الجمعة، 23 مايو 2025

07:17 م

جنوب أفريقيا تحت مجهر ترامب.. خلافات تتصاعد وتهدد الشراكة

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا

A .A

جاءت القمة التي جمعت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا في توقيت حساس، في ظل تصاعد التوترات بين البلدين بسبب ملفات سياسية واقتصادية متراكمة، وتباين في المواقف تجاه قضايا دولية جوهرية، ما أثار تساؤلات حول مستقبل الشراكة بين واشنطن وبريتوريا.

خلافات عميقة وظروف متوترة

تشير الباحثة ميشيل جافين في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إلى أن اللقاء، الذي عُقد في 21 مايو، جاء في ظل أجواء متوترة وغير مسبوقة.

فقد أقدمت إدارة ترامب خلال الأشهر الأخيرة على وقف المساعدات الخارجية لجنوب أفريقيا، وبددت الآمال بتمديد اتفاق تجاري مهم، وهددت بفرض رسوم جمركية بنسبة 30%، كما قامت بطرد السفير الجنوب أفريقي من واشنطن، متهمة الحكومة بالفشل في وقف ما تصفه بـ"إبادة جماعية" جارية في البلاد.

ورغم أن إدارة ترامب لا تُعرف باهتمامها بالشأن الأفريقي، فإن تركيزها على جنوب أفريقيا يُعد استثناءً لافتًا.

جذور الأزمة

ترجع الأزمة بين البلدين إلى تباين أيديولوجي طويل الأمد، إذ يرى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا أن الولايات المتحدة تمثل عقبة أمام تحقيق نظام عالمي أكثر عدالة، ويجد في دول مثل روسيا والصين وإيران شركاء أفضل، رغم سياساتها القمعية الداخلية.

سياسة عدم الانحياز أم انحياز مقنع؟

رغم تبني جنوب أفريقيا سياسة "عدم الانحياز"، فإن مواقفها العملية، خصوصًا خلال الحرب الروسية الأوكرانية، عكست تساهلًا ملحوظًا مع موسكو. 

كما رفعت دعوى ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية متهمة إياها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وهو موقف يعكس توجهًا أفريقيًا أوسع ينتقد الدعم الأمريكي لإسرائيل ويتهم واشنطن بازدواجية المعايير.

تصادم حول التعددية والمؤسسات الدولية

حرص جنوب أفريقيا على دعم التعددية وإصلاح المؤسسات الدولية لتُمثل مصالح القارة الأفريقية، اصطدم مع توجه إدارة ترامب الذي يحتقر تلك المؤسسات ويضغط لإعادة تشكيلها بما يخدم أولويات واشنطن.

وقد ظهر هذا الخلاف جليًا في مقاطعة الولايات المتحدة المحتملة لقمة مجموعة العشرين المقبلة، المقرر عقدها في جنوب أفريقيا، في خطوة فسّرها البعض كرفض لشعارات القمة، بينما رآها آخرون احتجاجًا مبطنًا على ما يُشاع من اضطهاد البيض في البلاد.

رامافوسا: زيارة محفوفة بالمخاطر السياسية

ترى جافين أن زيارة رامافوسا إلى واشنطن كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر، خاصة أن معارضيه في الداخل رأوا فيها تنازلًا غير مبرر، قد يُفهم كخضوع للضغوط الأمريكية.

لكن رامافوسا، برأيها، يدرك أن مواجهة ترامب قد تعزز موقفه السياسي داخليًا، وتمنحه زخما في مواجهة خصومه، تمامًا كما حدث في تجارب دول أخرى مثل كندا وأستراليا.

ترامب واستغلال خطاب “الإبادة الجماعية”

من جهة أخرى، يوظف ترامب ملف جنوب أفريقيا لأهداف انتخابية داخلية، حيث يخاطب قاعدة مؤيدة تُظهر حساسية تجاه قضايا العرق، وتؤمن بنظريات عن "اضطهاد البيض". 

وقد روجت إدارته لفكرة إعادة توطين لاجئين من البيض الجنوب أفريقيين، مستغلة هذه المزاعم لتوجيه رسائل رمزية عن القوة الأمريكية ومعاقبة من لا يرضخ لها.

عواقب محتملة وخسائر متبادلة

تحذر جافين من أن هذا النهج قد ينعكس سلبًا على المصالح الأمريكية، إذ قد تتضرر الشركات الأمريكية العاملة في جنوب أفريقيا، ويزداد ميل بريتوريا إلى التحالف مع روسيا والصين.

كما قد ينشأ جيل جديد من الجنوب أفريقيين يرى في واشنطن خصمًا يسعى لإفشال نموذجهم الديمقراطي متعدد الأعراق، بينما يستغل خصوم الولايات المتحدة هذه الأزمات لتأكيد صورتها كقوة دولية عدائية.

تفاهم محتمل.. أم هدنة مؤقتة؟

وتختتم جافين بأن أي تفاهم محتمل بين ترامب ورامافوسا لن يكون بداية مرحلة جديدة، بل على الأرجح تراجعًا مؤقتًا عن حافة الهاوية، إذ تظل الخلافات الأيديولوجية والضغوط الداخلية في كلا البلدين قائمة، وتشدهما في اتجاهين متعاكسين.

search