الثلاثاء، 08 يوليو 2025

11:59 م

فتحي حسين
A A

كمين البرث شاهدٌ على المجد والوفاء

ثماني سنوات مرت... لكنها لم تمر على قلوبنا مرور الغياب المؤقت، بل كانت أشبه بندبةٍ في القلب، وجمرةٍ في الذاكرة، وصوت نداء لا يخفت في ضمير الوطن، أن هنا في سيناء، عند كمين البرث، وقف رجال من نور، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
في فجر السابع من يوليو، عام 2017، اجتمع شتات الخيانة كلها في وكر واحد، من بقايا جماعات التطرف والتكفير، ممن تربوا في كهوف الإخوان وتغذوا على فتاوى القتل والدم، ليُجهزوا على نقطة أمنية في قلب سيناء، في محاولة لكسر هيبة الدولة، ونزع الأمان عن ترابها المقدس.

لكنهم لم يعلموا أن على بوابة هذا الكمين، يقف الشهيد البطل الرائد أحمد صابر منسي، ومن خلفه كتيبة من الرجال، لا يعرفون للانسحاب معنى، ولا يتقنون إلا لغة الفداء.
لم تكن معركة عابرة... بل كانت ملحمة كتب فيها الأبطال بدمائهم ما لم تكتبه كتب التاريخ.
كانت الرصاصات تنهال كالمطر، والدخان يتصاعد من جدران المعسكر، والسماء ترقب صراع الحياة والموت، لكن في خضم هذا الجحيم، سمعنا صوتًا لا يشبه الضجيج، بل يشبه الصلاة... صوت منسي وهو ينادي رجاله بثبات لا يملكه إلا من باع الدنيا وابتاع الآخرة: "اثبتوا.. لن نترك الأرض.. إما النصر أو الشهادة".
كان المشهد مهيبًا، وكانت البطولة بحجم مصر ذاتها. سطر منسي ورفاقه الأبطال ملحمة لا تموت، حين ارتقوا واحدًا تلو الآخر، حاملين في قلوبهم علم مصر، وفي أرواحهم يقين الانتصار، ولو بالشهادة.
ثماني سنوات، وأصواتهم لا تزال في آذاننا، صورهم لا تزال على جدران القلب، نداءاتهم لا تزال تسري في دمائنا.

كمين البرث لم يكن مجرد هجوم إرهابي، بل كان اختبارًا لقدرة الدولة، ومناعة جيشها، وطهارة ترابها.
لقد أرادوا اغتيال الحلم، فكتب الشهداء بأجسادهم الممددة على الأرض الطاهرة، بداية جديدة لعهد لا يخون.
هؤلاء ليسوا جنودًا فقط، بل أيقونات وطنية، منسي ليس مجرد اسم على جدارية شهيد، بل رمزٌ لصوت الحق حين يُصلي في ميدان النار، ورمز للضابط المصري حين يقاتل لا ليرتقي رتبة، بل ليرتقي روحًا.
في ذكراهم الثامنة، لا نرثيهم، بل نُجدد العهد معهم. نُجدد العهد مع كل نقطة دم سالت، وكل أم زُرع الحزن في عينيها، وكل طفل نشأ يتيمًا ليرث شرف والده لا ماله.

ونحن نتأمل المشهد من بعد، لا يسعنا إلا أن نُكرر السؤال: من ربّاهم؟ ومن غرس فيهم هذا اليقين؟
إنه الجيش المصري... مصنع الرجال، ومصهر البطولة، وحارس الوطن الذي لا ينام.
وللإرهاب نقول: زرعتم الموت فأنبت لكم الوطن شهداء، بعثرتم الدم فخطّ لكم التاريخ فضيحة،
وسيبقى كمين البرث لعنة تطاردكم، وراية ترفرف فوق رؤوسنا بأن هنا، كان هناك رجال... وماتوا واقفين.

search