الثلاثاء، 15 يوليو 2025

06:46 ص

فتحي حسين
A A

شهاب "بتاع الجمعية" وصناعة الترند

لم أستغرب - ولن أستغرب- هذا السيل من التعاطف الأجوف، المسموم، المريب، مع من لا يستحق سوى العقاب والتأديب المجتمعي. فمثلا حادثة "شهاب بتاع الجمعية" أصبحت ترند لأنها انتشرت بسرعة على السوشيال ميديا، بصرف النظر عن إدانته أو تبرئته أمام المجتمع إلا أنه أصبحت شئنا أم أبينا ترند!
مباراة السوبر المصري بين الأهلي والزمالك غالبًا ما تكون تريند في يومها. وفاة شخصية عامة قد تتحول إلى ترند بسبب التفاعل الكثيف، مثل وفاة المخرج سامح عبد العزيز.
للأسف الشديد، فإن الواقع الإعلامي والصحفي يقول بأنه يتعامل مع الترند من منطلق التبعية والانجرار وراءه. 
فكثير من المؤسسات الإعلامية تركت دورها التنويري والتوعوي، وأصبحت تركض وراء ما يتداوله الناس، بدلا من أن تقود الرأي العام، تتبعه كالظل.

والإعلام يعطي مساحات ضخمة للترندات التافهة، من شجار تافه، لفيديو راقص، أو شخصية غير مؤثرة. والسبب معروف وهو زيادة المشاهدات والتفاعل والإعلانات، حتى لو على حساب الأخلاق والمهنية. والنتيجة هي انهيار الذوق العام وتغييب القضايا الحقيقية. وتضخيم التافه وتهميش المهم.
وربما يشارك الإعلام في صناعة الترند أحيانا، من خلال بعض القنوات أو الصحف "تنفخ" موضوعا ليصير ترندا، مثل تضخيم فيديو قديم، أو نشر قصة دون تحقق.
والهدف هو توجيه الرأي العام أو إشغال الناس عن ملفات أخرى، وفي هذه الحالة، يصبح الإعلام طرفًا في التوجيه وليس ناقلًا فقط. كما أن القلة المهنية الواعية  وهي نادرة ولكنها موجودة تحلل الترند بعمق.
وتسأل ما سببه؟ ولماذا انتشر؟ ومن المستفيد؟ وهل يخدم الناس أم يضرهم؟ ثم تقدم معالجة نقدية تحترم عقل القارئ وتعيد ترتيب الأولويات..! وهذا نادرا ما يحدث في الاعلام ! و مثل هذا النوع من الصحافة يُعتبر "إعلام مقاومة التفاهة"!! وهو ما ينبغي أن تقوم به الصحافة إزاء أزمة التريند مثل تحليل الترند لا تبنيه دون وعي، وهل يخدم المصلحة العامة أم يضللها؟ فضلا عن فضح الترندات المصنوعة والموجهة. ومن يقف وراءها؟ ولماذا الآن؟ وما الهدف؟
وتقديم البديل الجاد والمشوق، فليست كل القضايا مهمة مملة، يمكن عرضها بأساليب حديثة لجذب الجمهور علي اختلافه.
فضلا عن ضرورة التفرقة بين "اهتمام الناس و"حق الناس في المعرفة".
لا تخلط بين ما يريدونه وبين ما يحتاجونه. والاهتمام بتربية الذوق العام. لذلك فالإعلام مسؤول عن بناء عقل ووجدان الجمهور، لا عن هدمه.
والسؤال الذي لا يكف عن القصف داخل رأسي: من يصنع الترند؟ ولماذا  بعض تريندات بعينها الآن؟ هل هي مصادفة بريئة؟ أم أن هناك ما هو أخطر، أسلوب ممنهج للإلهاء الإعلامي؟!
نعم، في ظل توقف مباريات الدوري والكأس، وغياب مساحات الجدال الرياضي التي كانت تسكن وجع الشارع وتفرغ شحنات الغضب، لم يكن من الصعب أن يلقى لنا بشهاب أو غيره في الميدان، ليكون صيدا إعلاميا، طعما لاصطياد العقول التائهة، وترسيخا لثقافة التفاهة والعدمية. وهل هناك جهات خفية وراء صناعة الترند؟
سؤال مشروع، بل واجب أن نطرحه، لا بوصفنا متفرجين على الهزل، بل كمجتمع مهدد بتحول بعض أفراده إلى جماعات تصفق للقتلة وتصفق للبلطجية، وتدافع عن العفن بحجة "حرية التعبير"، بينما الحقيقة أن ما يُمارس هو حرية تدمير القيم.!
والعلاج من وجهة نظري بسيط وهو 
أن نسمي الأشياء بأسمائها، فلا نسمي البلطجة "شهامة"، ولا الجريمة "رد فعل"، ولا القاتل "ضحية مجتمع"، ولا التافه "صاحب محتوى"، ولا التريند "صوت الشارع".
نحن بحاجة إلى إعلام حقيقي، لا يصنع من القبح صدارة، ولا يختبئ خلف "ما يطلبه الجمهور"، بل يرتقي بالجمهور.
نحن بحاجة إلى مدارس تعلم أبناءنا كيف يحترمون الحياة لا يختزلونها في فيديو أو لايك، بحاجة إلى آباء لا يخجلون من التربية، إلى معلمين لا يخافون من الحقيقة، إلى مجتمع يعالج مرضاه لا يصفق لهم.!!
فلا وطن يبنى تحت أقدام التريند، ولا حضارة تنمو على ضجيج المعتوهين.!!

search