لا تُسأل الأرواح عن هويتها.. ما مصير "اللقطاء والمشردين" من العلاج على نفقة الدولة؟

عناية مركزة - أرشيفية
في ردهات الطوارئ، حيث تختلط أجهزة الرصد بنبضات الخوف والرجاء، لا تُسأل الأرواح القادمة عن هويتها، ولا يُردّ مريض لأنه بلا أوراق أو بلا أهل.
وفي مستشفيات وزارة الصحة، وتحديدًا مستشفى الهرم التخصصي، تقدمت الإنسانية على الإجراءات، والرعاية سبقت السؤال عن البيانات.
مريض الطورائ إنسان أولا ومواطن لا يجوز التخلي عنه
تجلت إنسانية الفرق الطبية في استقبال صغير مجهول الهويّة، أطلق عليه الطاقم الطبي اسم "بطوط"، إذ دخل المستشفى فاقدًا للوعي بلا أهل ولا اسم، ليبقى عامًا كاملًا في الرعاية المركزة، يعتني به الأطباء والممرضون كما لو كان أحد أبنائهم، حتى عاد إلى حضن أمه في لحظة دموع وانتظار.
وفي غرفة أخرى، فتاة مراهقة تشكوا ألما في بطنها، لتكتشف أنها حامل، ويأتي والدها غاضبًا، قبل أن تهدّئه عاطفة لم يولدها الدم، بل وُلدت من احتواء الفريق الطبي.

قصص كهذه لا تصنعها الأجهزة ولا تُحسب بأرقام الأسرّة، بل تكتبها قلوب رحيمة تعمل بصمت تحت مظلة وزارة لم تكتفِ بالشعارات، بل جسّدت دورها الإنساني في أبهى صوره، مؤكدة أن مريض الطوارئ إنسان أولاً، ومواطن لا يجوز التخلي عنه أبدًا.
استقبال صغير مجهول الهوية في مستشفى الهرم
تفاجأ فريق مستشفى الهرم التخصصي بسيارة إسعاف تقترب من الباب، بـ “حالة طوارئ”، كما ردد المسعف، إلا أن المفاجأة أن الحالة التي دخل بها مجهولة لصغير ليس له أي بيانات، وعلى الفور تم تسجيل الحالة باسم المسعف المُبلغ، وفقا لما هو متبع، وفورا تم تجهيزه للدخول الطوارئ.
وأكد مصدر بالمستشفى أن الحالة يبدو عليها أنها لصغير ذكر يبلغ من العمر 15 سنة، تظهر عليه أعراض نقص النمو، وأطلق عليه التمريض اسم “بطوط”، وتم تقييم حالته وتبين أنها تحتاج إلى رعاية مركزة.
كان “بطوط” يعاني تقرحات بالدرجة الثانية بجسده، واضطراب في درجة الوعي، وتم عمل آشعة وفحوصات ولم يتبين وجود نزيف، وخضع لجراحات العظام.
لم يكن الصغير يعرف له أهل، ويتم التعامل معه باعتباره فاقدا للأهلية، الأمر دفع المستشفي إلى أسئلة مشروعة حول كيفية الوصول إلى ذويه، ليلتقي بهم ويعرفونه.
الرعاية المركزة لمدة فاقت الشهر
بعد أن أجرى الفريق الطبي الجراحة اللازمة للصغير تم تقييمه ووضعه بالرعاية المركزة لمدة فاقت الشهر، وطوال الشهر كان يشرف عليه التمريض والخدمات المعاونة، بل كان بعض الأطباء ينفقون على مصروفاته اللازمة من “بامبرز ومستلزمات خارجية”، وساعدهم في ذلك التمريض.

وقال مصدر داخل المستشفى إنه حتى بعد استقرار حالته نسبيا، تم نقله إلى الرعاية المتوسطة ليبدأ رحلة علاج جديدة من نوع خاص لمدة 10 أشهر، كان يتم إعادة تأهيله وتعليمه وعلاجه مع الفريق الطبي.
ومازال المستشفى يبحث خلال تلك المدة عن ذويه بمختلف الوسائل، حيث تم تصويره من قبل العلاقات العامة بالمستشفى ونشر صوره على أكثر من جروب في مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها لم تلق الاستجابة المطلوبة.
الطاقم الطبي يبحث عن أسرة لبطوط
وترقب الطاقم الطبي ظهور أسرة “بطوط”، بعد فقدانه أكثر من 6 أشهر مرت عليه بلا سائل، وتعوّد الطاقم الطبي على رؤيته يوميا، لكنهم يحزنون لفقدانه أهله وأسرته، وهم حائرون بين هذا وذاك.
وإذ فجأة ظهرت أسرة تدعي أنها فقدت أحد أبنائها خلال فترة وجود الصغير داخل المستشفى، وما إن هبطت الأسرة عليهم حتى فرح الجميع به، غير أن المفاجأة كانت أن الأسرة عندما رأت الصغير قالت ليس هو وليدها الذي لطالما حلمت أن تجده.
يروي المصدر من داخل الرعاية المركزة بمستشفى الهرم، أن الطاقم الطبي وإدارة المستشفي لم تكل ولم تمل من البحث عن ذوي الطفل أو كما يسمونه بطوط، رأفة به.
وبعد مرور شهر آخر، كان قد أصبح له بالمستشفى 7 أشهر، أعادت العلاقات العامة تصويره ونشر صور له مرة ثانية أو ربما الثالثة، فلم يعد يذكر المصدر عدد المرات، إلا أنه تلك المرة تواصلت معهم أسرة وتوجهت للمستشفى، وفي صعودها إلى الرعاية المتوسطة حيث يرقد “بطوط” بالغرفة طوال اليوم لعلاج قرح الفراش، تفاجأ الجميع بأن الاسرة قالت ليس هو فقيدنا الذي تبحث عنه.
عاد الأمل من جديد للطاقم الطبي لملاعبة ومداعبة الصغير الذي لا يعرف من هو ولا أين هو، ومن هؤلاء وماذا يفعلون به، وبعد مرور شهرين آخرين ذهبت سيدة إلى المستشفى وقالت إنها خالة صاحب الصورة وتعرفت بالفعل علىي الصغير وأقرت بأنه بأنه أختها.
وأخبرت السيدة بأن الصغير تعرض لظروف أسرية انتهت بالفراق بين الأب والام، إلا أن تلك السيدة اختفت بعد ذلك، ولا تعلم إدارة المستشفي لماذا؟، وفي غضون الشهر العاشر على بقائه في الرعاية المتوسطة، فوجئ الطاقم بمكالمة تليفونية لسيدة قالت إنها تعرف من هي والدة الصغير، حيث تعمل لديها بعمل خاص، وتريد أن تحضر لتأخذه معها.
التأمين الصحي يغطي علاج الصغير بالمستشفى
وبخوف وترقب شديدين تواصلت الأم، من خلال السيدة التي تعمل لديها، مع المستشفى والذي طلب منها إحضار شهادة ميلاد لضم ابنها لحضنها، غير أنها كانت تخشى دفع تكاليف العلاج بالرعاية المركزة، حيث قارب على استكمال عام في المستشفى.
وفي تلك الأثناء حضرت والدة الطفل، وتغلبت على خوفها وقلقها، بدافع الأمومة، وعزمت على استخراج شهادة ميلاد له، حيث كانت تتوقع أن التأمين الصحي يغطي علاجه بحكم أنه في سن الدراسة، إلا أنه قد أتم الـ 16 عاما في أمسه، وهو السن الذي يخرج فيه من دائرة التأمين الصحي، ففوجئت بأنه دخل في منظومة العلاج على نفقة الدولة، وهو ما يعني أنها لن تنفق جنيها واحدا على علاجه.
بدأت لحظة اللقاء الأولى التي حكاها التمريض، لقاء بالدموع، وتم خروج “بطوط” من الرعاية إلى القسم الداخلي كأقرانه من الحالات المرضية التي ترقد مثله مع أسرها، وبدأت رحلة الأم في استخراج تحقيق شخصية واستدعاء الأحوال المدنية، واستخراج بطاقة تحقيق شخصية.
الرعاية الصحية تنقذ طفلا تائها
سبق الواقعة أن وصل صغير لا يتجاوز عمره ست سنوات إلى قسم الطوارئ في مستشفى الهرم، بعدما التقطته سيارة إسعاف من أحد شوارع القاهرة كان تائهًا، لا يعرف إلى أين يذهب، ولا أحد يسأل عنه، لم يحمل معه سوى ملامح الخوف والوحدة، نتيجة خلافات عائلية أفضت إلى إهماله.
الغريب أن أول من رقّ قلبه لحال الطفل لم يكن من أقربائه، بل أحد أصحاب محال الكشري، الذي رآه هائمًا في الشارع، فقرر التبليغ عنه طلبًا للرحمة لا القانون.
وفور وصوله إلى المستشفى، بادرت الإدارة إلى تقديم الرعاية الصحية اللازمة للطفل، حيث وُضع تحت الملاحظة الطبية في العناية المركزة لمدة تجاوزت الشهر ونصف، وخلال هذه الفترة، تحركت العلاقات العامة بالمستشفى بالتعاون مع رواد منصات التواصل الاجتماعي، في محاولة للوصول إلى ذويه.
تم التوصل إلى عمّ الطفل، وعندما حضر إلى المستشفى، فوجئ بحجم الرعاية والعلاج المجاني الذي تلقاه ابن أخيه، وهو ما دفعه إلى التدخل شخصيًا وإجبار والد الطفل على استلامه وتحمل مسؤوليته من جديد.
من "الزائدة" إلى اكتشاف الحمل.. ووالدها جاء لينهي حياتها
وفي واقعة إنسانية هزّت مشاعر الفريق الطبي بمستشفى الهرم التخصصي، وصلت فتاة في الخامسة عشرة من عمرها إلى قسم الطوارئ، دون أوراق ثبوتية، وهي تشكو آلاما حادة في البطن، كانت تظن أنها تعاني التهاب الزائدة الدودية، لكن الفحوصات كشفت مفاجأة صادمة: الفتاة حامل.
الصدمة لم تكن للفتاة وحدها، بل امتدت إلى الفريق الطبي حيث إن الفتاة ليست متزوجة، وقد حضر معها والدها، ولم يكن رد فعله متوقعًا.
دخل الأب المستشفى غاضبًا، مندفعًا نحو "التخلّص" من ابنته التي جلبت له ـ حسب وصفه ـ "العار"، لكن تدخل إدارة المستشفى والعاملين بها كان حاسمًا، قائلين له: “تقوم بالسلامة ونشوف هنعمل إيه”.
بهدوء وتعاطف، بدأ الفريق الطبي بالمستشفى في تهدئة الأب، واحتوائه إنسانيًا ونفسيًا، وبعد أن رآها، ووضعت مولودها وتحديدًا عندما رأى حفيده الوليد، خفتت حدة غضبه وسكنت ثورته.
ولم تتوقف إدارة المستشفى عند الجانب الطبي فقط، بل حرصت على توجيه الأب والفتاة إلى اتخاذ الخطوات القانونية والدينية الصحيحة، من خلال التواصل مع أحد الشيوخ المختصين، وكذلك محامٍ لتقديم الدعم والإرشاد اللازمين في مثل هذه القضايا الحساسة.
الوزارة تتحمل قيمة العلاج للمجهولين
بدوره، كشف مصدر مسؤول بوزارة الصحة والسكان، أن الوزارة تتحمل قيمة تكلفة العلاج للمرضى المجهولين الذين يذهبون إلى أقسام طوارئ المستشفيات في الحوادث.
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ "تليجراف مصر"، أن الوزارة تتحمل كافة التكلفة بمستشفياتها على نفقة الدولة، وعندما يتعرف ذووهم لن يتحملوا أي تكلفة ولو جنيه واحد.
وقال إن الوزارة تعمل على تقديم كافة الخدمات الطبية للمرضى في اقسام الطوارئ دون قيد أو شرط.

الأكثر قراءة
-
كيف وصلت المقاتلات الإسرائيلية إلى الدوحة.. هل هناك خيانة عربية؟
-
موعد مباراة الأهلي القادمة والقنوات الناقلة عقب التوقف الدولي
-
بعد الفحص.. 110 مقاطع ساخنة بهاتف البلوجر خالد الرسام (خاص)
-
عام كامل لاختفاء الحاجة آمنة.. والأبناء يرصدون ربع مليون جنيه للعثور عليها
-
"هتلر العصر".. علم فلسطين يحرج ترامب في مطعم بواشنطن (فيديو)
-
معاش وسكن.. تضامن المنوفية تنقذ سيدة و3 أبناء من حياة الشوارع
-
بعد تقدم مصر بشكوى ضد إثيوبيا أمام مجلس الأمن.. ماذا تعني هذه الخطوة؟
-
ماسك يتصدر.. 400 ملياردير أمريكي يضيفون 1.2 تريليون دولار لثرواتهم في عام

أخبار ذات صلة
متى يحق لصاحب العمل إنهاء خدمة الموظف؟.. قانون العمل الجديد يوضح
10 سبتمبر 2025 11:03 م
البابا تواضروس: ندين العنف ونصلي من أجل عدم اتساع رقعة الحرب
10 سبتمبر 2025 10:27 م
متى يتم فتح إضافة المواليد على بطاقة التموين؟.. الخطوات والشروط
10 سبتمبر 2025 06:40 م
مدبولي: الحكومة لا تتدخل في تحديد سعر الفائدة.. الأمر يخص المركزي
10 سبتمبر 2025 09:13 م
مدبولي: بدء تنفيذ المرحلة الثانية من "حياة كريمة"
10 سبتمبر 2025 09:00 م
"العمل الدولية" و"صناع الخير" توقّعان "خطاب نوايا" لمكافحة عمل الأطفال
10 سبتمبر 2025 08:58 م
مدبولي: هجمات إسرائيل ضد قطر تكشف نوايا إسرائيل بشأن وقف إطلاق النار
10 سبتمبر 2025 08:33 م
بعد موافقة مجلس الوزراء.. معلومات عن كلية بنها ووهان للدراسات العليا
10 سبتمبر 2025 08:21 م
أكثر الكلمات انتشاراً