السبت، 16 أغسطس 2025

03:11 م

بإغراءات ترامب.. هل تستعيد روسيا كنوز ألاسكا بعد تفريط القيصر؟

ألاسكا

ألاسكا

يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتقديم حوافز اقتصادية واسعة النطاق لروسيا، تشمل منحها إمكانية الوصول إلى ثروات طبيعية ومعادن استراتيجية في أوكرانيا وألاسكا، في إطار مساعيه لإنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا، حسبما أفادت عدة صحف دولية بينها “التليجراف”.

وذكرت “التليجراف”، أن القمة التي بدأت اليوم بين الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في ألاسكا، ستتضمن مجموعة من العروض التي تهدف إلى إغراء موسكو بالتوصل إلى اتفاق، من بينها فتح موارد ألاسكا الطبيعية أمام استثمارات روسية، ورفع بعض العقوبات المفروضة على الطيران الروسي.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين

الولاية الأمريكية الأكبر

ألاسكا، أكبر ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية من حيث المساحة، انضمت إلى أمريكا بعد صفقة تاريخية مثيرة للجدل، باعت بموجبها الإمبراطورية الروسية هذه الأرض الشاسعة إلى واشنطن مقابل 7.2 ملايين دولار فقط. 

الولاية غنية بالموارد الطبيعية، على رأسها الذهب والنفط، وتقع في أقصى شمال غرب القارة الأمريكية، لكنها لا تتصل جغرافيًا ببقية ولايات أمريكا، فهي معزولة عن البر الرئيسي في صقيع شمال غرب كندا.

وتبعد نحو 82 كيلومترًا فقط من الأراضي الروسية عبر مضيق بيرينج، بينما تفصلها عن الشمال الأمريكي مسافة 800 كيلومتر من الأراضي الكندية.

وتتشارك ألاسكا حدودًا برية مع كندا تمتد 2500 كيلومتر، كما تمتلك حدودًا بحرية مع روسيا من الغرب، إذ لا تفصلها عن جزيرتي ديوميد الروسية سوى 4 كيلومترات، وفي الشتاء القارس، تتجمد مياه المضيق، ما يخفي الخط المائي الفاصل بين الأراضي الأمريكية والروسية.

وتبلغ مساحة ألاسكا أكثر من 1.5 مليون كيلومتر مربع، ما يعادل خمس مساحة الولايات المتحدة مجتمعة، ورغم اتساعها الجغرافي، بلغ عدد سكانها عام 2023 نحو 733 ألف نسمة فقط، لتكون الأولى في المساحة والتاسعة والأربعين في ترتيب الولايات من حيث عدد السكان.

موقع ألاسكا على الخريطة

الاستكشاف الروسي لـ ألاسكا

بدأ الاهتمام الروسي بألاسكا عام 1725 عندما أرسل القيصر بطرس الأكبر بعثة استكشافية بقيادة البحار الدانماركي فيتوس بيرينج، الذي كان يعمل في البحرية الروسية، لاستكشاف سواحل المنطقة. 

سرعان ما أدركت روسيا قيمة هذه الأراضي لما تحتويه من ثروات طبيعية، لكن تزايد المنافسة مع التجار الأمريكيين في أوائل القرن التاسع عشر، إلى جانب ضعف الإمبراطورية الروسية بعد هزيمتها في حرب القرم، جعلها غير قادرة على الاحتفاظ بمستعمرتها النائية.

وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، كان عدد السكان الروس في ألاسكا لا يتجاوز 400 نسمة، ومع تنامي المخاوف من هجمات بريطانية مباغتة قد تنتزعها دون مقابل، قررت روسيا عرضها للبيع.

تعثر ثم إتمام الصفقة

طرحت روسيا الفكرة على الولايات المتحدة عام 1859، لكن الصفقة توقفت بسبب الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) بين ولايات الشمال والجنوب، وبعد انتصار الاتحاد الفدرالي بقيادة الرئيس أبراهام لينكولن وإلغاء العبودية، عادت المفاوضات بين الطرفين.

وفي 30 مارس 1867، أبرم وزير الخارجية الأمريكي ويليام سيوارد والسفير الروسي في واشنطن إدوارد دي ستويكل اتفاق الشراء مقابل 7.2 مليون دولار. 

ووافق مجلس الشيوخ الأمريكي على الصفقة في 9 أبريل، ووقعها الرئيس أندرو جونسون في 28 مايو، لتنتقل رسميًا ملكية ألاسكا إلى الولايات المتحدة في 18 أكتوبر من العام نفسه، لينتهي الوجود الروسي في أمريكا الشمالية.

توقيع عقد بيع ألاسكا بين روسيا وأمريكا

مرحلة الإهمال ثم الاهتمام الفيدرالي

لم تحظ ألاسكا باهتمام الحكومة الأمريكية لثلاثة عقود بعد ضمها، إذ ظل شكل الحكم فيها غير مستقر، إلى أن أُنشئت أول حكومة مدنية عام 1884، ما شكل بداية لترسيخ الإدارة الأمريكية في المنطقة. 

ومع اكتشاف الذهب والنفط والموارد المعدنية الأخرى، بدأ الاهتمام الفيدرالي يتزايد تدريجيًا، حتى تم إعلان ألاسكا ولاية أمريكية رسمية في 3 يناير 1959.

روسيا.. يقظة متأخرة

اليوم، وبينما تحتفظ ألاسكا بمكانتها كإحدى أغنى مناطق العالم بالموارد الطبيعية، تعود موسكو للمطالبة بها، لتضع الولاية مجددًا في قلب الجدل السياسي الدولي، بعد أكثر من قرن ونصف على انتقالها إلى السيادة الأمريكية.

في 17 يناير 2024، وقع الرئيس الروسي مرسومًا يقضي بتخصيص أموال للبحث عن الممتلكات الروسية في الخارج، وتسجيلها وحمايتها، بما في ذلك الأراضي التي تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية أو الاتحاد السوفياتي سابقًا، شملت مناطق في أوروبا الوسطى والشرقية والدول الإسكندنافية، إضافة إلى ألاسكا.

الولايات المتحدة قللت من أهمية الخطوة، حيث علق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية وقتها، فيدانت باتيل بعبارة مقتضبة: “بوتين لن يستعيد ألاسكا”، لكن "معهد دراسة الحرب" الأمريكي تعامل مع تصريحات بوتين بجدية أكبر، مؤكدًا أن المعايير الدقيقة لتحديد ما يشكل الممتلكات الروسية غير واضحة.

حرب التصريحات

لم تبق ألاسكا بعيدة عن سجالات السياسة والمناكفات بين موسكو وواشنطن، فإلى جانب مرسوم بوتين، ارتفعت أصوات في الداخل الروسي تطالب بإجراء استفتاء في ألاسكا لإعادتها إلى السيادة الروسية. 

ومن بين هذه الأصوات نائب رئيس مجلس الدوما بيوتر تولستوي، ورئيس مجلس النواب فياتشيسلاف فولودين، الذي ربط المسألة بملف تجميد الأصول الروسية بالخارج، وهو ملف أثارته الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة، وجاءت هذه التصريحات قبيل الانتخابات الروسية التي جرت في منتصف مارس 2024.

مطالبات بعودة ألاسكا إلى روسيا

من "حماقة سيوارد" إلى كنز استراتيجي

عند شرائها، أطلق الأمريكيون على صفقة ألاسكا اسم "حماقة سيوارد" نسبة إلى وزير الخارجية ويليام سيوارد، تشكيكًا في جدوى الصفقة وعدم إدراك أهميتها الاقتصادية، لكن اكتشاف الذهب في يوكون شمال كندا عام 1884 غير النظرة كليًا، إذ أصبحت ألاسكا بوابة لحقول الذهب في منطقة كلوندايك، ومع تدفق الباحثين عن الثراء السريع، واجهت المنطقة نموًا بطيئًا دفع كثيرين إلى المغادرة.

بين 1920 و1940، أولت الإدارة الأمريكية اهتمامًا محدودًا بالولاية، لكنها وضعت خططًا للحفاظ على مواردها الطبيعية، وطورت البنية التحتية، وأنشأت جامعات، ومدت خطوط النقل، وأدخلت خدمات الراديو، ما عزز استقرار السكان.

عام 1941، اكتسبت ألاسكا أهمية عسكرية واستراتيجية مع إنشاء طريق ألاسكا السريع الذي افتتح عام 1942 بطول 2,574 كيلومترا، رابطًا الولاية بشبكة من المطارات، وجاذبًا آلاف العمال. 

وبقي اقتصادها متذبذبًا حتى عام 1968، حين اكتُشف النفط على ساحل القطب الشمالي، لتشهد طفرة اقتصادية مع اكتمال خط أنابيب النفط عام 1977.

ثروات لا تنضب

تضم ألاسكا نصف احتياطيات الولايات المتحدة من الفحم، وأكبر مناجم الفضة والزنك، فضلًا عن الذهب المنتشر في أنهارها وجبالها، وفي عام 1980، أُنشئ "صندوق ألاسكا الدائم" لتوزيع أرباح النفط على السكان، وبدأت أول دفعاته عام 1982 بمقدار 1000 دولار لكل مواطن.

كما تعد السياحة ثاني أكبر مواردها، إذ تستقبل أكثر من 1.1 مليون زائر سنويًا، بفضل مناظرها الطبيعية وجبالها الجليدية وحياتها البرية، وتتصدر الصيد البحري والثروة السمكية مواردها الاقتصادية، بإنتاج 6 مليارات رطل من المأكولات البحرية سنويًا، خصوصًا السلمون.

إلى جانب ذلك، تحتوي على 28 مليون فدان من الغابات، و15 مليون فدان صالحة للزراعة، وتؤوي 19 نوعًا من الحيوانات ذات الفراء الفاخر، ما يجعلها من أغنى مناطق العالم بالموارد الطبيعية.

search