السبت، 06 سبتمبر 2025

08:46 ص

صغير يضع نهاية لخصومة ثأرية بـ "الكفن الأبيض" في بني سويف

"الكفن الأبيض "طفل يضع نهاية لخصومة ثأرية بدأت بلعبة أطفال في بني سويف

"الكفن الأبيض "طفل يضع نهاية لخصومة ثأرية بدأت بلعبة أطفال في بني سويف

بنى سويف - مصطفى العمدة

A .A

أسدل صغير من عائلة الحمزاوية الستار على خصومة ثأرية مع عائلة السواهية بمركز سمسطا في محافظة بني سويف، عندما تسلم بيديه الغضّة "الكفن الأبيض" أمام الحضور  في مشهد رمزي يعلن انتهاء سنوات من الدماء وبداية عهد جديد من السلم والمودة.

كان المشهد استثنائيًا بكل المقاييس، فبينما جرت العادة أن تُقدَّم الكفوف من شيوخ العائلات وكبار الرجال، جاء الطفل ليحمل الرسالة الأصدق: "كفى دمًا.. لنترك للأجيال القادمة إرث المحبة بدلًا من الثأر".

تعود جذور الخصومة إلى واقعة مؤلمة قبل سنوات، عندما نشبت مشاجرة بين شابين بسبب "لعب أطفال" تطورت بشكل مأساوي، وأودت بحياة الشاب سعيد.ا.م من عائلة السواهية على يد محمود.ر.خ من عائلة الحمزاوية.

حادثة بسيطة في ظاهرها، لكنها فجّرت بركانًا من الغضب والثأر، ليتحوّل خلاف صغير إلى نزاع دموي هدد استقرار العائلتين والمنطقة.

جلسة صلح استثنائية

عُقدت جلسة الصلح في أجواء مشحونة بالترقب، حضرها قيادات أمنية بارزة على رأسها اللواء حسن فتحي مساعد مدير الأمن ورجال الدين الإسلامي والمسيحي، إلى جانب شخصيات سياسية واجتماعية، من بينهم النائب حسام العمدة أمين حزب مستقبل وطن بالمحافظة وعضو مجلس النواب.

وبينما كانت الأنظار تتجه نحو كلمات الشيوخ وكبار العائلات، خطف الطفل الأنظار وهو يتقدّم بخطوات واثقة نحو ممثلي عائلة القتيل، حاملاً الكفن الأبيض ليضع بذلك حدًا للخصومة، في مشهد تفاعل معه الجميع بالتصفيق والدموع.

رسالة الدولة ورجال الدين

وأكد اللواء حسن فتحي أن ما جرى يمثل نقلة نوعية في وعي المجتمع، مضيفًا: "الثأر لم يعد مقبولًا في زمن الدولة والقانون وما حدث اليوم يعكس انتصار قيم التسامح على شهوة الانتقام".

من جانبه، شدد الدكتور حسام العمدة على أن الإسلام وجميع الأديان السماوية تحث على العفو والصفح، موضحًا أن إحياء قيم التسامح مسؤولية مجتمعية ودينية تقع على عاتق الجميع.

الأثر الإنساني والاجتماعي للثأر

هذا المشهد لم يكن مجرد صلح بين عائلتين بل كان رسالة للمجتمع كله بأن الدماء لا تجلب إلا المزيد من الألم وأن الضحية الحقيقية للثأر ليست الفرد وحده بل الأجيال القادمة التي تحمل إرث الكراهية.

تقديم الكفن الأبيض من طفل صغير عكس رغبة العائلات في أن يترعرع الجيل الجديد بعيدًا عن ثقافة الثأر وأن يُنشأ على قيم المحبة والإخاء.

يمين على كتاب الله

عقب تقديم الكفن وقف أفراد العائلتين وأقسموا على كتاب الله أن يكون الصلح جديًا ونهائيًا وأن تُطوى هذه الصفحة السوداء إلى الأبد، كان القسم العلني أمام مئات الحضور بمثابة توثيق اجتماعي وديني للاتفاق حتى لا يبقى مجال للنكوص أو التراجع.

نحو مجتمع بلا ثأر

لا يمكن قراءة هذا الحدث إلا باعتباره خطوة مهمة في مسار القضاء على عادة الثأر التي لطالما أنهكت الصعيد، وحوّلت خلافات بسيطة إلى نزاعات دموية، المبادرة أثبتت أن الوعي الجمعي بدأ يتغير، وأن إرادة السلام أقوى من إرادة العنف.

search