الخميس، 19 يونيو 2025

12:24 ص

هل يعود الشاه؟.. هيكل توقع إطاحة أمريكا بـ"مرشد إيران" قبل 18 سنة

الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل

الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل

محمد سامي الكميلي   -  

A .A

لا يزال الصراع العسكري بين إسرائيل وإيران ملتهبًا ويلقي بظلال رمادية على المنطقة بأسرها، وتمتد أصداؤه إلى آخر أصقاع الأرض، ومع تنامي هذا الصراع تبرز تحليلات سياسية وعسكرية عِدة حول أهداف الولايات المتحدة (الداعمة للطرف الإسرائيلي) وما تسعى لتحقيقه على خلفية هذا الصدام بين القوتين المتصارعتين في منطقة الشرق الأوسط.

رؤية هيكل للهجوم الأمريكي على إيران

نظرة متأنية إلى عقل الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل (1923-2016) وما كان يمتلكه من رؤى سياسية عميقة، قد تمنحنا إجابات شافية لكل ما يدور من أحداث لاهثة في منطقتنا، ويبقي تحليل سابق للكاتب الراحل في عام 2007 الأبرز حول ماهية الأهداف الحقيقية وراء الهجوم الأمريكي على إيران.

التحليل الذي مر عليه 18 عامًا جرى تداوله على نطاق واسع مجددًا، بالتزامن مع اشتعال الحرب بين تل أبيب وطهران، لا سيما أن هيكل قدّم رؤية تحليلية كاملة وعميقة، عندما ظهر في لقاء تلفزيوني على إحدى القنوات الإخبارية العربية في عام 2007.

إيران ليست العراق

هيكل قال إن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تسعيان إلى ضرب إيران بشكل مباشر، بل إن هدفهما الأساسي هو استهداف النظام الحاكم في طهران، موضحًا أن الحالة الإيرانية مختلفة عمّا كان موجودًا في العراق من حيث الموقع الجغرافي والظروف السياسية المحيطة.

ويظل تحليل الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، الذي أدلى به عام 2007، ذا صلة وثيقة بما نشهده اليوم، حيث شرح بعمق دوافع السياسة الأمريكية تجاه إيران، وأشار إلى أن الهدف ليس تدمير إيران كدولة، بل استهداف النظام الحاكم فيها.

الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل

الحزام الشمالي

وأشار هيكل إلى أن السياسة الأمريكية ترتكز على ما يسمى بـ"الحزام الشمالي"، وهو تحالف غير رسمي يضم تركيا وإيران وإسرائيل، يعمل كطبقة عازلة للحفاظ على الاستقرار النسبي في الشرق الأوسط، مؤكدًا أن هذه السياسة لم تتغير حتى الآن، حيث تعتمد أمريكا على هذا الحزام مع إسرائيل في المنتصف كعنصر استراتيجي رئيسي.

وأضاف أن الهدف الأمريكي يتمثل في إعادة إيران إلى نظام سياسي مشابه لنظام الشاه السابق، وهو النظام الذي يحافظ على مكانة الحزام الشمالي الاستراتيجية في المنطقة.

النظام الإيراني الحالي

النظام الإيراني الحاكم حاليًا يجمع بين الجمهورية والإسلام السياسي، حيث تتصدر القيادة الدينية المشهد السياسي من خلال المرشد الأعلى (يتم اختياره من قبل مجلس خبراء القيادة وهو مجلس ديني منتخب شكليًا)، وتوجد مؤسسات منتخبة مثل رئاسة الجمهورية ومجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، وتعتبر سلطتها محدودة بسبب رقابة مجلس صيانة الدستور، الذي يراجع القوانين ويوافق على المرشحين للانتخابات. 

الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل

تحذيرات هيكل

هيكل في ذلك الحديث الهام حذر من أن توجيه ضربة عسكرية تقليدية لإيران من شأنه أن يثير حفيظة الشعب الإيراني، ويؤدي إلى توحيده خلف قيادته، ما يجعل الصراع طويل الأمد وعميقًا، وهو أمر تسعى أمريكا إلى تجنبه، حيث قال: "أمريكا لا تقصد ضرب إيران تقليديًا لأن ذلك سيؤدي إلى توحيد الشعب مع القيادة، والرأي العام داخل إيران قوي جدًا".

البرنامج النووي الإيراني

وذهب الكاتب الصحفي الكبير إلى أن القضية الأساسية ليست البرنامج النووي الإيراني، فقد أصبح المشروع النووي قضية قومية ويحظى بتأييد واسع من قِبل الشعب الإيراني، وهو لا يمثل تهديدًا وشيكًا في الوقت الراهن (حينذاك).

وأشار إلى أنَّ السياسة الأمريكية تستهدف في المقام الأول تغيير النظام وليس تدمير الدولة أو الدخول في حرب شاملة، لافتًا إلى أن التركيز الأمريكي ينصب على استهداف الحرس الثوري الإيراني.

النووي الإيراني

حديث ترامب عن النووي الإيراني

تلك الرؤية التي طرحها هيكل قبل 18 عامًا، تتناغم إلى حد التطابق مع المشهد الحالي الحادث على أرض الواقع، فمع تصاعد الصراع العسكري بين إسرائيل وإيران، طالب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إيران بالاستسلام غير المشروط، ملوّحًا بأن أمريكا قد تشارك عسكريًا في الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية، وأكد أن إسرائيل تعرف جيدًا كيفية استخدام الدعم الأمريكي المتاح لها.

وقال ترامب، إن إيران قريبة جدًا من الحصول على سلاح نووي، مناقضًا تقييمات مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي جابرد، التي قالت إن "إيران لا تسعى حاليًا لامتلاك سلاح نووي".

وقد يفهم من ذلك أن ترامب يسعى إلى تدمير المشروع النووي الإيراني فقط، لكن المنطق يقول أن لدى الولايات المتحدى هدفًا أبعد من ذلك وهو الإطاحة بالمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، فقد وجه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب سلسلة تحذيرات لإيران، بعد خمسة أيام من اندلاع الصراع العسكري، قائلًا إن خامنئي “هدف سهل” وأن "صبر أمريكا ينفد".

رأس المرشد

ويشير هذا التصريح الواضح على لسان ترامب إلى أن الهدف ليس تدمير إيران بقدر ما هو الوصول إلى “رأس المرشد”، ويفسر ذلك ما كتبه ترامب في منشور على منصته "تروث سوشيال": "نعرف بالضبط أين يختبئ ما يُسمى بـ(المرشد الأعلى). إنه هدف سهل، لكنه آمن هناك - لن نقوم بالقضاء عليه (قتله!)، على الأقل ليس في الوقت الراهن. لكننا لا نريد إطلاق صواريخ على المدنيين أو الجنود الأمريكيين. صبرنا ينفد. شكرا لاهتمامكم بهذا الأمر".

حديث نتنياهو عن النووي الإيراني

ويعزّز الفكرة ذاتها، ما تخطط له تل أبيب حاليًا، حيث صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أيام، بأنَّ الهدف النهائي للهجمات الإسرائيلية على إيران هو "إسقاط نظام آيات الله"، وليس فقط تعطيل البرنامج النووي، مشيرًا إلى أن إسرائيل حصلت على وثائق تُثبت سعي إيران لتطوير سلاح نووي.

رسائل نتنياهو للشعب الإيراني

وبعث نتنياهو، عدة رسائل للشعب الإيراني مع احتدام العدوان الإسرائيلي الإيراني، إذ حرض على النظام الإيراني، قائلًا إن "هناك شيئًا واحدًا يخيف نظام خامنئي أكثر من إسرائيل، وهو الشعب الإيراني نفسه"، مضيفًا أن مستقبل إيران بدون نظام الجمهورية الإسلامية سيأتي أسرع مما يتصورون.

المخاطر المحتملة لتوسيع الصراع

وبالعودة إلى تحليلات هيكل، نجد أنه أشار بوضوح إلى المخاطر المحتملة لتوسيع نطاق الصراع، لا سيما في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، التي وصفها بأنها "لغم قابل للانفجار" قد يفاقم الأوضاع الأمنية في المنطقة.

ويأتي ذلك التحذير من توسع دائرة الصراع بين إسرائيل وإيران، ليؤكد كل وجهات النظر المتوازنة بشأن القضية ذاتها، ومن بينها تحذير مصر من تمدد الصراع وتأثيراته السلبية على دول المنطقة.

الصراع المكتوم يخرج إلى العلن

ويبدو أن الكاتب الراحل كانت لديه رؤية استشرافية لمستقبل الصراع المكتوم بين تل أبيب وطهران، قبل أن يخرج إلى العلن أخيرًا، إذ ذهب هيكل في تحليله إلى أن الضربة الأمريكية لإيران “ليست وشيكة”، وزاد على ذلك بقوله: “حتى إن حدثت هذه الضربة، فلن تكون بالطريقة التي يتخيلها البعض، خاصة في ظل تجربة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش”.

انتهت تحليلات هيكل.. تحقّق كل ما قاله بالحرف الواحد تقريبًا، وبقي في جعبته تصريح أخير ترك من خلال باب التوقعات مفتوحًا بشأن الطريقة التي يمكن أن تخوض بها الولايات المتحدة حربها المباشرة على إيران، واختصر رؤيته في هذا الصدد بعبارة قالها بكل ثقة: "الإيرانيون لديهم يقين بأن الضربة الأمريكية ليست وشيكة، وإذا حدثت فلن تكون بالشكل الذي يتصوره البعض”.

search