه الموسم الفائت والذي سبقه وربما مرات ومرات عدة فيما مضى، وكان البطل المطلق والوحيد في تلك المشاهد نادي الزمالك؟ ولكن على عكس الأهلي هذه المرة، كان الزمالك يتعرض لأقصى عقوبة بخصم ست نقاط، فماذا حدث؟ أليس الخطأ هو ذاته؟ إذن لمَ تغيرت العواقب؟ هل لأن النادي أقوى؟ أم لأنه نادي الدولة؟ أم لأن المسؤولين ينتمون لهذا النادي؟ أو لعلهم يخشونه ويخشون جماهيريته؟ أسئلة استوجبت البحث عن جواب شافٍ، دعونا نستطلع بعض الأحداث لعلنا نستقرئ منها الإجابة في السطور التالية.

ولن نغوص في التاريخ الطويل للانسحابات في الدوري المصري، ولا حتى سلسلة الانسحابات المتكررة لنادي الزمالك لأسباب مختلفة، ولكن فقط سنعود إلى الحدث الرئيسي الذي أنتج كل هذا اللغط الذي نعانيه، كان في يونيو العام الماضي 2024 حينما قرر الزمالك الانسحاب أو عدم خوض مباراته المقررة مع النادي الأهلي لأسباب عدة، فندها في بياناته، ومنها الأخطاء التحكيمية، وأبرزها جدول المباريات غير المنتظم.

في ذلك الحين كانت رابطة الأندية برئاستها الحالية هي التي تدير المسابقة، وكان على رأس لجنة المسابقات المنوطة بتنظيم مواعيد المسابقة وإقرار عقوباتها "عامر حسين" أو "الحاج" كما يفضلون أن يدعوه. وفي ذلك الوقت كانت اللائحة واضحة ومباشرة للغاية: أي حالة انسحاب، بما يتضمن الانسحاب من داخل الملعب أو بعدم خوض المباراة، يُعتبر الفريق المنسحب مهزومًا بهدفين وبالتالي يخسر نقاط المباراة، بالإضافة إلى حسم ثلاث نقاط إضافية مع نهاية الموسم.
إلى الآن، كل هذا جيد. ولكن، ماذا تغيّر هذا العام؟

في ظل الاعتراضات الكبيرة على أداء لجنة المسابقات، قامت إدارة الرابطة بإعفاء "الحاج"، وتعيين "طه عزت" بديلًا له، مما أنتج المزيد من الاضطراب، لأن الأخير معروف بمواقفه المتعددة الداعمة لنادي الزمالك عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما أثار غضب جماهير الأهلي حول هذا القرار.

ولكن، في ضوء التطمينات حول لائحة عصرية جديدة، ونظام محترف، مرت الأمور، وقام الرئيس الجديد بعرض اقتراح لائحته الجديدة على الأندية أعضاء الرابطة، وعلى الفور أقرّوها لتصبح اللائحة الرسمية للموسم الجديد. وهنا، يا صديقي، مربط الفرس. فقد كانت اللائحة الجديدة فخًا، أُعدّ عمدًا أو عن غير عمد، لينال من استقرار منظومة الكرة في مصر – الذي لم نشهده يومًا منذ عقود. فقد آثر صانع اللائحة الجديدة استيراد لائحة جاهزة للعمل بها لتجنّب عناء إنتاج لائحة قد لا تخلو من العوار، وهذا قد يكون منطقيًا، فأبحر لشرق العالم العربي ليأتي بلائحة جاهزة معمول بها في أحد الدوريات، ونسخها ثم قام باللصق على مسابقة الدوري المصري.

ولكن بقيت أمامه مشكلة، أو تساؤل: ماذا لو قرر، أو كرر فريق ما – كعادته – عدم خوض مباراة ما في المسابقة؟ ألا يجب أن نجد مخرجًا لتخفيف العقوبة أو تجنبها؟

هنا عمد إلى تفصيل وتفصيص تلك البنود، وجعلها مطاطة، ليمنح القائمين على المسابقة بعض الحرية. ففي البداية، غلّظ عقوبة الانسحاب، باعتبار المنسحب مهزومًا بثلاثة أهداف بدلًا من اثنين، وهذا جيد بالتأكيد. ولكنه عمد إلى تغيير غريب للغاية؛ فقد فصل حالة عدم الذهاب إلى الملعب من الأساس في بندٍ منفصل، عن حالة الانسحاب من أرض الملعب. واكتفى بعقوبة خسارة المباراة للحالة الأولى، بينما ذكر عقوبة خصم ثلاث نقاط إضافية في الحالة الثانية. ولا أدري حقيقةً إن كان هذا قد حدث عن عمد أو سهو، ولكن كان التعديل التالي هو الكارثي، فقد أضاف بندين للائحة:

  • الأول يمنح الرابطة الحرية في تفسير لوائحها وقراراتها.
  • والثاني يُحصّن قرارات مجلس إدارة الرابطة، ويجعلها غير قابلة للاعتراض أو التظلم أو النقد، فضلًا عن التغيير.

وهذا أعطى إدارة الرابطة السلطة المطلقة في إصدار العقوبات، أو تقليصها، أو حتى إلغائها بالشكل وفي الوقت الذي تراه مناسبًا.

ولكن ما حدث هذا الموسم لم يكن على البال، فلم يكن بطل مشهد الانسحاب هذه المرة هو الفريق المعتاد، بل كان الغريم،
ولم يكن الانسحاب مجرد حدث لن يؤثر بتبعاته وعقوباته على تحديد بطل المنافسة، وهكذا أُحكم إغلاق المصيدة على أيدي صانعيها، وأتى انسحاب الأهلي من مباراته مع الزمالك كالزلزال على منظومة إدارة الكرة في مصر، ليقلبها رأسًا على عقب.

في البداية، بادرت لجنة المسابقات بشجاعة – مفتعلة – بإقرار مزيج من عقوبات لائحة الموسم السابق والموسم الحالي على فريق الأهلي المنسحب، فأقرّت اعتباره منهزمًا بثلاثة أهداف (على خلاف لائحة الموسم السابق)، مع خصم ثلاث نقاط إضافية، بدون سند لائحي في اللائحة الجديدة. ولكن هذه الجرأة سرعان ما تحطّمت على صخور اللائحة الجديدة، فقد انتبهت إدارة الرابطة لتعارض العقوبات مع اللائحة، وتحت ضغوط الأهلي بالشكاوى لكل الجهات المنوطة بالفصل في شؤون الكرة،
كان لزامًا على الرابطة استخدام أهم أسلحتها: "حق الفيتو"، فعدّلت قرارها ليتناسب مع اللائحة الجديدة، كما جعلته صادرًا عن مجلس رئاسة الرابطة لتحصينه ضد الطعن أو التقاضي.

هنا تأتي المقولة التي ذكرناها في البداية، بجانبها السوداوي: "زرع لنفسه فأثمر لغيره" فقد تم زرع الألغام بعناية في اللائحة الجديدة لحماية طرف ما، ولكنها سرعان ما انفجرت في واضعيها، وتفجر معها الوضع الكروي كاملًا، ويستفيد منها طرف خارج الحسبان. ويجعل الوضع بين جماهير تلك اللعبة في حالة غير مسبوقة من الاستقطاب.

وهنا يبقى الدواء في الداء ذاته، والحل من أصل المعضلة؛ فإن آفة تلك المنظومة في مصر عبر العصور هي تفصيل اللوائح والقوانين لخدمة أطراف بعينها، وتغليب المسؤولين في أغلب المواقف لأهوائهم ومصالحهم على القوانين. فإذا كنا نقبل باستنساخ اللوائح أو التجارب، فلِمَ لا نستنسخها بالكامل من تجربة عالمية ناجحة دون تحريف أو تفصيل؟ وإن كانت كرة القدم قد صارت صناعة ضخمة، فلماذا لا نجعل القائمين عليها بالكفاءة والإمكانيات والمؤهلات والاحترافية المناسبة، بلا أهواء ولا انحياز؟ وإلى متى سننتظر أن يكون التغيير قرار دولة لا قرار منظومة؟ فبذات الوجوه، ونفس الطريقة، ونفس ترزية اللوائح، ستظل كرة القدم في مصر "خارج حدود الأدب".

search