41 مليار جنيه في الظل، ألعاب المراهنات الإلكترونية تنهش جيوب 5 ملايين مصري
إدمان الشباب ألعاب المراهنات الإلكترونية
رفع الشاب سكينًا في وجه والده بينما وقف الأخير مصدومًا من تصرف ابنه على هذا النحو، وكسر الشاب الذي لم يتجاوز سن العشرين كل قواعد الأدب وقال لأبيه بكل صلف: "بيع البيت.. وإلا هنموتك"، في حين جلست الأم تبكي بحُرقة في الزاوية.
لم يكن الخلاف على ميراث، ولا تحت ضغط عصابة، بل بسبب لعبة مراهنات على شاشة كمبيوتر.. ومنذ تلك اللحظة، لم تعد “كونكر” لعبة، بل إدمان يسرق العقول ويدفع أبناءً لابتزاز آبائهم، ويفرغ البيوت من الأثاث والأمان.

وفيما تشير إحصاءات رسمية محلية ودولية إلى ملايين المصريين الذين دخلوا عالم المراهنات وضخوا عشرات المليارات من الجنيهات في منصات غير خاضعة للرقابة، لا يزال السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: مَنْ يربح فعليًا من هذه الألعاب؟ وأين تذهب هذه الأموال؟ ولماذا تعجز الدولة عن وقفها؟
هذا التحقيق يدخل إلى الغرف المغلقة، حيث تُباع البيوت وتُكسر الأسر ويُصنع العنف باسم الربح السريع، في محاولة لكشف كيف تحوّلت ألعاب المراهنات الإلكترونية إلى قنابل اجتماعية موقوتة داخل المجتمع المصري.
من لعبة على الشاشة إلى تهديد بالسلاح
تقول فتاة تُدعى سمر، شقيقة توأم في أواخر العشرينات، هما كريم وكرم، إنهما كانا عاطلين عن العمل بعد انتهاء الدراسة، حتى اشترى الأب جهاز كمبيوتر وأدخل الإنترنت إلى المنزل في عام 2014، حين كانا في الخامسة عشرة من عمرهما.
وتابعت: "أصحاب السايبر هم اللي عرفوهم على لعبة كونكر، وكانوا بيعملوا لها دعاية… وفي البداية، لم يكن الأمر أكثر من لعبة، لكن بمرور الوقت تحوّل إلى نمط حياة"
عشر ساعات يوميًا أمام الشاشة، رهانات صغيرة بـ50 جنيهًا، ثم مكسب مفاجئ وصل إلى ألف جنيه وبحسب سمر "الفلوس دخلت دماغهم"، وبدأت الأموال تختفي من محفظة الأب، وعندما واجهتهما الأسرة، أنكر الشقيقان السرقة.

لم يعد اللعب تسلية، بل أصبح إدمانًا كاملًا، حيث تقول سمر: "رفعوا السكـينة على بابا وماما علشان ياخدوا فلوس"، ومع نفاد المال، بدأ بيع كل ما في البيت الأجهزة، الأثاث، الأبواب، الشبابيك، حتى السباكة والكهرباء".
وفي النهاية، اضطر الأبوان لبيع المنزل، وحصل كل من التوأم على نصيبه، حوالي نصف مليون جنيه لكل منهما، لكن المال تبخّر داخل ألعاب المراهنات، إذ توضح شقيتهما أنهما “لحد النهاردا مش قادرين يبطلوا”.
من مشروع صغير إلى إفلاس كامل
قصة منتصر لا تختلف كثيرًا، وإن بدأت بحلم مختلف، حيث كان يمتلك محل "سايبر" صغير، ويحلم بتأسيس شركة لبيع أجهزة الكمبيوتر عبر الإنترنت.

يتذكر منتصر لحظة تعرفه الأولى على لعبة المراهنات: "شحنت حاجة بسيطة، وفجأة كسبت 5000 جنيه، وبعدها بثلاث ساعات كنت كسبان 15000… كنت مذهول".
هذا المكسب الأوليّ كان نقطة اللاعودة، فقد قرر منتصر بيع أجهزة المحل بسعر زهيد لجمع المال، وجمع نحو 70 ألف جنيه، عاش بعدها رحلة صعود وهبوط، حتى جاء المكسب الأكبر 600 ألف جنيه دفعة واحدة.. أغلق على نفسه الأبواب، وتحول اللعب إلى وظيفة يومية. يقول: "قفلت المحل وقعدت ألعب من البيت".
لم تمر سوى شهور قليلة حتى تراكمت الديون على منتصر إلى 800 ألف جنيه وباع ذهب زوجته وأثاث البيت، قبل أن يخسر كل شيء… "كنا فاكرين إننا مسيطرين.. طلعنا ضحايا".
بوابة الدخول.. السايبرات والألعاب المجانية
أما وليد أحمد، صاحب محل بلاي ستيشن، فيرى أن ما يحدث ليس مفاجئًا، مضيفًا: "إحنا بقينا في بلاء مع الألعاب دي".
ويوضح أن الفئة العمرية الأكثر إقبالًا على هذه الألعاب تبدأ من 15 عامًا وحتى الثلاثينات، وأن هناك سايبرات تقوم بتحميل ألعاب المراهنات لأنها تحقق أرباحًا من تداول عملاتها، ووفق قوله فإن "نصاحب السايبر بيشتري العملات من العيال بسعر أقل من الحقيقي، ويكسب في كل اتجاه".
بهذا الشكل، تتحوّل السايبرات إلى بوابة استدراج مبكر، حيث يبدأ الطفل أو المراهق بلعبة تبدو مجانية، قبل أن يُدفع تدريجيًا نحو الرهان بالمال.

وهم المكسب السريع.. كيف يصنع الإدمان؟
من جانبه، يشرح استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، أن ألعاب المراهنات تعتمد على آلية دقيقة في التأثير على مادة الدوبامين في الدماغ.

يقول فرويز: “اللاعب يشعر بنشوة في البداية، ثم يبدأ مستوى الدوبامين في الاختلال مع الوقت”، موضحًا أن محاولة الابتعاد عن اللعبة تؤدي إلى شغف ورغبة أقوى في العودة، ما يدفع اللاعب لفعل أي شيء من أجل اللعب مرة أخرى.
ويؤكد استشاري الطب النفسي أن أغلب الحالات التي يتعامل معها ارتكبت سرقات من الأهل أو الجيران أو المحلات، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الأسر لا تدرك أن ما يعانيه أبناؤهم إدمان إلكتروني كامل الأركان.
أرقام صادمة.. مليارات خارج الرقابة
وبحسب إحصاءات صدرت في عام 2023، شارك نحو 4.5 مليون مصري في تطبيقات المراهنات الإلكترونية، ودفعوا ما يقارب 41.5 مليار جنيه.
وفي عام 2024، أظهرت إحصاءات عالمية أن مصر أصبحت الخامسة عالميًا في المراهنات الإلكترونية، حيث قام نحو 5 ملايين مصري بعملية مراهنة واحدة على الأقل.
وهذه الأرقام لا تعكس فقط حجم الظاهرة، بل تكشف عن اقتصاد ظلٍ ضخم يعمل خارج أي رقابة مصرفية أو ضريبية.
وسائل دفع لا تخضع للرقابة البنكية المباشرة
من جانبه، يوضح خبير أمن المعلومات، المهندس أسامة مصطفى، أن أغلب منصات المراهنات تدار من خارج مصر، وتعتمد على وسائل دفع لا تخضع للرقابة البنكية المباشرة، مثل العملات الرقمية والمحافظ الإلكترونية وأنظمة التحويل عبر الإنترنت.
يقول مصطفى: "حتى مع محاولات الحجب، فإن المواقع تظهر بأسماء جديدة وعلى خوادم خارجية"، مؤكدًا أن الحجب الفعّال يتطلب تنسيقًا دوليًا وتقنيات أكثر تطورًا.

القانون الغائب.. تجريم بلا تنفيذ
رغم أن قانون العقوبات يجرم القمار، وتحديدًا المادة 352، فإن خبير التشريعات الرقمية، الدكتور محمد حجازي، يؤكد أن القانون لا يتضمن نصًا صريحًا يجرم المراهنات الإلكترونية.
يقول حجازي: "نحتاج لتشريع واضح"، مشيرًا إلى أن البنك المركزي يمتلك القدرة على وقف البطاقات المستخدمة في هذه المواقع، لكن الأمر يحتاج إلى قرار وتنظيم.

رأي الشرع في ألعاب المراهنات الإلكترونية
من الناحية الدينية، يؤكد أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الدكتور أحمد كريمة، أن القمار بجميع صوره، بما فيها الإلكتروني، محرم شرعًا، لما له من أضرار اجتماعية جسيمة، أبرزها الكسل وترك العمل ودمار الأسر، ويشدد على مسؤولية أولياء الأمور في متابعة استخدام أبنائهم للإنترنت، محذرًا من التهاون مع هذه الظاهرة.

علاج ممكن… لكنه بعيد
ولهذه القضية بعد اجتماعي مهم أيضًا، حيث تشير أستاذة علم الاجتماع، الدكتورة سوسن فايد، إلى أن ألعاب المراهنات تمثل نوعًا من الإدمان السلوكي المرتبط بفراغ فكري وضغوط اقتصادية.

وترى أن العلاج يتطلب جلسات طويلة وبرامج متكاملة، في وقت تفتقر مصر إلى حملات توعية أو مراكز متخصصة كافية للتعامل مع الظاهرة.
اقرأ أيضًا:
"مراهنات الموبايل" تكتب نهاية مؤسفة لفكهاني بالإسكندرية
ملايين الدولارات.. كيف تقود ألعاب المراهنات لخسائر فادحة؟
بعد تكرار حالات الانتحار.. الأزهر يُحرم ممارسة هذه الألعاب
ما حكم ألعاب المراهنات على الإنترنت؟.. علي جمعة: أبو حنيفة قال إيه؟
الأكثر قراءة
-
تراجع درجات الحرارة، توقعات الطقس في القاهرة هذا الأسبوع
-
استدعاء مرتقب لنادية الجندي للتحقيق في بلاغ قذف وتشهير، ما القصة؟
-
تردد القنوات الناقلة لبطولة كأس أمم أفريقيا 2025
-
بعد عامين من شطبها ببورصة طوكيو، مجموعة العربي تنهي الشراكة مع توشيبا
-
حظك اليوم توقعات برج القوس، أيام جيدة تنتظرك
-
موعد مباراة المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025 والقنوات الناقلة
-
تراجع سعر الذهب اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2025، ما الأسباب؟
-
إنجاز تاريخي، الأردن إلى نهائي كأس العرب لأول مرة على حساب السعودية
أخبار ذات صلة
سجل أبطال كأس أمم إفريقيا، مصر في الصدارة بـ7 ألقاب
16 ديسمبر 2025 10:31 ص
بعد التصويت بأغلبية ساحقة، ماذا يعني قرار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره؟
15 ديسمبر 2025 11:49 م
الكرة المغربية من صدفة مونديالية لقوة كروية تُهيمن على القارة وتُصدّر النجوم لأوروبا
15 ديسمبر 2025 11:31 م
التهمتها النيران، تفحم سيارة أجرة بمصر الجديدة
15 ديسمبر 2025 08:56 م
أكثر الكلمات انتشاراً