الأربعاء، 25 يونيو 2025

09:35 م

رغم الهجوم الإيراني.. لماذا انهارت أسعار النفط في 20 دقيقة؟

أحد مواقع الهجمات الإيرانية

أحد مواقع الهجمات الإيرانية

حسن راشد

A .A

شهدت أسواق النفط العالمية اضطرابًا غير معتاد، عقب إطلاق إيران لصواريخ على قاعدة جوية أمريكية في قطر، في ردٍ على ضربات إسرائيلية طالت منشآت نووية إيرانية قبل أيام.

لكن المفاجأة لم تكن في التصعيد العسكري ذاته، بل في رد فعل السوق، الذي شهد انخفاضًا حادًا وسريعًا في الأسعار، وليس ارتفاعًا كما كان متوقعًا في مثل هذه الحالات.

أسعار النفط

ففي غضون 7 دقائق فقط من إطلاق الصواريخ، حوالي الساعة 5:30 مساءً بتوقيت لندن، بدأ خام "برنت" – المعيار العالمي – بالانخفاض، وخلال 20 دقيقة فقط، وصلت الخسائر إلى 3%، بحسب فايننشال تايمز.

وبحلول الساعة 7:30 مساءً، هوى سعر برميل النفط بنسبة 7.2% ليصل إلى 71.48 دولارًا، مسجلًا أكبر تراجع يومي له منذ نحو 3 سنوات.

هذا الهبوط الصادم، في وقت يفترض أن ترتفع فيه الأسعار جراء تصاعد المخاطر الجيوسياسية، فاجأ كثيرون في السوق.

ورغم لجوء المدنيين إلى المخابئ، وبث وسائل الإعلام صورًا للصواريخ وهي تخترق سماء الليل، بدا المتداولون واثقون من أن ما يحدث ليس سوى استعراض محسوب، لن يؤدي إلى تصعيد فعلي يعطل تدفق النفط أو يعيد رسم خريطة المخاطر في الخليج.

تحليل الوضع

وقال المحلل في "أونيكس كابيتال"، خورخي مونتيبيكي، في رسالة نصية بعد الهجوم مباشرة: "الأمر مدبر.. نعلم أن القاعدة فارغة.. كنت أعلم منذ 18 يونيو أنها أُخليت.. لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل".

منذ اندلاع المواجهات بين إسرائيل وإيران، كان تجار النفط يعتمدون بشكل كبير على مصادر مفتوحة، من بينها صور الأقمار الصناعية وتغريدات على تويتر، لتحليل الوضع. 

مسؤول تنفيذي في شركة كبرى لتجارة النفط، قال: “الجميع يتابع تويتر وOSINT (المصادر المفتوحة) لنفهم ما يجري”، من ضمن تلك المؤشرات: “صور حديثة أظهرت إخلاء قاعدة العديد الجوية في قطر من الطائرات الأمريكية قبل أيام من بدء الضربات”.

هذه المعلومات دفعت المتداولين لتبني استنتاجين رئيسيين: “أولًا، أن الهجوم الصاروخي الإيراني رمزي إلى حد كبير، وثانيًا، أن طهران، بعد إظهارها لرد قوي على الضربات الأمريكية، لن تُقدم على تصعيد يهدد البنية التحتية النفطية، التي تُعد خطًا أحمر في المنطقة”.

تدفق النفط

ولم يتأثر تدفق النفط والغاز في المنطقة رغم الاشتباكات، بل زادت إيران من صادراتها، بحسب شركة "ريستاد" الاستشارية في الطاقة، نتيجة لتراجع قدرتها على التكرير المحلي، ما يسلط الضوء على سمة أساسية في سوق النفط: “القدرة على التكيف ومواصلة تدفق البراميل حتى في ظل اضطرابات تهز صناعات أخرى”.

وتكرر سيناريو يوم الإثنين قبل أسبوع، عندما ارتفعت الأسعار 5.5% في أعقاب هجمات إسرائيلية على منشآت نفطية إيرانية، قبل أن تتراجع سريعًا بمجرد ظهور مؤشرات على أن طهران تميل إلى التهدئة لا التصعيد، وكلا الحالتين تعكسان تركيز السوق على سؤال محوري: “هل ستُهدد إيران مضيق هرمز؟”.

مُؤسسة شركة "إنرجي أسبكتس" للتحليلات، أمريتا سين، قالت: "كان الجميع يركزون على احتمال استهداف مضيق هرمز، وعندما اتضح أن هذا لن يحدث، انهارت علاوة المخاطر".

وأضاف مسؤول تنفيذي في شركة نفط عالمية، أن النمط أصبح واضحًا: “أي صدمة جيوسياسية ترفع الأسعار سرعان ما تتلاشى”، وقال: "هذا لا يشبه حرب روسيا وأوكرانيا.. هنا، السوق يبيع أي ارتفاع مبالغ فيه بسرعة".

وأكد مونتيبيكي نفس الرأي، موضحًا أن البيع السريع أصبح هو الأسلوب المتبع حاليًا: "لو قرأت السوق صح، ستدخل وتكسب، وبعدها تبيع فورًا لتأمين الربح".

حجم المعروض

ورغم أن ارتفاع أسعار النفط قبل الهجوم الإسرائيلي الأولي كان إشارة على أن السوق استشعر بداية حرب، فإن المتداولين لم يغامروا كثيرًا، أحد الأسباب: “تخمة المعروض العالمي، إذ رفعت أوبك+ إنتاجها، كما يواصل منتجو النفط الصخري الأمريكي الإنتاج عند مستويات قياسية”.

خبيرة الطاقة في بنك "RBC"، هيليما كروفت، قالت إن إدارة بايدن لم تلجأ إلى السحب من الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي رغم الاضطرابات، لأنها "واثقة من وجود بدائل كافية لتعويض أي نقص".

وتشير توقعات عدة إلى أن العالم سيواجه فائضًا في المعروض النفطي بنهاية العام، ما سيضغط على الأسعار أكثر، وتقول السيناتور: "الجميع يعتقد أن الأسعار ستتراجع إلى 50 أو 60 دولارًا للبرميل بمجرد زوال التهديدات".

وقف إطلاق النار المؤقت بين إسرائيل وإيران، بوساطة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أشعل موجة بيع جديدة في السوق يوم الثلاثاء، حيث تراجع خام برنت 6.1% ليهبط إلى ما يزيد قليلًا عن 67 دولارًا، أي أقل من سعره قبل بدء الحرب.

وقال أحد التجار: “الشعور العام أن إيران استنفدت خياراتها، وإغلاق المضيق سيؤذي الصين فقط، وهي آخر حليف مهم لطهران”، وأضاف: "إسرائيل أيضًا لن تفعل أكثر من ذلك. التهديد النووي خف، وأي خطوة إضافية ستُقابل برفض عالمي".

من جهة أخرى، ساهم تمركز المتداولين في سوق الخيارات – وهي مشتقات تصبح أكثر قيمة مع تقلب الأسعار – في تفاقم هبوط السوق، فمع انخفاض أسعار النفط، اضطر متداولون كُثر إلى بيع المزيد من العقود الآجلة لتغطية خسائرهم، ما زاد من الضغط على الأسعار.

الرئيس السابق لشركة "كوتش جلوبال بارتنرز" لتجارة السلع، إيليا بوشويف، قال: "عندما بدأ برنت في الانخفاض، زادت احتمالية دفع المتداولين مبالغ كبيرة، فاضطروا للبيع لتقليل الخسائر، ما عمّق الانهيار". 

وأكد الوسيط في شركة "ماريكس"، آل مونرو، أن السوق شهد "اندفاعًا مجنونًا نحو الأعلى، ثم اندفاعًا مجنونًا نحو الأسفل".

search