يوم الأب المصري.. وفاء زوج الأم الذي صنع حسين الشحات وأمسك باليد والحلم معًا

دخل إلى حياة طفل لم يُكمل عامه الأول، لم يحمل اسمه، لكنه قرر أن يكون له كل شيء، الأب، المدرب والقدوة، ربّى حسين الشحات كأنما خُلق من صلبه، فهو أول من اصطحبه إلى ملاعب كرة القدم. 

ولم يكن الطفل الصغير الذي يسكن مدينة السلام يدرك أن رحلته اليومية إلى نادي مدينة نصر بمساعدة زوج والدته، ستُصبح فيما بعد قصة كفاح تُروى.

هنا تبدأ حكاية حسين الشحات، حكاية الحُلم الذي كان يبدأ كل صباح بمواصلتين أو ثلاثة، ومن ثم أحلام في “الميكروباص”.

حسين الذي عمل في محطة وقود، ونام على الأرض، وذهب للتمرين وعاد ليكمل العمل من أجل نفسه، ومن أجل أمّ عظيمة، ورجل لم يكن والده لكنه كان صاحب الفضل فيما وصل إليه نجم الأهلي ومنتخب مصر.

ونستعرض قصة حسين الشحات مع زوج والدته (والده) في عيد الأب المصري كالتالي:

معنى الحنية

"لا يغفو قلب الأب، إلا بعد أن تغفو جميع عيون أطفاله" تلك الجملة تعبر عن حال الآباء مع أبنائهم.

ويروي حسين معاناته قائلًا: "توفي والدي حين كنت طفلًا رضيعًا، لم أكن قد أكملت عامي الأول بعد، كنت في حدود 10 أو 11 شهرًا".

"الحياة لم تكن سهلة، لم تكن هناك أي لحظة مريحة، لا توجد في هذه الدنيا حياة بلا مشقة"

"لم أر والدي قط، لكن إخوتي الكبار رأوه، لديّ أربع أخوات بنات وأخي محمد، بارك الله فيه".

"وبعد فترة، تزوجت والدتي من رجل آخر، وبصراحة، كان يعاملنا بطريقة لا أجد لها وصفًا سوى أنه كان أكثر من والدٍ لنا".

"سبحان الله، كان مثالًا للعوض الجميل، كلمة حنون لا تكفي لوصفه، كانت كل معاني (الحنية) مجتمعة فيه، كان حاضرًا معنا جميعًا، في كل تفاصيل البيت والحياة".

"كان أكثر من مجرد والد، كنت أناديه بـ"بابا"، وهو مسجل في هاتفي بهذا الاسم، هو ووالدتي تحمّلا كل المسؤولية، وتولّيا تربيتي بالكامل، في كثير من الأوقات، كانا يمثلان معًا دور الأب والأم".

"هو من جعلني أحب كرة القدم، كنت في الرابعة من عمري حين أخذني إلى نادي مدينة نصر كان مدربًا هناك بالفعل، وضمني إلى مدرسة الكرة هناك، علّمني كل شيء، رباني كرويًا، وظل يدعمني في كل خطوة".

"كان يذهب معي دائمًا، ويشرف على تدريبي، كنت أتدرب مع من يكبرونني، رغم أنني كنت أقول له إنهم يضربونني في اللعب، لكنه كان يصرّ على أن أتمرن معهم، وكان دائمًا يحمّسني ويشجعني".

"الطريق لم يكن سهلًا، لقد تعبت كثيرًا و(شقيت)، واعتمدت على نفسي".

معاناة في محطة الوقود

"عملت في وظائف متعددة، لكن أكثر تجربة أفخر بها بحق، كانت عملي في محطة الوقود"

"كنت أنام على الأرض بعد نوبات عمل طويلة تصل إلى 8 ساعات، كنا نتناوب فيما بيننا؛ اثنان ينامان واثنان يعملان".

"كنت أعمل مع زوج أختي، وأخي، وابن خالتي، وصديقي، وابن أختي، كنا جميعًا معًا، وكان زوج أختي هو المدير، وأنا معهم يوميًا".

"كنت أذهب للتمرين ثم أعود لأكمل العمل، كنت أحيانًا أنام في الميكروباص من شدة التعب، أعود منهكًا، أنام ساعتين أو ثلاث، ثم أستيقظ مجددًا للعمل".

الحلم في "الميكروباص"

لعبت في الثانية عشرة من عمري مع الفريق الأكبر مني سنًّا ثم بدأت المشاركة في مباريات الدوري، وصعدت تدريجيًّا في كل الفئات السنية.

حسين كان من مواليد 1992، ولم تكن هناك فرقة مخصصة لهذا الجيل، فكان يشارك مع مواليد 1991، وأحيانًا يصعد للعب مع مواليد 1990.

عاش الشحات في مدينة السلام، ونادي مدينة نصر كما هو معلوم، قبل نادي السكة الحديد، كان يركب "مواصلة" واحدة أثناء الذهاب، وفي طريق العودة كان يضطر إلى تغيير مواصلتين أو 3، حسب الظروف.

ويقول الشحات "كنت أحلم، أُغمض عيني في الميكروباص، وأتخيل نفسي يومًا ما أحقق حلمي، حتى وإن كنت عائدًا من السفر متعبًا، وأنام، كان الحلم لا يفارقني".

"كان عندي حلم واحد، أن أصبح لاعب كرة قدم كبير، أن ألعب لنادٍ كبير مثل الأهلي، أو أن أحترف في الخارج".

خطأ إداري

من سن 4 سنوات وحتى 18 سنة، كان يذهب يوميًا من مدينة السلام إلى نادي مدينة نصر.

وكان زوج والدته معه دائمًا، حتى وإن لم يكن مدربه المباشر في مراحل سنية مختلفة.

 لعب الشحات في دوري الشركات مع شركة الإنشاء والطرق وفي إحدى المباريات ضد الشرقية للدخان تألق بشدة في مركز الظهير الأيمن على الرغم من كون مركزه الأساسي جناح.

وبين الشوطين، تحدث مدربو الشرقية للدخان لضم الشحات، وأرسل النادي أكثر من "فاكس" لضم اللاعب، لكن النادي طلب 20 ألف جنيه، ليرفض الشرقية للدخان دفع المبلغ، كما كان قريبا قبلها من الانتقال إلى المقاولون العرب.

تدخل القدر بعد نسيان تسجيل اسم اللاعب في قائمة الفريق بعد خطأ إداري، ليرحل إلى الشرقية للدخان، ثم ترك العمل في محطة الوقود.

تألق حسين الشحات بشكل رائع، وسجل أهدافا مميزة خاصة هدفه في مرمى الترسانة على طريقة هدفه في مرمى الوداد المغربي لاحقا مع الأهلي بدوري أبطال أفريقيا.

تفاوض الزمالك مع الشحات خلال تواجده مع الشرقية للدخان إلا أنه انتقل حينذاك إلى مصر للمقاصة.

تحت قيادة "البوب"

أكمل حسين الشحات تألقه مع مصر المقاصة تحت قيادة الراحل إيهاب جلال. 

لعب حسين الشحات 85 مباراة، وسجل 16 هدفا وقدم 18 تمريرة حاسمة، وحصل مع الفريق على المركز الثاني في بطولة الدوري المصري.

دخل الأهلي في مفاوضات مع اللاعب، ليوقع بالفعل مع عصام سراج مدير التعاقدات، لكن الصفقة تأجلت بسبب خوض الأهلي مباراة السوبر أمام المصري.

قرر الأهلي التركيز على البطولة، ثم العمل على صفقة حسين الشحات، وتواصل الأخير أكثر من مرة مع مدير التعاقدات لكن أكد الأخير أن الأحمر يركز على اللقب ولن يدخل في مفاوضات في الوقت الحالي.

حصل الشحات على عرض من العين الإماراتي، لينضم إلى الفريق، ومن المفارقات أن أولى مبارياته كانت أمام الوصل ليسجل هدفا على ملعب هزاع بن زايد، وهو نفس الملعب الذي أقيم عليه مباراة الأهلي والمصري البورسعيدي في السوبر المحلي، في نفس اليوم، ليتوج المارد الأحمر باللقب.

المجد مع الأهلي

تألق الشحات خلال فترة إعارته للنادي الإماراتي، ليقرر الأخير التعاقد مع اللاعب بشكل نهائي مقابل 2.7 مليون دولار.

وأثبت أنه صفقة ممتازة للفريق، بعدما سجل 15 هدفا وصنع 17 آخرين في 35 مباراة مع النادي الإماراتي.

عاد الأهلي مجددا للتعاقد مع هدفه القديم ليتعاقد مع الشحات مقابل 4.7 مليون دولار في صفقة قياسية للاعبين المصريين.

قدم الشحات مستوى رائع مع المارد الأحمر، إذ سجل 61 هدفا وقدم 58 تمريرة حاسمة في 271 مباراة مع الفريق.

وتُوّج الشحات خلال مسيرته مع الأهلي بـ18 لقبًا، أبرزها الدوري المصري ثلاث مرات (2018–2019، 2019–2020، 2022–2023)، وكأس مصر ثلاث مرات (2020، 2022، 2023)، وكأس السوبر المصري ثلاث مرات (2019، 2023، 2024)، إلى جانب دوري أبطال أفريقيا أربع مرات (2020، 2021، 2023، 2024)، وكأس السوبر الأفريقي مرتين (2020، 2021).

لحظة الوداع

لم يكن والد حسين الشحات حاضرًا في حياته، لكن زوج والدته كان رفيق رحلته الشاقة حتى لعب في أفضل المستويات وحقق حلمه باللعب للأهلي ومنتخب مصر والاحتراف في الخارج.

توفي (زوج والدته) الذي كان له الفضل فيما وصل إليه الشحات، في 28 مارس 2023، ليقول الأخير "حتى الآن لا أصدق يا حبيبي، من سيكلّمني بعد المباريات، ويُصحح لي أخطائي، ويعاتبني إن لم أكن موفقًا؟".

"من سيقول لي: (أنت أفضل لاعب في مصر، استمر كما أنت، واضغط على نفسك من جديد؟".

"من سيفي بوعده لأولادي أحمد وأسر وتيم، ويعلمهم كرة القدم كما علّمتني، ووعدهم بأن تجعلهم أفضل مني؟ بماذا أُخبرهم الآن؟".

"أشعر وكأنني في حلم، يا رب يكون حلم وأستيقظ فأراك مجددًا، وأحضنك، أنت في مكان أفضل الآن، عند ربٍّ هو أرحم وأحنّ منّا جميعًا، رحمك الله يا حبيبي، يا رب."

"لم يكن هناك أحنّ منك، ولا أطيب قلبًا منك، طوال عمرك طيب، وتحب المزاح والضحك، كما كنت في كل الصور".

"كنت أبحث عنك بين الناس، كنت أنتظرك أن تأتي، والله كنت أشعر أني سأراك، كنت أتمنى أن تكون موجودًا، لترى كم من الناس كانت حاضرة، وكم من القلوب تُحبك.. رحمك الله يا أبي، يا رب".

في حكاية حسين الشحات، لم تكن البطولة فقط في عدد الأهداف، ولا في عدد البطولات، ولا حتى في لحظة رفع الألقاب أمام آلاف الجماهير.. البطولة الحقيقية، كانت في الرحلة الشاقة، في كل ميكروباص حمل حلم اللاعب، في كل خطوة خطاها وراء أبٍ لم يُنجبُه، لكنه ربّاه حبًا، وعلّمه الحياة.

قال رسول الله ﷺ: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة"، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى وفرّج بينهما.