السبت، 17 مايو 2025

10:13 م

جرائم مُمنهجة.. غزة تتصدر كلمة السيسي في القمة العربية ببغداد

إيمان رزق

A .A

شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته الرابعة والثلاثين، المنعقدة بالعاصمة العراقية بغداد.

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، السفير محمد الشناوي، بأن الاجتماع تناول الأوضاع الإقليمية، وما تشهده المنطقة العربية من تحديات جسيمة، خاصة ما يتعلق بالحرب الجارية في غزة، فضلًا عن الأوضاع في سوريا والسودان وليبيا والصومال.

كما ناقش الاجتماع جهود الارتقاء بالعمل العربي المشترك بما يتفق مع تطلعات الشعوب العربية.

وأضاف الشناوي، أن الرئيس ألقى كلمة مصر خلال القمة، تناولت رؤية مصر بشأن مختلف القضايا محل النقاش، وفيما يلي نص كلمة الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم

أخى الرئيس: عبد اللطيف رشيد..
رئيس جمهورية العراق، رئيس الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..
قادة الدول العربية الشقيقة،
معالي السيد أحمد أبو الغيط..
الأمين العام لجامعة الدول العربية،
الحضور الكريم،
﴿السلام عليكم ورحمة الله وبركاته﴾

أستهل كلمتى بتوجيه خالص الشكر والتقدير، إلى أخى فخامة الرئيس "عبد اللطيف رشيد"، وشعب العراق الشقيق، على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، والمشاعر الطيبة التي لمسناها، منذ وصولنا إلى بغداد .. متمنيًا لفخامته كل التوفيق فى رئاسة الدورة الحالية.

كما أتوجه بالشكر، لأخي جلالة الملك "حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة"، ملك مملكة البحرين، رئيس الدورة السابقة، تقديرًا للجهود المخلصة، التى بذلها فى دعم قضايا الأمة، وتعزيز العمل العربي المشترك.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
تنعقد قمتنا اليوم، في ظرف تاريخي، حيث تواجه منطقتنا تحديات معقدة، وظروف غير مسبوقة، تتطلب منا جميعًا - قادة وشعوبًا - وقفة موحدة، وإرادة لا تلين.. وأن نكون على قلب رجل واحد، قولًا وفعلًا .. حفاظًا على أمن أوطاننا، وصونًا لحقوق ومقدرات شعوبنا الأبية.

جرائم ممنهجة وممارسات وحشية

ولا يخفى على أحد، أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة من أشد مراحلها خطورة، وأكثرها دقة.. إذ يتعرض الشعب الفلسطيني، لجرائم ممنهجة وممارسات وحشية، على مدار أكثر من عام ونصف، تهدف إلى طمسه وإبادته، وإنهاء وجوده في قطاع غزة.. حيث تعرض القطاع لعملية تدمير واسعة، لجعله غير قابل للحياة، في محاولة لدفع أهله إلى التهجير، ومغادرته قسرًا تحت أهوال الحرب. فلم تبق آلة الحرب الإسرائيلية، حجرًا على حجر، ولم ترحم طفلًا أو شيخًا.. واتخذت من التجويع والحرمان من الخدمات الصحية سلاحًا، ومن التدمير نهجًا.. مما أدى إلى نزوح قرابة مليوني فلسطيني داخل القطاع، في تحد صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية.

وفي الضفة الغربية، لا تزال آلة الاحتلال، تمارس ذات السياسة القمعية من قتل وتدمير.. ورغم ذلك يبقى الشعب الفلسطيني صامدًا، عصيًا على الانكسار، متمسكًا بحقه المشروع في أرضه ووطنه.

وقف نزيف الدم الفلسطيني

ومنذ أكتوبر 2023، كثفت مصر جهودها السياسية، لوقف نزيف الدم الفلسطيني، وبذلت مساعٍ مضنية، للوصول إلى وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية .. مطالبة المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، باتخاذ خطوات حاسمة، لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية.

ولا يفوتنى هنا، أن أثمن جهود الرئيس دونالد ترامب، الذي نجح في يناير 2025، في التوصل إلى اتفاق، لوقف إطلاق النار في القطاع.. إلا أن هذا الاتفاق، لم يصمد أمام العدوان الإسرائيلي المتجدد، في محاولة لإجهاض أي مساع نحو الاستقرار.

جهود مكثفة لوقف إطلاق النار

وعلى الرغم من ذلك، تواصل مصر بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، شريكيها في الوساطة، بذل الجهود المكثفة لوقف إطلاق النار، مما أسفر مؤخرا عن إطلاق سراح الرهينة الأمريكي الإسرائيلى "عيدان ألكسندر".
وفى إطار مساعيها، بادرت مصر، بالدعوة لعقد قمة القاهرة العربية غير العادية، في 4 مارس 2025.. التي أكدت الموقف العربى الثابت، برفض تهجير الشعب الفلسطيني، وتبنت خطة إعادة إعمار قطاع غزة، دون تهجير أهله.. وهي الخطة التي لقيت تأييدًا واسعًا؛ عربيًا وإسلاميًا ودوليًا. 

مؤتمر دولي للتعافي المبكر

وفي هذا الصدد، أذكركم بأننا نعتزم تنظيم، مؤتمر دولي للتعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة، فور توقف العدوان.

وقد وجه العرب من خلال قمة القاهرة، رسالة حاسمة للعالم، تؤكد أن إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها "القدس الشرقية"، هو السبيل الأوحد، للخروج من دوامة العنف، التي ما زالت تعصف بالمنطقة، مهددة استقرار شعوبها كافة.. بلا استثناء.

وأكرر هنا، أنه حتى لو نجحت إسرائيل، في إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل في الشرق الأوسط، سيظل بعيد المنال، ما لم تقم الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية.

رسالة السيسي إلى ترامب

ومن هذا المنطلق، فإننى أطالب الرئيس ترامب، بصفته قائدًا يهدف إلى ترسيخ السلام، ببذل كل ما يلزم من جهود وضغوط، لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، تمهيدًا لإطلاق عملية سياسية جادة - يكون فيها وسيطًا وراعيًا - تفضى إلى تسوية نهائية تحقق سلامًا دائمًا، على غرار الدور التاريخى الذى اضطلعت به الولايات المتحدة، في تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل في السبعينيات.

تحديات مصيرية

السيدات والسادة الحضور،
إلى جانب القضية الفلسطينية، تواجه أمتنا العربية تحديات مصيرية، تستوجب علينا أن نقف صفًا واحدًا لمواجهتها، بحزم وإرادة لا تلين. فيمر السودان الشقيق بمنعطف خطير، يهدد وحدته واستقراره.. مما يستوجب العمل العاجل، لضمان وقف إطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، والحفاظ على وحدة الأراضي السودانية ومؤسساتها الوطنية.. ورفض أي مساعٍ، تهدف إلى تشكيل حكومات موازية للسلطة الشرعية.

وبالنسبة للشقيقة سوريا، فلابد من استثمار رفع العقوبات الأمريكية، لمصلحة الشعب السوري.. وضمان أن تكون المرحلة الانتقالية شاملة؛ بلا إقصاء أو تهميش.. والمحافظة على الدولة السورية ووحدتها، ومكافحة الإرهاب وتجنب عودته أو تصديره.. مع انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الجولان، وجميع الأراضي السورية المحتلة.

وفي لبنان، يبقى السبيل الأوحد لضمان الاستقرار، فى الالتزام بتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، وقرار مجلس الأمن رقم "1701"، وانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، واحترام سيادة لبنان على أراضيه، وتمكين الجيش اللبناني من الاضطلاع بمسئولياته.

أما ليبيا، فإن مصر مستمرة في جهودها الحثيثة، للتوصل إلى مصالحة سياسية شاملة، وفق المرجعيات المتفق عليها.. من خلال مسار سياسي ليبى، يفضى إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، تمكن الشعب الليبي من اختيار قيادته، وتضمن أن تظل ليبيا لأهلها.. مع خروج كافة القوات والميليشيات الأجنبية من ليبيا.

وفي اليمن، فقد طال أمد الصراع، وحان الوقت لاستعادة هذا البلد العريق توازنه واستقراره، عبر تسوية شاملة تنهى الأزمة الإنسانية، التي طالته لسنوات، وتحفظ وحدة اليمن ومؤسساته الشرعية .. وأشير هنا، إلى ضرورة عودة الملاحة إلى طبيعتها، في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وتهيئة الأجواء للاستقرار، والبحث عن الحلول التى تعود بالنفع على شعوبنا.

كما لا ننسى دعمنا المتواصل للصومال الشقيق.. مؤكدين رفضنا القاطع لأي محاولات للنيل من سيادته، وداعين كافة الشركاء الإقليميين والدوليين، لدعم الحكومة الصومالية، للحفاظ على الأمن والاستقرار.. في بلدها الشقيق.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
فى الختام، أقولها لكم بكل صدق وإخلاص: "إن الأمانة الثقيلة التي نحملها جميعًا، واللحظة التاريخية التي نقف فيها اليوم، تلزمنا بأن نعلي مصلحة الأمة فوق كل اعتبار، وأن نعمل معًا – يدًا بيد - على تسوية النزاعات والقضايا المصيرية، التي تعصف بالمنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية؛ القضية المركزية التي لا حياد فيها عن العدل.. ولا تهاون فيها عن الحق".

"فلنعمل معا على ترسيخ التعاون بيننا، ولنجعل من وحدتنا قوة، ومن تكاملنا نماء.. مؤمنين بأن شعوبنا العربية، تستحق غدًا يليق بعظمة ماضيها، وبمجد حضارتها.. فلنمض بثبات وعزيمة، ولنجعل من هذه القمة، خطوة فاصلة، نحو غد أكثر إشراقا.. لوطننا العربي".

وفقنا الله جميعًا، لما فيه صالح شعوبنا العربية..
﴿والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته﴾.

search