من النيل للفرات.. الشفرة الوراثية المصرية تكشف أسرارا جديدة

أقدم حمض نووي مصري
لأول مرة في التاريخ تمكن مجموعة من العلماء، من تتبع أقدم تسلسل مجموعة كاملة من الحمض النووي لرجل مصري قديم، يعود تاريخه إلى عصر بناء الأهرامات.
الحمض النووي لصانع فخار
وأظهرت التحاليل المنشورة في مجلة “نيتشر”، أن بقايا الجثمان تعود إلى صانع فخار ذي مكانة مرموقة، قد بلغ من العمر 60 عامًا تقريبًا، وبتحليل شفرته الوراثية، تبين أن 20 % من أسلافه ذو صلة قرابة بأشخاص في غرب أسيا، تحديدًا العراق وإيران، والأردن.
وما أثار دهشة العلماء وجود صلة وترابط بين مصر وبلاد ما بين النهرين- دجلة والفرات-، اللتي كانت من أكثر المجتمعات تعقيدًا على وجه الأرض.
جينوم المصريين القدماء
وقالت أدلين موريز المؤلفة الرئيسية للدراسة خلال مؤتمر صحفي: "كانت نتائج الدراسة مثيرة للاهتمام، لأننا نعلم أن من علم الآثار أن الحضارتين متأثرتين ببعضهما البعض، فقد تشاركتا على سبيل المثال ممارسات تربية الحيوانات المستأنسة وأنظمة الكتابة.

وبالرغم من أن القطع الأثرية وفرت فهمًا عامًا للحياة المصرية القديمة، إلا أن التحليل الجيني كان نادر النتائج، نظرًا لسوء حفظ الحمض النووي، وتدهور بعضها بفعل الحرارة، إذ لم يجر تحليل لجينوم المصريين القدماء إلا على ثلاثة أفراد فقط، وكانت هذه العينات أكثر حداثة بنحو ألف عام من المقام عليها الدراسة الحالية.
استرجاع الحمض النووي
لكن الآن بفضل التكنولوجيا المحسنة، تمكن العلماء من تحليل الجينوم الكامل لصانع الفخار الذي دفن في قرية النويرات جنوب القاهرة، والذي تم اكتشافه قبل 100 عام من الآن وعرض في متحف ليفربول العالمي.

وبفضل تقنية دفنه المعقدة التي فاقت تقنية دفن العائلة الملكة، تمكن العلماء من استخراج حمض نووي صالح للدراسة.
وأوضح لينوس جيرلاند أحد المشاركين في الدراسة، أنه هو وفريقه، خضعوا لتدريبات مكثفة على مدار 15 عامًا للتمكن من سحب عينات دقيقة للغاية من الهياكل العظمية القديمة، لتعزيز فرصة استرجاع الحمض النووي.
وقد عثر على بقايا صانع الفخار في إناء فخاري داخل مقبرة منحوتة في الصخر، قبل انتشار أساليب التحنيط، وهو ما ساعد على الحفاظ على الحمض النووي طوال هذه الفترة بدرجة حرارة ثابتة.
عصر بناء الأهرامات
وقام العلماء بسحب عينه الحمض النووي من أنسجة اللثة المثبتة للأسنان في الفك، وهو موقع يتميز بكفائته العالية في حفظ الحمض النووي.

ووفقًا لتحليل التأريخ بالكربون المشع، فقد عاش هذا الرجل بين عامي 2855 و2570 قبل الميلاد، وهي فترة شهدت تحولات كبيرة بعد توحيد مصر العليا والسفلى، كما تميزت هذه الفترة بظهور الحكم المركزي وبناء الأهرامات، مثل هرم زوسر وهرم خوفو بالجيزة.
وقال عالم الوراثة تومي جاكوبس، إن الجينوم المكتشف يتيح للمرة الأولى استكشاف الأصول الجينية لفرد عاش في مصر القديمة خلال هذه العصور القديمة، إذ تمكن الفريق من استخلاص سبع عينات من الحمض النووي للرجل، أُحتفظ بأثنين منها في حالة جيدة مكنت من إجراء التسلسل الجيني الكامل.
شمال أفريقيا وما بين النهرين
وأظهرت نتائح التحليل أن 80% من أصول الحمض النووي تعود إلى سكان شمال أفريقيا المحليين، فيما تعود النسبة المتبقية إلى سكان منطقة ما بين النهرين، ما يشير إلى وجود تداخل سكاني وتفاعل بشري بين مصر والمناطق المجاورة في هذا الوقت.

تركزت الدراسة التي قادها معهد فرانسيس كريك، على فرد واحد فقط، ما دفع العلماء إلى التأكيد على أهمية توسيع العينة لدراسة جينومات أخرى، للكشف عن صورة أوسع حول التنوع الجيني في مصر القديمة.
ورأى ماكس بلانك، عالم الوراثة السكانية، أن تحليل الحمض النووي لفترات ما قبل إدخال الزراعة إلى مصر قد يساعد في تحديد توقيت ظهور الأصول الجينية القادمة من الشام في المنطقة.
التهاب مفاصل وهشاشة عظام
ونظرًا للعمر الذي عاشه الرجل، فقد أظهرت علامات جسدية إصابته بالتهاب المفاصل، وهشاشة العظام، كما كشفت التحليلات عن تشوهات في العمود الفقري والجمجمة، ما أشار إلى نمط الحياة المجهد الذي عاشه في حياته، والذي يعود إلى وضعيه القرفصاء اللتي أعتمدها صناع الفخار.
المكانة الاجتماعية لصانع الفخار
لكن ما أثار دهشة الباحثين هو أسلوب دفنه غير المعتاد، إذ وضع في قبر محفور بالصخر مع إناء فخاري كبير، وهو طراز من الدفن يخص عادةً الطبقة العليا، وقال الدكتور جويل آيريش، عالم الأنثروبولوجيا السنية بجامعة ليفربول جون موريس: "هذا التناقض بين ظروف حياته الصعبة وطريقة دفنه الراقية يطرح تساؤلات مثيرة حول مكانته الاجتماعية".
الحياة اليومية للمصريين القدماء
من جانبه، اعتبر الدكتور يحيى جاد، الأستاذ الفخري في علم الوراثة الجزيئية بالمركز القومي للبحوث في مصر، أن الدراسة تمثل تقدمًا مهمًا في أبحاث الحمض النووي القديم، ودعى في رسالة بريد إلكتروني إلى توسيع نطاق الأبحاث الجينية لتشمل الطبقات الدنيا من المجتمع، لفهم أعمق للحياة اليومية للمصريين القدماء بعيدًا عن تركيز الدراسات التقليدية على النخب والملوك.

وفي حين يبقى اسم هذا الرجل مجهولًا، فإن بصمته الوراثية قد تفتح الباب لفهم أوسع للتاريخ الجيني لحضارة عريقة عمرها آلاف السنين، ليس فقط من خلال الملوك والأهرامات، بل من خلال حياة الناس العاديين الذين شكلوا جوهر هذه الحضارة.

الأكثر قراءة
-
حقيقة وفاة الداعية حازم شومان
-
توقعات تنسيق الكليات 2025.. مؤشرات مهمة لجميع الكليات
-
قرار عاجل من صندوق النقد بشأن الشريحة الجديدة لمصر
-
جيم المحلة.. كيف تكتشفين الكاميرات المخفية في غرف الملابس؟
-
رابط بوابة التعليم الفني التجاري 2025.. لـ نتيجة الدبلومات الفنية
-
الأمن يتحرك فورًا لطالبة ثانوية عامة بالجيزة.. ماذا كتبت على إنستجرام؟
-
"أطفال مصر بين المطرقة والسندان "
-
هل يجوز صيام يوم عاشوراء منفردا؟.. كل ما تريد معرفته

أخبار ذات صلة
قبل الانطلاق.. نصائح ذهبية لرحلة آمنة بسيارتك هذا الصيف
04 يوليو 2025 02:33 م
"سحر وشعوذة".. تونسي يسلب من زوجته أعز ما تملك بحثا عن كنز مزعوم
04 يوليو 2025 02:17 م
خلال موسم السفر.. ماذا تفعل عند فقدان حقائبك في المطار؟
04 يوليو 2025 02:00 م
طقس حارق وموجة حارة غير مسبوقة.. ماذا يحدث في إنجلترا؟
04 يوليو 2025 10:02 ص
أكثر الكلمات انتشاراً