السبت، 14 يونيو 2025

09:12 ص

كما فعلها جوارديولا وريبيرو.. لماذا يعادي الإسبان دولة الاحتلال الإسرائيلي؟

خوسيه ريبيرو وبيب جوارديولا

خوسيه ريبيرو وبيب جوارديولا

محمود موسى

A .A

في وقت تتسابق دول أوروبية على تبرير القصف والدمار في قطاع غـزة، تقف إسبانيا على الجانب الآخر من المعادلة، بشعبها وساستها وحتى مدربي كرة القدم فيها.

ومن قلب مانشستر، خرج صوت بيب جوارديولا عاليًا ليهزّ صمت العالم، مرددًا رسالة مؤثرة: "الإنسانية لم تمت بعد"، حتى أن ابنته “ماريا” تعد من أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية على مستوى العالم أجمع.

من جوارديولا وابنته حتى دعم خوسيه ريبيرو مدرب الأهلي الجديد إلى مواقف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الجريئة في وجه آلة الاحتلال، وصولًا إلى قرار الدولة الرسمي بالاعتراف بفلسطين، تعبّر إسبانيا عن وجه أخلاقي نادر بين الدول الأوروبية.

هنا في مصر، دعم مدرب الأهلي الجديد، القضية الفلسطينية بعد ارتداء سوار يحمل "الحرية لفلسطين" خلال معسكر المارد الأحمر الإعدادي لخوض كأس العالم للأندية.

خطاب لا ينسى

بيب جوارديولا ليس مجرد مدرب تاريخي في ملاعب الكرة، وصناعة المجد مع برشلونة وبايرن ميونيخ ومانشستر سيتي، لكنه خارج المستطيل الأخضر لم يتردد يومًا في التعبير عن مواقفه الإنسانية، مهما كانت حساسة.

وألقى مدرب مانشستر سيتي خطابًا مؤثرًا حول معاناة غزة بعد حصوله على درجة فخرية من جامعة مانشستر، وتم تكريم الإسباني لمساهمته في المدينة خلال السنوات التسع الماضية.

وقال جوارديولا: "ما نراه في غزة مؤلم للغاية، يؤلمني في كل مكان، دعوني أكون واضحًا، الأمر لا يتعلق بالأيديولوجيا، الأمر لا يتعلق بأنني على حق وأنت مخطئ".

"الأمر يتعلق فقط بحب الحياة، ربما نعتقد أننا نرى أطفالًا وبنات في الرابعة من العمر يُقتلون بقنبلة أو يُقتلون في المستشفى الذي لم يعد مستشفى ونعتقد أن هذا ليس من شأننا".

"هذا ليس من شأننا، لكن كن حذرًا، الطفل التالي سيكون من شأننا، يؤسفني أن أرى أطفالي ماريا وماريوس وفالنتينا كل صباح منذ بدء الكابوس في غزة، وأنا خائف جدًا عليهم".

بيب جوارديولا في خطاب مؤثر عن الوضع في غزة: جميعنا جزء من هذه الإنسانية وقد  نكون الضحايا القادمين - موقع الحرية

أفعى وطائر

"هناك قصة تذكرني، غابة تحترق، جميع الحيوانات تعيش مرعوبة، عاجزة لكن الطائر الصغير يطير ذهابًا وإيابًا إلى البحر، ذهابًا وإيابًا حاملاً قطرات الماء في منقاره الصغير".

"ضحكت أفعى وسألته: "لماذا يا أخي؟ لن تُطفئ النار أبدًا، أجابها الطائر المسكين: "أجل، أعرف، فسألته الأفعى مجددًا لماذا تُكررها إذًا، فأجابته للمرة الأخيرة، أنا فقط أقوم بدوري".

"يعلم الطائر أنه لن يُطفئ النار، لكنه رفض أن يفعل شيئًا، في عالمٍ يُخبرنا دائمًا أننا أصغر من أن نُحدث فرقًا، تُذكرني هذه القصة بأن قوة المرء لا تكمن في حجمه، بل في قدرته على الاختيار، في رفض الصمت".

وسبق أن تحدث جوارديولا عن قضايا عالمية أخرى كالعنصرية، وفي عام 2017، دعا إلى إجراء استفتاء على استقلال كتالونيا بموافقة الحكومة الإسبانية.

وغُرم المدرب الإسباني لاحقًا من قبل الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم لارتدائه شريطًا أصفر دعمًا لقادة استقلال كتالونيا المسجونين.

الحرية لفلسطين

وكانت ماريا جوارديولا، ابنة المدرب الإسباني، من بين الذين دعموا القضية الفلسطينية في أكثر من مناسبة.
ولفتت ماريا الأنظار خلال احتفالات مانشستر سيتي بفوزه بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم قبل الماضي،ن إذ ظهرت بحقيبة مزينة بالكوفية.

ونشرت عبر حسابها على إنستجرام صورًا مؤثرة لضحايا الحرب على غزة، من بينها صورة لفتاة فلسطينية تحمل لافتة كُتب عليها: "قتل الأطفال ليس دفاعًا عن النفس".

كما ظهرت ماريا ترتدي قلادة كُتب عليها: "الحرية لفلسطين"، ولاقت تفاعلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي وقت سابق، نشرت ماريا رسالة مؤثرة لـ "إيفا" إحدى المؤثرات على مواقع التواصل الإجتماعي.

وتقول إيفا إنها تتفهم صعوبة التحدث علناً، ويقول المنشور “نكتفي بالجلوس ومشاهدة إبادة جماعية تحدث على التلفاز؟ ثم بعد عقود من الآن، عندما تُسجل في كتب التاريخ، سينظر الجميع إلى بعضهم البعض ويتساءلون: كيف حدث ذلك؟”

"لأول مرة، أفهم حقًا كيف تكررت الفظائع الجماعية عبر التاريخ، مرارًا وتكرارًا، نحن لا نتعلم أبدًا".
"ما عدد القتلى المطلوب قبل أن يتحدث أحدهم ضد هذا الجنون ويحث على ضبط النفس، لا مزيدًا من الأسلحة؟ ١٠ آلاف؟ ١٠٠ ألف؟ مليون؟ أكثر؟ متى سقط ما يكفي من الفلسطينيين؟".

"إننا نستطيع أن نعرب عن إدانتنا الكاملة لما تفعله الحكومة الإسرائيلية، ونؤكد أيضًا على إيماننا الراسخ بقيمة حياة الفلسطينيين".

تكريم مستحق

وبالعودة إلى ماريا التي لم تكتفِ بعملها عارضة أزياء ناجحة، بل تحولت إلى أيقونة عالمية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، بعد ظهورها مرارًا وتكرارًا مرتدية الكوفية الفلسطينية في مناسبات رياضية ودولية، ليتم تكريمها في تونس.

وشهد ملعب حمادي العكاري برادس، تكريم النادي الإفريقي التونسي لماريا جوارديولا، على هامش مباراة ديربي العاصمة ضد الترجي، ضمن منافسات الجولة السابعة والعشرين من الدوري التونسي للموسم المنصرم.

جاء التكريم خلال حفل استقبال خاص، أهدى فيه مسؤولو النادي الإفريقي لماريا قميص الفريق، مصحوبًا بكوفية فلسطينية، تعبيرًا عن تقديرهم لمواقفها الإنسانية الداعمة للقضية الفلسطينية.

تاريخ من الخلافات بين إسرائيل وإسبانيا

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" بدأت العلاقات الثنائية بين البلدين تتأزم عقب الحرب العالمية الثانية، حين عارضت إسرائيل انضمام إسبانيا إلى منظمة الأمم المتحدة، بسبب علاقة مدريد الوثيقة آنذاك بـ"ألمانيا النازية"، خلال الحقبة التي تلت الحرب العالمية الثانية.

ووجدت إسبانيا نفسها معزولة دوليًا، مستبعدة من الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وتواجه عداء بريطانيا وفرنسا، وسعى نظام الجنرال فرانكو إلى تعزيز تحالفاته البديلة، فوطد علاقاته مع العالم العربي.

ولعبت الدول العربية دورًا محوريًا في دعم إسبانيا للانضمام إلى الأمم المتحدة عام 1955، كما ساعدت في تحسين صورتها لدى الولايات المتحدة.

ولم تعترف إسبانيا بإسرائيل إلا في عام 1986، بعد انضمامها إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية، وكانت آخر دولة أوروبية تقوم بذلك. 

وتأزمت العلاقة بين البلدين مرة أخرى في عام 2006، بعد أن ظهر رئيس الوزراء الإسباني حينها بالكوفية الفلسطينية.

وانتقد القوة الغاشمة لإسرائيل ضد لبنان، وفي عام 2014 تبنت إسبانيا قرارا غير ملزم يدعو للاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، قبل موقفها الأخير من الاعتداءات الإسرائيلية على غزة.

الحنين إلى الأندلس 

منذ العصور الوسطى، أطلق اليهود على إسبانيا اسم "سفاراد"، وهو الاسم المذكور في سفر عوبديا في الكتاب المقدس كمكان منفى ليهود القدس.

وتسعى إسبانيا إلى لعب دور مركزي في إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، بعد أن كانت نفسها منفية دبلوماسيًا لعقود من قبل اليهود.

وذكر منشور سابق لصفحة “إسرائيل بالعربية” في مارس الماضي هجوما على إسبانيا "في مثل هذا اليوم من عام 1492، أصدرت إسبانيا الكاثوليكية مرسوم الطرد لليهود والمسلمين، لمن يرفض اعتناق المسيحية، ما أدى إلى تهجير قسري لليهود من الأندلس وحرمانهم من ممتلكاتهم وأموالهم بعد  قرونٍ من التعايش مع المسلمين في ظل الحكم الإسلامي".

"أدى ذلك إلى تشريد ما بين 100-200 ألف شخص توجهوا إلى الدولة العثمانية، وشمال إفريقيا، وإيطاليا، والبرتغال".

ويظهر المنشور كيف تحاول إسرائيل تشويه صورة إسبانيا بعد دعم اللامحدود لفلسطين بعد اعتداء الكيان الصارخ على غزة.

إسبانيا تدعم فلسطين

"ربما تكون إسبانيا الدولة الغربية الوحيدة، إلى جانب أيرلندا، التي تدعم القضية الفلسطينية، لقد أدانت إسرائيل بشدة، ودعوا إلى وقف إطلاق النار، والاعتراف بفلسطين كدولة". 

"حتى أن ملك إسبانيا انتقد إسرائيل بشدة، وقال إن ما يحدث في غزة أمرٌ مروع. منعت إسبانيا السفن الإسرائيلية التي تمر عبر مضيق جبل طارق التي تحمل موارد وأسلحة، مما يجعلها الدولة الأوروبية الوحيدة التي تغلق طرق التجارة، بصراحة، تستحق إسبانيا المزيد من التقدير على ما تفعله من أجل الفلسطينيين" إحدى التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي.

JPEG - 197.5 كيلوبايت

منذ اندلاع حرب الكيان المدمرة على غزة ردًا على هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، برز الدعم الإسباني لفلسطين كأحد المواقف الأكثر تميزًا بين دول أوروبا، ما أثار انتقادات لاذعة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. 

وتُعد العلاقات الدبلوماسية بين إسبانيا وفلسطين من بين الأقوى والأكثر ثباتًا على الساحة الأوروبية. 
ويُجسّد اختيار مدريد لاستضافة مؤتمر السلام في عام 1991 الذي شكل انطلاقة تاريخية للمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، عمق الاهتمام الإسباني بالقضية الفلسطينية.

على مدار العقود الماضية، شهدت العلاقات بين البلدين سلسلة من الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى، بدءًا من زيارات الرئيس الراحل ياسر عرفات، وصولًا إلى الرئيس محمود عباس، فضلًا عن الزيارات الرسمية المتكررة من رؤساء إسبانيا إلى رام الله.

JPEG - 405.1 كيلوبايت

نحو الاعتراف بدولة فلسطين

في 18 نوفمبر 2014، اعتمد البرلمان الإسباني قرارًا يدعو الحكومة للاعتراف بدولة فلسطين، وصوّت لصالحه 319 نائبًا، مقابل اعتراض نائبين وامتناع نائب واحد، في خطوة عكست الإجماع السياسي الواسع بشأن دعم فلسطين.

وعقب بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2023، شدد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، في ديسمبر من نفس العام، على عزم حكومته المضي قدمًا نحو الاعتراف بدولة فلسطين، حتى في حال غياب توافق داخل الاتحاد الأوروبي، مؤكدًا أن الاعتراف سيتم بشكل أحادي إن لزم الأمر.

وفي 16 أبريل 2024، أكد سانشيز هذا الالتزام، لتعلن بالفعل في 22 مايو 2024، بالتزامن مع النرويج وأيرلندا، اعترافها الرسمي بدولة فلسطين.

ورحبت القيادة الفلسطينية بهذه الخطوة، معتبرة إياها دعمًا مهمًا للعدالة الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني.

ووقفت إسبانيا بشعبها وساستها وحتى مدربي كرة القدم فيها، لتقول كلمتها دون مواربة فلسطين تستحق الحرية والكرامة والاعتراف، فالإنسانية، رغم كل شيء، لم تمت بعد.

search