الجمعة، 12 سبتمبر 2025

08:01 م

الأرض الغامضة.. حكاية جزيرتين لا يعرفهما إلا أهل بورسعيد (فيديو)

بحر بورسعيد

بحر بورسعيد

شاما الريس

A .A

عندما نسمع كلمة "جزيرة"، يتبادر إلى الذهن فورًا صورة قطعة أرض يابسة محاطة بالماء من جميع الجهات، كما هو الحال في جزر البحر المتوسط الشهيرة مثل قبرص، صقلية، أو كريت، لكن في بورسعيد، حيث يلتقي البحر المتوسط بقناة السويس، يأخذ مفهوم "الجزيرة" معنى مغايرًا تمامًا، لا علاقة له باليابسة ولا بالجغرافيا التقليدية، بل هو إرث شعبي وذكريات عائلية ممتدة عبر أجيال.

بورسعيد.. مدينة على شريط ساحلي فريد

تقع بورسعيد في شمال شرق مصر، عند المدخل الشمالي لقناة السويس، وتُعد من المدن الساحلية التي تمتلك شخصية خاصة، وتمتاز شواطئها بامتداد طويل يصل إلى نحو 10 كيلومترات على البحر المتوسط، لتكون مقصدًا لعشاق البحر من أبناء المحافظة والمناطق المجاورة، هذا الموقع الفريد جعلها عبر التاريخ نقطة اتصال بين قارات العالم، ومسرحًا لأحداث سياسية وحربية وتجارية كبرى.


مفهوم "الجزيرة" عند أهل بورسعيد

عند النزول إلى البحر في شواطئ بورسعيد، وبعد السباحة لمسافة تتراوح ما بين 15 و30 مترًا، يجد السباحون أنفسهم في منطقة فريدة يطلق عليها البورسعيدية اسم "الجزيرة".

هذه "الجزيرة" ليست يابسة، بل مساحة مائية ضحلة في قلب البحر، لا يتجاوز ارتفاع المياه فيها نصف متر، بينما تحيط بها مياه أعمق من جميع الجهات.

كان الوصول إليها في الماضي يُعتبر مقياسًا للجرأة والإجادة في السباحة؛ فلا يُعترف بالشاب البورسعيدي سبّاحًا حقيقيًا إلا إذا استطاع أن يعبر منطقة الغريق العميقة ويصل إلى "الجزيرة"، حيث يقف على أرض صلبة تحت الماء وكأنه فوق اليابسة.

الطابع الاجتماعي للجزيرة

قديماً، كانت الأسر البورسعيدية الأصيلة ترى في رحلة الوصول إلى الجزيرة جزءًا من متعة البحر، والجملة الشهيرة بينهم "لو راجل عدي الجزيرة"، وتتجمع العائلات بأكملها لدخول البحر معًا، كبارًا وصغارًا، ويمضون الساعات في تلك المنطقة المميزة، يضحكون ويلعبون، وكأنها نزهة داخل البحر.


كان هذا المكان بمثابة "منتدى شعبي بحري"، يرسخ قيم الشجاعة، والترابط العائلي، ومتعة البحر التي لا تضاهيها متعة أخرى.

الجزيرة بين الماضي والحاضر

رغم التغيرات التي شهدتها بورسعيد عبر العقود، ظل مفهوم "الجزيرة" حاضرًا في وجدان أبنائها، لا تزال حتى اليوم هدفًا لمرتادي البحر، سواء من أهل المدينة أو من المحافظات المجاورة، فهي ليست مجرد منطقة ضحلة في البحر، بل رمزًا للذاكرة الجماعية ولتراث شعبي يتناقله جيل عن جيل.

 


 

بورسعيد.. مدينة تُعيد تعريف المفاهيم

الجزيرة عند أهل بورسعيد مثال حي على كيفية إعادة صياغة المفاهيم بما يتناسب مع طبيعة المكان والناس.
فالمدينة التي نشأت على مفترق طرق العالم، وصمدت في وجه العدوان الثلاثي، واحتضنت حضارات وثقافات مختلفة، استطاعت أن تمنح كلمة "جزيرة" معنى جديدًا، بسيطًا في شكله، عميقًا في دلالته.


إنها ليست مجرد منطقة في البحر، بل حكاية أجيال وصورة من صور الذاكرة الشعبية لمدينة وُلدت من قلب البحر ولا تزال تتنفس من موجه.

search