 
                                    جيل يتهرب من الزواج.. هل تغيّرت المرأة أم الرجل؟
ما عاد الزواج في هذا العصر محطّة تلقائية في رحلة الحياة، بل أصبح قرارًا مؤجَّلًا أو محلّ شك وتساؤل. لم يعُد كثيرون يرونه ملاذًا، بل احتمالًا محفوفًا بالتعقيد. واللافت أن التردّد لا يأتي من طرف دون الآخر، بل من الرجل والمرأة معًا، كلٌّ منهما ينظر إلى العلاقة من زاويته، ويقيّمها بمعايير تختلف تمامًا عن الأجيال السابقة.
فهل تغيّرت المرأة؟ أم أن الرجل هو من أعاد النظر في فكرة الزواج؟ أم أن قواعد اللعبة كلّها لم تعد كما كانت؟
الرجل المعاصر لم يفقد رغبته في الاستقرار، لكنه بات يحسب خطواته جيدًا قبل الإقدام على أي التزام. لقد أصبح يرى في الزواج مسؤولية ثقيلة، تتطلب منه جهدًا ماديًا ونفسيًا كبيرًا.
الرجل اليوم أصبح - على عكس صورته كمبادر دائمًا- يبدو أكثر تحفّظًا تجاه الارتباط. بات يرى في الزواج مسؤولية ضخمة لا توازيها ضمانات. يرى انهيارات كثيرة من حوله، ويرى آباء حُرموا من أطفالهم بعد الطلاق، ورجالًا يُحمَّلون عبء الفشل وحدهم. تحاصره قصص الانفصال، وتسكنه هواجس الخسارة، وتلاحقه حكايات رجال انتهت علاقاتهم بخيبات وصراعات قضائية ونفسية.
لم يعُد يرى في الارتباط العاطفي بداية دفء، بل احتمالًا لمتاعب لا يستطيع معها أن يحمي ذاته.
أما المرأة، فهي الأخرى تغيّرت، لكنها لم تتغيّر ضد الرجل، بل من أجل نفسها. أصبحت ترفض أن تكون مُلحقة أو تابعًا في حياة شريكها، وتطلب علاقة تقوم على الاحترام والتفاهم، لا على الأدوار الموروثة.
لم تعُد ترى في الزواج مجرد نهاية سعيدة لحكاية رومانسية، بل بداية لمسار يجب أن يليق بها وبكرامتها وأحلامها.
تطلب من الشريك أن يفهم، لا أن يُصدر الأوامر، وأن يشارك، لا أن يتسلّط. وهذا التغيير، رغم صلابته الظاهرية، يعكس رغبة عميقة في الحب الناضج، لا في التمرّد كما يُصوَّر أحيانًا.
والمفارقة هنا أن كليهما ينظر إلى الآخر بعين الريبة: هو يراها "صعبة الإرضاء" ترفع سقف توقّعاتها، وهي تراه "مترددًا" و"غير واضح النيّة".
كلٌّ منهما يظن أن الآخر هو من تعقّد، وأنه هو وحده من بقي طبيعيًا. وبين نظرة متوجّسة وتوقّعات عالية، تضيع فرصة اللقاء الحقيقي.
ثمّة صور للعلاقات حولهم تزيد الضبابية، لا سيما حين يرون زواجًا قائمًا على الورق لا على المودّة، أو ارتباطًا يتقاسم فيه الزوجان البيت لا المشاعر، أو يعيش فيه كل طرف عزلةً تحت سقف مشترك.
أمام هذا كلّه، يخاف الجيل الجديد من تكرار النسخة نفسها، ويفضّل التأجيل على التورّط.
الزواج لم يفقد قيمته، لكنه بات يتطلّب لغةً مختلفة لفهمه. لم يعُد يكفي أن نلوم الشاب على التأخر، أو نضغط على الفتاة باسم الوقت وتقدّم السن.
نحن أمام تحوّل عميق في المفاهيم، يتطلّب وعيًا أكثر من النصيحة، ومساحة حوار أكبر من الاتهام. لقد أصبح مفهوم الشراكة نفسه عرضةً لإعادة التفسير.
لم تعُد العلاقة تُقاس بقدرة أحد الطرفين على العطاء المستمر، بل بقدرتهما معًا على الاحتواء والتفاهم. فالضغوط الاقتصادية، وغياب الأمان العاطفي، وانفتاح العالم على نماذج متعدّدة من العلاقات، كلّها عوامل جعلت من الارتباط قرارًا غير بسيط.
الأجيال السابقة ربما تزوّجت تحت شعار "سنتحمّل معًا"، أما هذا الجيل، فهو يسأل أولًا: “هل يوجد من يستحق أن أتحمّل معه؟”. وهو سؤال، وإن بدا فرديًا، إلا أنه نابع من تراكم تجارب مريرة لا يُستهان بها.
نعم، تغيّرت المرأة، وصار لها وعي مختلف بذاتها. ونعم، تغيّر الرجل، وصار أكثر حذرًا في منح قلبه.
لكن ربما الأهم أننا بحاجة إلى تصوّر جديد للزواج نفسه، لا كواجب اجتماعي، بل كخيار إنساني يقوم على الرفقة والرحمة.
فلا أحد يهرب من الحب الحقيقي، لكننا أصبحنا نسأل قبل أن نُحب: هل سيمنحني هذا القلب الطمأنينة؟ أم سيكون اختبارًا آخر في طريقٍ مزدحم بالخوف؟
 
        الأكثر قراءة
- 
                استغرق تنفيذه 16 شهرًا، مسؤول إضاءة معروضات المتحف المصري الكبير يروي تفاصيل المشروع العملاق
- 
                مجانًا بالذكاء الاصطناعي، كيف تحول صورتك لملك فرعوني للاحتفاء بافتتاح المتحف المصري الكبير؟
- 
                تنبيه عاجل من كهرباء مصر العليا بشأن خدمة الشحن المسبق
- 
                تعليم الأقصر تتابع تطبيق البرنامج القومي لتنمية مهارات اللغة العربية
- 
                من الشرع إلى محمود شعبان.. كم رجل اعتلاكي؟!
- 
                رحمة محسن بعد أزمة الفيديوهات: "الكل عمل معايا الواجب ومش محتاجة مساعدة" (خاص)
- 
                "معرفش يوقعها".. محامي رحمة محسن يكشف ما وراء "الفيديو المسرب"
- 
                بالتزامن مع افتتاح المتحف الكبير.. "تليجراف مصر" تطلق مبادرة "5 ملايين صورة لكل شبر في مصر"
 
        مقالات ذات صلة
إعادة الاعتبار للتناحة الزوجية: دفاعا عن الصمت والتجاهل
31 أكتوبر 2025 08:12 ص
العلاقة الحميمية بعد الخمسين.. دفء لا يعرف انتهاء الصلاحية
24 أكتوبر 2025 08:38 ص
أنا من صنعتك من هواي ومن ظنوني!
17 أكتوبر 2025 09:15 ص
إلى كل لامين يامال.. لماذا يتعلق الصبيان بالمرأة "الناضجة اللعوب"؟
10 أكتوبر 2025 09:08 ص
نساء النصر وقلوب الفقد.. سلامٌ يليق بمن صبرن فانتصرن
05 أكتوبر 2025 05:20 م
إلى متى ستظلين ساذجة عاطفيا؟
03 أكتوبر 2025 09:27 ص
لماذا يقع البعض في إدمان تصوير وتوثيق اللحظات الحميمية؟!
26 سبتمبر 2025 08:20 ص
الغريزة والعاطفة.. أيهما يقود قلب الرجل حقًا؟
19 سبتمبر 2025 08:36 ص
أكثر الكلمات انتشاراً
 
                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                     
 
